العرب المسيحيون

العرب المسيحيون

العرب المسيحيون

 لبنان اليوم -

العرب المسيحيون

عريب الرنتاوي

    حين يطرد المشرق العربي أزيد من مليونين من مواطنيه المسيحيين خلال عشره أعوام فقط (2003 – 2013)، فإننا أمام مشكلة حقيقية، تستدعي قرع أجراس التحذير والإنذار والخطر ... وحين لا يتبقى في أرض المسيح ومهده وموطن رسالته سوى 40 ألف فلسطيني مسيحي، فهذه هي الطامة الكبرى بكل المقاييس ... وحين تُهدّم 67 كنسية وتحرّق في موطن الأقباط التاريخي، السابق للعروبة والإسلام، وفي غضون أسابيع معدودات فإن الصورة تبدو في غاية القتامة ... وحين تنخفض أعداد مسيحي بلاد الرافدين من قرابة المليون ونصف المليون عراقي مسيحي إلى ما يقرب من 300 ألف فقط، فتلكم ثالثة الأثافي. هو غيض من فيض ما قاله نشطاء ومفكرون ورجال دين مسيحيون اجتمعوا في مؤتمر إقليمي عقد قبل يومين في عمان تحت عنوان "المسيحيون وربيع العرب" ... هو بعض من "البوح" المهذب والمتردد عن بعضٍ من "المسكوت عنه" في دولنا ومجتمعاتنا ... لا الحكومات والأنظمة تفعل شيئاً لدرء خطر "انقراض" المسيحية المشرقية ... ولا المجتمعات العربية حافظت على روحها وتسامحها المتوارث في ظل انتشار خطير لمظاهر الغلو والتطرف ... ولا الغرب يعنيه من أمر مسيحي الشرق، سوى استبدال العمالة المسلمة المهاجرة إليه، بعمالة مسيحية، أقل تهديداً وربما أسرع اندماجا، أو هكذا يظنون. لقد بذل المشاركون المسيحيون في الورشة، جهداً مذهلاً في توضيح حجم المشكلة وفداحة الخطر، وكان الأمل أن تتفهم بعض الحركات الإسلامية ذات البعد الشعبي والجماهيري الأمر على حقيقته ... لكن القليل تحقق على هذا الصعيد، فثمة ما يشبه حالة الإنكار، و"التعميم زورق النجاة من الحرج": كنائسكم حرقت ومساجدنا دمرت، أنتم هجرتم ونحن هجرنا، أنتم ذبحتم ونحن ذبحنا ... فلماذا الصراخ والعويل إذن؟ المسيحيون حائرون في "ربيع العرب"، إن هم اصطفوا خلف أنظمة الفساد والاستبداد، فرطوا بإنسانيتهم وتوقهم الأصيل للحرية والكرامة، وخانوا رسالة الآباء والأجداد الذين كانوا روّداً في عصر النهضة والتنوير وحروب الاستقلال ومعارك تصفية الاستعمار ... وإن هم بحثوا لأنفسهم عن مقعد أو عربة، في قطار التغيير الجارف، جوبهوا بقوى متشددة، تتمنطق بقراءة متعسفة للإسلام، لا ترى فيهم سوى جماعة من "الذميّين" لا وظيفة لهم سوى دفع "الجزية" عن يد وهم صاغرون ... وإن لاذوا إلى "التيار الثالث" وجوده ضعيفاً منقسماً على نفسه، يأتيه التهميش والابتلاء عن يمين وشمال، فأين يتموضع هؤلاء؟ طوق نجاتهم "المواطنة المتساوية" في دولة مدنية ديمقراطية، تكفل للجميع حقوقهم وترتب على الجميع واجباتهم ... لكن أين هي هذه الدولة المدنية – الديمقراطية، أين هي هذه "اليوتوبيا"، وكيف يمكن الركون إلى قراءات فارغة من أي مضمون لهذا الشعار؟ ... فالأنظمة العسكرية/ البوليسية تتحدث عن دولة "مدنية" بمعنى لا دينية، وهي لا تمانع في "تديين" الدولة إن ترتب على ذلك إطالة أمدها وتجديد صلاحيتها ... والحركات الإسلامية تتحدث عن دولة مدنية، ولكن ما الذي يتبقى من مدنية الدولة في ظل الإصرار على تطبيق الشريعة بتجلياتها المذهبية الضيقة والمحددة جداً، وبعض هذه الحركات لا يمانع في "عسكرة الدولة" إن كان من شأن ذلك أن يعزز من "أسلمتها" و"تدينها. لقد سئم العرب المسيحيون وسئمنا معهم، حوارات الطوائف والمذاهب والأديان وما يتخللها ويعقبها من مجاملات دبلوماسية متبادلة، يتقن المشاركون المنتقون بعناية مشددة فيها، فنونها أكثر من الدبلوماسيين المحترفين في وزارات الخارجية ... فكثرة هذه المؤتمرات وتناسلها، لم يوقف شلال الدم ولم يحل دون اتساع "الشقّة" بين الإخوة والأشقاء في حروب الطوائف والمذاهب ... أما المطلوب اليوم، فهو يتخطى ذلك بكثير، إلى النهوض بإصلاح حقيقي شامل للدساتير والتشريعات، وبما يُجرم التمييز ويحفظ حقوق الجميع، أفراداً وجماعات، وبث خطاب العيش المشترك والشراكة والمواطنة المتساوية في المدارس ورياض الأطفال وصولاً للجامعات، ومحاربة خطاب الغلو والتطرف وعدم التساهل مع أي مظهر من مظاهره مهما صغر شأنه. المسيحيون العرب شركاء طبيعيون في حركات الاحتجاج والتغيير والثورة، وموقعهم الطبيعي إلى جانب شعوب المنطقة وجماهيرها، كتفاً بكتف وجنباً إلى جنب، ومن دون ذلك على المشرق و"الربيع" السلام. نقلا  عن موقع القدس للدارسات السياسية  

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العرب المسيحيون العرب المسيحيون



GMT 21:51 2024 الأحد ,26 أيار / مايو

لبنان المؤجَّل إلى «ما بعد بعد غزة»

GMT 20:10 2024 السبت ,25 أيار / مايو

مفكرة القرية: السند

GMT 20:02 2024 السبت ,25 أيار / مايو

الإصغاء إلى «رواة التاريخ»

GMT 19:58 2024 السبت ,25 أيار / مايو

القضية الفلسطينية في لحظة نوعية

GMT 19:56 2024 السبت ,25 أيار / مايو

الدولة الفلسطينية ودلالات الاعترافات

GMT 19:51 2024 السبت ,25 أيار / مايو

ذكريات العزبى!

GMT 19:49 2024 السبت ,25 أيار / مايو

حوارات إستراتيجية !

GMT 19:45 2024 السبت ,25 أيار / مايو

«شرق 12»... تعددت الحكايات والحقيقة واحدة!

إطلالات الملكة رانيا في المناسبات الوطنية تجمع بين الأناقة والتراث

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 08:00 2022 الأحد ,08 أيار / مايو

طرق ارتداء الأحذية المسطحة

GMT 07:11 2019 الأربعاء ,08 أيار / مايو

المسحل ينسحب من الترشح لرئاسة اتحاد القدم

GMT 07:22 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

مرسيدس تكشف النقاب عن نسختها الجديدة GLC

GMT 11:13 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.2 درجة يضرب بحر إيجة جنوب غربي تركيا

GMT 10:32 2021 الأربعاء ,11 آب / أغسطس

جرعة أمل من مهرجانات بعلبك “SHINE ON LEBANON”

GMT 12:25 2022 الإثنين ,04 تموز / يوليو

أفضل العطور للنساء في صيف 2022

GMT 12:53 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 12:13 2024 السبت ,25 أيار / مايو

نانسي عجرم بإطلالات شبابية مرحة وحيوية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon