عن عرسال واسباب استهدافها

عن عرسال واسباب استهدافها

عن عرسال واسباب استهدافها

 لبنان اليوم -

عن عرسال واسباب استهدافها

خيرالله خيرالله

من الواضح أنّ وراء الاكمّة ما وراءها في بلدة عرسال اللبنانية القابعة في الشمال على حدود طويلة مع سوريا. عرسال مستهدفة. سبب استهدافها عائد قبل كلّ شيء الى موقعها الجغرافي الذي يجعل منها عائقا يفصل بين المناطق التي يسيطر عليها "حزب الله" في سهل البقاع اللبناني، في مقدمها منطقة الهرمل، من جهة والساحل السوري من جهة اخرى. لذلك، يبدو مطلوبا خنق عرسال او اختراقها بصفة كونها عاملا معرقلا للمشروع الذي يصبّ في التواصل الحرّ بين ما يمكن ان يصبح يوما جيبا علويا في سوريا والجزء البقاعي من الدويلة التي اقامها "حزب الله" في الاراضي اللبنانية. هذه دويلة اقيمت على حساب لبنان ومؤسساته، في مقدمها الجيش الوطني، بدعم ايراني معلن مستمر منذ ما يزيد على ثلاثة عقود. المشكلة ليست اذا في عرسال التي كانت دائما، مع منطقة عكّار، داعمة للجيش اللبناني وخزّانا بشريا له، وقد وفّرت آلاف الشبان يسيرون خلف العلم الوطني فقط وليس وراء علم غريب. المشكلة في السلاح غير الشرعي الذي يستخدم حاليا في مشروع لا يخدم لبنان ومستقبل شبابه ووحدة اراضيه في شيء. على العكس من ذلك، أنّه مشروع يصبّ في تكريس لبنان كلّه او جزء منه، على الاقلّ، قاعدة انطلاق لدعم مشروع مريب ذي بعد مذهبي فاقع في سوريا والمنطقة كلّها. انطلق هذا المشروع المريب من العراق الذي سلّمه جورج بوش الابن على صحن من فضّة الى ايران. لم يدرك الرئيس الاميركي في العام 2003 وفي مرحلة الاعداد للحرب الاميركية على العراق خطورة ما يفعله. صحيح أن وزير الخارجية الاميركي وقتذاك الجنرال كولن باول تحدّث عن "اعادة تشكيل المنطقة". الاّ أنّ الصحيح ايضا أنّ الادارة الاميركية السابقة لم تستدرك أنّ العراق لن يكون نموذجا ديموقراطيا لاهل الشرق الاوسط بمقدار ما أنّه سيكون منطلقا لاثارة الغرائز المذهبية التي لم يعد معروفا كيف يمكن السيطرة عليها أو هل من مجال لذلك. لم يستطع الاميركيون، الذين كان عليهم طرح الف سؤال وسؤال على انفسهم، بمجرد دعم ايران لحربهم على العراق، أنّ البناء على عمل ايجابي ومفيد للانسانية مثل التخلّص من نظام صدّام حسين ليس كافيا، في أيّ شكل، لنشر الديموقراطية في البلدان المحيطة بالعراق او القرببة منه. ما نشهده في لبنان حاليا هو ابشع توظيف للغرائز المذهبية التي فجّرت سوريا بعدما ذهب النظام فيها الى استغلالها الى ابعد حدود بتواطؤ ايراني مكشوف. استثمر النظام الايراني في عملية تمزيق لبنان وفي وضع اليد على عاصمة الامويين كي يمارس منها هيمنته على بلدين عربيين بعدما وضع يده على العراق. لم يعد سرا، بعد ثماني سنوات على اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وبعد تمكن ايران من سدّ الفراغ الامني الذي خلّفه الانسحاب العسكري السوري من لبنان أنّ حسابات طهران لم تكن دقيقة. كان في اعتقادها، كما في اعتقاد بشّار الاسد، أن الانتهاء من اكبر زعيم سنّي في لبنان سيؤدي الى خضوع الوطن الصغير نهائيا. فات طهران أنّ الشعب السوري سينتفض، مثلما فاتها قبل ذلك، هي والاسد الابن، أنّ لبنان سينزل كله الى الشارع وسيخرج القوات السورية من اراضيه. من كان يتصوّر أنّ ذلك سيحصل يوما؟ تمثّل الهجمة على عرسال حاليا تعبيرا عن مشروع ايراني-سوري بديل يقوم على الاحتفاظ بجزء من سوريا في غياب القدرة على الامساك بها كلّها. يبدو مطلوبا باختصار شديد، ايجاد ممرّ آمن يجعل "حزب الله" بكلّ ما يمثّله ويمتلكه من امكانات قادرا على توفير شريان الحياة للجيب العلوي المفترض في سوريا. من هنا، عرسال ليست مجرد بلدة سنّية تستقبل لاجئين سوريين وتمتلك موقعا استراتيجيا مهما في منطقة حدودية. تحولت عرسال الى رمز. انّها احدى القلاع الصامدة في وجه مشروع مذهبي يخدم في نهاية المطاف اسرائيل التي عملت دائما على تفتيت المنطقة من منطلقات طائفية ومذهبية وعرقية، على غرار ما هو حاصل حاليا في العراق. هناك ما هو ابعد بكثير من عرسال، هناك سلاح مذهبي لا يمتلكه سوى فريق واحد في لبنان يعمل على من اجل تعويض ايران خسائرها السورية. مرّة اخرى، يدفع لبنان ثمن وجود السلاح غير الشرعي فوق اراضيه. هذا السلاح كان فلسطينيا في البداية وقد شرّعه للاسف الشديد اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969. شرّع اتفاق القاهرة الابواب امام قيام كلّ انواع الميليشيات في ارجاء الوطن الصغير. كان النظام السوري دائما وراء هذه الظاهرة التي ما لبثت أن ارتدت عليه. لم يستوعب هذا النظام الذي غطّى مذهبيته بقضية فلسطين واعطاء دروس في الوطنية، أن ثمة نهاية لمثل هذا النوع من البهلوانيات. لا شكّ أنّ عرسال ستصمد. قضية عرسال قضية محقّة. فمثلما كانت الحسابات الايرانية والسورية خاطئة في العام 2005، ستبقى خاطئة في 2013، لا لشيء سوى لأنّ لعرسال عمقها اللبناني والسوري في آن ولأنّ مشروع الجيب العلوي في سوريا ليس مشروعا قابلا للحياة، فضلا عن أنّ من سيقرر مستقبل سوريا هو الشعب السوري الذي ستدخل ثورته قريبا سنتها الثالثة. كذلك، من سيقرر مستقبل لبنان هم اللبنانيون الذين يرفضون البقاء تحت تهديد السلاح المذهبي الذي واجهوه وما زالوا يواجهونه بصدورهم العارية. مهما فعل المحور الايراني- السوري، ستنتصر عرسال. وستنتصر سوريا وسينتصر لبنان. القضية ليست قضية حقّ فحسب، أنها ايضا قضية مرتبطة بثقافة الحياة التي لا يمكن الاّ أن تنتصر على ثقافة الموت التي حاول النظام السوري في الماضي استخدامها لفرض وصايته على لبنان. قبل أن يفكّر النظام السوري في كيفية الانتصار على عرسال، يفترض به التركيز على كيفية الخروج من سوريا اليوم قبل غد، اللهم الاّ اذا كان هدفه النهائي تفتيتها اربا. هل سيتمكن من تحقيق هذا الهدف؟ أنه السؤال الذي ستجيب عنه الاشهر القليلة المقبلة. فكلما طال عمر النظام، كلما زادت مخاطر زوال الكيان السوري بشكله الحالي.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن عرسال واسباب استهدافها عن عرسال واسباب استهدافها



GMT 20:03 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

دومينو نعمت شفيق

GMT 20:01 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

معايير عمل البلدية

GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 19:29 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 19:26 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 19:23 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 12:56 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 15:46 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

وفاة الممثل السوري غسان مكانسي عن عمر ناهز 74 عاماً

GMT 18:24 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مصطفى حمدي يضيف كوتة جديدة لمصر في الرماية في أولمبياد طوكيو

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 19:00 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

لصوص يقتحمون منزل الفنان كيانو ريفز بغرض السرقة

GMT 13:02 2022 الثلاثاء ,07 حزيران / يونيو

توقيف مذيع مصري بعد حادثة خطف ضمن "الكاميرا الخفية"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon