إيران وروسيا وعقيدة المكان

إيران وروسيا وعقيدة المكان

إيران وروسيا وعقيدة المكان

 لبنان اليوم -

إيران وروسيا وعقيدة المكان

بقلم : مصطفى فحص

فرضت التطورات الإقليمية والدولية على المرشد الإيراني السيد علي خامنئي التراجع عن عقيدة السياسة الخارجية للثورة الإيرانية التي تبناها سلفه مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني، والتي أراد من خلالها إيجاد مكان آمن لبلاده بعيداً عن الاستقطابات التي كانت سائدة على الساحة الدولية، خلال الحرب الباردة والتي عرفت بصراع القطبين الأميركي والسوفياتي؛ فقد حاول السيد الخميني استثمار الصحوة الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي، من أجل تقديم مشروعه الثوري نموذجاً بديلاً عن الطروحات الفكرية والثقافية والسياسية لتلك المرحلة، من خلال رفعه شعار «لا شرقية ولا غربية ثورة ثورة إسلامية». إلا أن قرار القيادة الإيرانية الحالية بالسماح للقاذفات الاستراتيجية الروسية باستخدام قاعدة همدان الجوية أثناء قيامها بضرب الشعب السوري، ليس فقط مخالفاً لرؤية الخميني أولاً وللدستور ثانياً، إنما هو في عمقه تطبيق عملاني لموقف صناع القرار الإيراني بالانحياز الاستراتيجي إلى جانب روسيا، ورغم كونه انحيازاً فرضته الظروف الجيو - ستراتيجية التي تتقاطع مع الوقائع الجيوسياسية، التي غالباً ما تفرض شروطها على من يحكم إيران منذ مئات السنين، وتستحوذ على خياراته السياسية وتؤثر على تحالفاته الخارجية، في محصلتها خيارات كانت انعكاساتها السلبية على الواقع الإيراني في الداخل والخارج أكثر من إيجابياتها.

تاريخياً، أسست الانطباعات التي دوّنها الرحالة والتاجر الروسي المقرب من القيصر إيفان الثالث أفاناسي نيكيتين، في النصف الثاني من القرن الخامس عشر أثناء إقامته لسنتين في إيران، لعلاقات اقتصادية وسياسية بين البلدين، والتي تعززت مع إيفان الرهيب الذي سيطر على الممرات المائية التي تصبّ في بحر قزوين، إلى أن تم تبادل السفراء بين البلدين عام 1594 في عهد القيصر فيودور إيفانوفيتش والشاه عباس صفوي، حيث سعت إيران إلى تعزيز تحالفها مع روسيا في مواجهة تركيا العثمانية، ورغم ذلك كانت إيران من أول الدول التي تصطدم بطموحات روسيا التوسعية؛ فقد أجبرتها حروبها الأربع التي خاضتها وخسرتها مع روسيا منذ وصول بطرس الأكبر للحكم إلى التنازل التدريجي عن الأراضي التي كانت خاضعة لها منذ مئات السنين في القوقاز الروسي ودول ما رواء القوقاز (جورجيا وأرمينيا وأذربيجان)، إضافة إلى بعض مناطق حوض بحر قزوين، كما شهد نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين صراعاً بريطانياً - روسياً على الجغرافيا الإيرانية، ووصلت ذروة التدخل الروسي في الشؤون الداخلية لإيران ما بين سنة 1907 و1911 فيما عرف بمرحلة الثورة الدستورية، عندما قمع الجيش الروسي الثورة وقصف البرلمان الإيراني 1908، وهي حادثة يقارنها المجتمع الإيراني بالتدخل الأميركي في قمع ثورة مصدق 1953.

حالياً يتعامل الشارع الإيراني ذو الأغلبية المعادية لروسيا بريبة مع علاقة نظامه بروسيا، ويرى أن تدخل موسكو في الشؤون الداخلية والخارجية لبلاده لم يزل مستمراً؛ فقد أثارت زيارة رئيس جمهورية تترستان الروسية رستم منيخانوف الأخيرة لمرشح التيار المحافظ لرئاسة الجمهورية المتشدد إبراهيم رئيسي قلق الإصلاحيين من دور روسي في الانتخابات لصالح رئيسي، الذي تتقاطع مواقفه ومصالح داعميه مع المصالح الروسية في المنطقة، التي من شأنها أن تزيد من عزلة إيران وتعطل عملية انفتاحها على الغرب؛ فلدى الشارع الإيراني قناعة بأن المرشد المتأثر تاريخياً بالثقافة الروسية يولي العلاقة مع موسكو أهمية استراتيجية، ويعزز هذه القناعة محاولات إنتاج مناخ فكري يؤمن بفكرة الربط بين العقيدة والمكان في النموذجين الروسي والإيراني، باعتبار أن روسيا المسيحية تتزعم العالم الأرثوذكسي، وإيران المسلمة تتزعم العالم الشيعي، وهو ربط متصل بمحاولات أدلجة الجغرافيا يتبناها منظر الأورآسياوية الروسية الجديدة المفكر القومي ألكسندر دوغن، الذي اعتبر تحالف بلاده مع إيران الشيعية، ضرورة في مواجهة العالم الإسلامي السني الذي يشكل الأغلبية لما كان يعرف سابقاً بالمجال الحيوي السوفياتي جنوب روسيا، كما أن أصواتاً مؤثرة داخل الطبقة السياسية الإيرانية بدأت تحذر من أن طموحات بوتين التوسعية ورغبته في الوصول إلى سواحل البحر المتوسط لن تتحقق إلا على حساب النفوذ الإيراني في سوريا، حيث تتخوف هذه النخبة من انقلاب في المواقف الروسية يؤدي إلى خسارة طهران نفوذها الإقليمي جراء صفقة روسية مع الدول الكبرى في سوريا والمنطقة على حساب إيران.

يصف القيصر نيكولاي الثاني إيران بأنها الجار الدائم في الجنوب، هذا الموقع يجعلها مرغمة على الإقامة الدائمة في حيز جغرافي صعب، ومجبرة أيضاً على التعامل معه بصفته ثابتاً وحيداً على الرغم من حسناته الكثيرة، فإنه يحرمها من إيجاد مكان آمن لها في عالم متغير تحكمه المصالح وليس العقائد

صحيفة : الشرق الأوسط

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وروسيا وعقيدة المكان إيران وروسيا وعقيدة المكان



GMT 21:51 2024 الأحد ,26 أيار / مايو

لبنان المؤجَّل إلى «ما بعد بعد غزة»

GMT 19:18 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الصدر والحكيم والهوية المُركبة

GMT 20:20 2024 السبت ,30 آذار/ مارس

المالكي والصدر في اليوم التالي للانسحاب

GMT 17:39 2024 الجمعة ,22 آذار/ مارس

أربيل والقضاء... في اليوم التالي للانسحاب

إطلالات الملكة رانيا في المناسبات الوطنية تجمع بين الأناقة والتراث

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 08:00 2022 الأحد ,08 أيار / مايو

طرق ارتداء الأحذية المسطحة

GMT 07:11 2019 الأربعاء ,08 أيار / مايو

المسحل ينسحب من الترشح لرئاسة اتحاد القدم

GMT 07:22 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

مرسيدس تكشف النقاب عن نسختها الجديدة GLC

GMT 11:13 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.2 درجة يضرب بحر إيجة جنوب غربي تركيا

GMT 10:32 2021 الأربعاء ,11 آب / أغسطس

جرعة أمل من مهرجانات بعلبك “SHINE ON LEBANON”

GMT 12:25 2022 الإثنين ,04 تموز / يوليو

أفضل العطور للنساء في صيف 2022

GMT 12:53 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 12:13 2024 السبت ,25 أيار / مايو

نانسي عجرم بإطلالات شبابية مرحة وحيوية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon