عندما كانت أيامنا جميلة

عندما كانت أيامنا جميلة

عندما كانت أيامنا جميلة

 لبنان اليوم -

عندما كانت أيامنا جميلة

جهاد الخازن

قرب نهاية كل سنة أكتب في هذه الزاوية أهم أحداث الإثني عشر شهراً السابقة، ومنذ أيام وأنا أحاول وأفشل، فكل أخبار الأمة «موت أحمر» ولا أريد أن أزيد على ألم القارئ وألمي، فأحاول أن أبحث عن مادة أخرى. وهكذا بعض الذكريات:

كنت صغيراً، ربما في بدء سنوات المراهقة، عندما رافقت والدتي إلى الأردن لتتسلم إيجارات عقارات للعائلة في مدينة الزرقاء. نزلنا في بيت «عمّو» عودة العقيل حبايبي، فلم يمضِ يوم حتى حصل «انقلاب» على حكومة سليمان النابلسي التي كان لقبها الحكومة الوطنية، مع منع تجول وجنود في الشوارع. في اليوم الثاني أو الثالث ضقت ذرعاً بسجن البيت وخرجت إلى الشارع، وإذا بجندي يوجه بندقيته إليّ ويصرخ فيَّ: انجِحِر. لم أكن سمعت الكلمة من قبل، ولكن فهمت المقصود وعدت إلى البيت، وسألت عن المعنى فقيل لي أن أعود إلى جحري كفأر.

أيضاً شهدت في القدس سنة 1966 آخر عيد ميلاد للعرب قبل الاحتلال عندما كان المسيحيون الفلسطينيون يعبرون بوابة «مندلبوم» لمقابلة الأهل عبر خطوط الاحتلال. كنت قد اشتريت سيارة «فولكسواغن» وذهبت مع صديق إلى الأردن للفرجة. إذا لم تخني الذاكرة فقد تزامن عيد الميلاد مع عيد الفطر أو الأضحى قرب نهاية 1966 وذهبت مع الصديق إلى الحرم الشريف، وكان المصلون يملأون صحنه والشوارع المجاورة. ونزلنا في درج تحت قبة الصخرة، ورأينا أوراقاً ملصقة بالجدران الحجرية أعتقد أنها تضم صلوات أو طلبات.

الطريق إلى الأردن كانت تمر بسورية وعاصمتها دمشق. ولا أذكر زيارة في تلك الأيام لم تشمل سوق الحميدية، والبوظة في بكداش، ودخول الجامع الأموي، ثم السير في الشارع المستقيم. وحدث مرة أن كان الزحام شديداً في ميدان الأمويين، ولم نستطع الوصول ثم سمعنا أن الناس كانوا يشاهدون إعدام الجاسوس اليهودي إيلي كوهين.

أيضاً حضرت في معرض دمشق يوماً فيلماً أميركياً بالأبعاد الثلاثة أقبَل عليه الزوار جميعاً، وأهملوا الصناعة الثقيلة التي كان يعرضها جناح الاتحاد السوفياتي.

سورية في القلب أمس واليوم وغداً.

مثلها أرض الكنانة مصر، فقد زرتها صغيراً كبيراً، وكان لأبي وثلاثة من أعمامي شركة تجارية، وهم هربوا إلى شرق الأردن وفلسطين ولبنان بعد أن اقترب رومل من حدود مصر، وعادوا بعد هزيمة النازيين، ثم تركوا مصر مرة نهائية في أوائل الستينات بعد تأميم الصناعة والتجارة وخسارة الشركة التي لم تكن كبيرة أو عالية الربح.

أفضل من ذلك عناية الصديق فوميل لبيب، رحمه الله، بي وبالأصدقاء عندما كنا نزور القاهرة وقد كبرنا وكبرت «طموحاتنا» معنا. كان فوميل المسؤول عن تحرير مجلة «الكواكب» فكان يحصل على أفضل طاولة ممكنة في الملاهي الليلية، وأذكر نجوى فؤاد في «روف الشيراتون» وأحتفظ بصور لها وهي تجلس معنا. أختنا زوجة فوميل كانت أمهر مَنْ يطهو حمام بالفريك في مصر.

ولا أنسى أيام المراهقة في لبنان، وكانت العائلة تصطاف في حمّانا ولنا شقة في بناية تملكها أسرة بلوط الدرزية الكريمة. كان جيراننا عراقيين، والأب محافظ الديوانية، وهناك الأم وبنتان، سلوى وسميرة، وابن، عبدالوهاب. بعد أن توطدت الصداقة بين العائلتين أصبحنا لا نغلق الباب بين الشقتين في الطابق الثاني. وحدث يوماً أن سميرة دخلت على والدتي وسألتها: عندِك نفنوف أظربه اوتي؟ لم تفهم الوالدة، وبعد بعض الجهد تكلمتا بالإنكليزية، وفهمت أمي أن سميرة تكوي ثياباً وتسأل أمي إذا كان عندها فستان للكيّ.

ما تصورت يوماً ونحن نودع الجيران في صيف 1957 أننا لن نراهم مرة أخرى، فانقلاب 1958 قلب حياة العراقيين، فبقيت رسائل بين الأسرتين سرعان ما انقطعت.

كانت أياماً حلوة لم يخيَّل لي في يوم منها أنني سأرى بعدها بؤس يومنا هذا.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما كانت أيامنا جميلة عندما كانت أيامنا جميلة



GMT 19:59 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 19:58 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 19:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 19:56 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 19:55 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجيير الهزيمة

GMT 19:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

GMT 19:52 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا... «أطلس» يُحجّم ومونرو يُقدّم

GMT 19:51 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

الهجرة إلى التاريخ في زمن الهزائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 16:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لتناول غذاء صحي ومتوازن في أماكن العمل

GMT 03:47 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل الاتفاق على الرقابة المصرفية لمنطقة اليورو

GMT 05:56 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية الأردني: سنعالج ملف العمالة الوافدة كلها
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon