المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

 لبنان اليوم -

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

بقلم: عثمان ميرغني

تشير العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية هذا الأسبوع على شبكة تجنيد المرتزقة الكولومبيين الذين يقاتلون إلى جانب «قوات الدعم السريع»، إلى خطوة في الطريق الصحيح لمعالجة واحدة من أكثر ظواهر الحرب تعقيداً وخطورة. فهي تستهدف جانباً أساسياً من أسباب إطالة أمد الحرب، وتفاقم معاناة المدنيين، وهو الجانب المتعلق بدور المال والسلاح والمقاتلين القادمين من الخارج.

شمل القرار الأميركي أربعة أفراد رئيسيين وأربعة كيانات في الشبكة الكولومبية، لكن دلالاته أبعد من ذلك بكثير. ذلك أنه يتعامل بشكل مباشر مع البعد الخارجي الذي لعب ولا يزال يلعب دوراً محورياً في استمرار الحرب عبر الدعم المالي والعسكري الذي ازداد بوضوح بعد إخراج «قوات الدعم السريع» من مناطق الجزيرة والخرطوم، حين بدا وقتها أن هذه القوات تواجه احتمال هزيمة كبيرة، وأن الكفة بدأت تميل لصالح الجيش والقوات المساندة له.

وركّز البيان الأميركي على دور المرتزقة الكولومبيين في عمليات التدريب، بما في ذلك تدريب أطفال، وفي تشغيل المسيرات، وصولاً إلى المشاركة المباشرة في القتال في الفاشر. كما تحدث عن «وحشية» «الدعم السريع» واستهداف المدنيين بشكل منهجي، بمن فيهم الأطفال، والاعتداء على النساء والفتيات بالاغتصاب. واختتم بالرسالة الأهم، وهي مطالبة «الأطراف الخارجية بوقف الدعم المالي والعسكري»، الذي يعدّ العصب الأساسي لاستمرار الحرب.

هذا التحرك الأميركي ربما يكون بداية خطوات أخرى لما وصفه البيان الأميركي بتعطيل مصدر مهم للدعم الخارجي، الذي تتلقاه «قوات الدعم السريع»، وتقويض قدراتها على استخدام المرتزقة في عملياتها. وكان وزير الخارجية الأميركي قد أشار في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى أن الولايات المتحدة «تعرف الأطراف التي تدعم» «قوات الدعم السريع»، والدول التي تسمح باستخدام أراضيها لشحن ونقل إمدادات السلاح.

الواضح أن الإدارة الأميركية بدأت تتحرك بشكل مختلف وجدية أكبر في أعقاب زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ودعوته الرئيس الأميركي دونالد ترمب للاهتمام بشكل مباشر بحرب السودان. فبعد خطوة العقوبات، أجرى وزير الخارجية الأميركي اتصالين منفصلين مع وزيري الخارجية السعودي والمصري لبحث الملف، في إشارة إلى مساعٍ لتحريك الجمود فيه، ودور أكبر يضطلع به ماركو روبيو بالتنسيق مع البيت الأبيض.

التورط الخارجي، سواء عبر المال والسلاح، أو عبر المرتزقة، مفتاح أساسي في أي جهد لإنهاء الحرب في السودان. وإذا كان الدور الخارجي واضحاً لكثيرين منذ الرصاصة الأولى، وربما قبلها، فإن توسعه الأكبر والأخطر كان بعد إخراج «الدعم السريع» من الجزيرة ومن الخرطوم، حيث فقدت كثيراً من قوتها الصلبة، وتراجع وجودها لينحصر في دارفور وأجزاء من كردفان، وبدا أن الكفة تميل لصالح الجيش.

السلاح الآتي من الخارج ظهر في مراحل مختلفة من الحرب عبر العربات المصفحة، والصواريخ، والذخائر المتطورة، في بدايات الحرب، ثم تطور إلى المسيرات لاحقاً، وتوسع أخيراً من خلال الاستخدام المكثف للمسيرات الاستراتيجية، وأجهزة التشويش المتطورة. هذه الأسلحة وسّعت من دائرة الحرب ومن آثارها التخريبية التي امتدت إلى مرافق الخدمات الأساسية، مثل محطات المياه والكهرباء لتعطيل عودة الحياة الطبيعية، والضغط على المواطنين.

أما بالنسبة إلى المرتزقة فإن «قوات الدعم السريع» استعانت بهم مبكراً، حتى قبل الحرب، عبر تجنيد وتجنيس مجموعات من «عرب الشتات» من تشاد وأفريقيا الوسطى والنيجر ومالي. وبعد اندلاع الحرب جاءت أعداد كبيرة أخرى لتلحق بـ«الدعم السريع» ضمن مفهوم «الفزعة»، مدفوعة بإغراء المال ونهب المنشآت العامة والبنوك وممتلكات المواطنين في مختلف المناطق التي دخلوها. لكن بعد خسارتها مناطق الوسط والخرطوم، ودفعهم نحو دارفور ومناطق من كردفان، تراجع إغراء عائد النهب، وبات الاعتماد يزيد على الدعم المالي القادم من الخارج لتجنيد المرتزقة.

من هنا، فإن الخطوة الأميركية في فرض عقوبات على شبكة المرتزقة الكولومبيين تمثل رسالة مهمة في استهداف مصادر التأجيج، لكنها تبقى مجرد خطوة أولى لا بد أن تتبعها خطوات أخرى، لوقف إمدادات السلاح بشكل مباشر، وكذلك الضغط على الدول التي تسمح باستخدام أراضيها لشحن ونقل إمدادات السلاح.

فمن دون تجفيف المنابع لن تنجح أي محاولات لإنهاء الحرب، بل سنراها تتعقد وتتوسع بكل التداعيات التي يمكن أن تؤثر على المنطقة، ولا سيما إذا فكرت بعض الأطراف في الدفع نحو سيناريو شبيه بالنموذج الليبي في السودان، وهو ما يجب تجنبه بأي ثمن، لأن عواقبه ستكون فادحة في بلد بحجم السودان وتعقيداته، ولأن التداعيات لن تتوقف عند حدوده.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان



GMT 19:59 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 19:58 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 19:56 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 19:55 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجيير الهزيمة

GMT 19:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

GMT 19:52 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا... «أطلس» يُحجّم ومونرو يُقدّم

GMT 19:51 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

الهجرة إلى التاريخ في زمن الهزائم

GMT 19:50 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المتحف كـ«مكان جريمة» كولونيالية

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 07:08 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر بطيء الوتيرة وربما مخيب للأمل

GMT 21:00 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 13:38 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

أدوات سهلة وبسيطة تساعدك في تزين وتجميل حمام منزلك

GMT 16:54 2020 الخميس ,03 أيلول / سبتمبر

زيت الزيتون يساعدك في تنظيف المنزل

GMT 20:04 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

مؤسس "حجر فى كل بيت" يكشف أهداف المبادرة الجمالية

GMT 04:06 2013 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

مصالحة الغلابة!

GMT 09:24 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يعاود ارتفاعه مع استمرار عدم اليقين في الشرق الأوسط

GMT 08:53 2023 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إيلون ماسك يكشف النقاب عن "غروك" أول روبوت ساخر

GMT 05:53 2012 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

منظمة العمل: الأجور في الدول المتقدمة لم تلاحق التضخم

GMT 08:12 2014 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

التسامح من أجل الوطن
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon