ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

 لبنان اليوم -

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

بقلم: جبريل العبيدي

تواجه ليبيا خطراً كارثياً يمكن أن يفقدها هويتها الوطنية، بعد أن فقدت هويتها السياسية تحت عنوان «دولة ليبيا»، التي لا تعرفها جمهورية أم جماهيرية أم ملكية! وفي ظل غياب منصب الرئيس لسنوات عجاف يحضر خطر التخندق الإثني والقبلي على الهوية في ليبيا بين النخب السياسية، ما يعكس حالة من الفقر والتصحر السياسي عند بعض هذه النخب التي تتبنّى منهج القبيلة في تقسيم الدولة جغرافياً وسياسياً، بما يتناسب مع خريطة تخدم مصالحهم الشخصية لا الوطنية.

الانتماء للوطن هو صمام الأمان للجميع، لأنه أعم وأشمل، وفيه يكون حق المواطنة مكفولاً للجميع، خصوصاً أن تكوين ليبيا المجتمعي في أغلبه تكوين قبلي عشائري من نسل عربي واحد، مع وجود مكونات أخرى يكفل لهم الوطن حق المواطنة بشكل متساوٍ بينهم جميعاً.

ولكن عدم وجود حكومة وطنية حقيقية موحَّدة، بمفهوم وطنيّ وشراكة وطنية متَّفَق أو حتى متوافَق عليها، عزَّز حالة الانقسام وفاقم النزاعات المسلحة بين الأطراف المختلفة. كما أن الميليشيات التي لا هوية لها سوى المال والنفوذ تُعَدّ بنادق مستأجرة لتغليب صراع طرف على آخر.

ما يُهدّد الوحدة الوطنية هو ظهور كيانات مثل المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، رغم عدم وجود مجلس أعلى لعرب ليبيا يوازي مضمون المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، رغم أنهم أعداد محدودة، وكذلك ظهور المجلس الأعلى لقبائل (الحضور) الذي يقصدون به الحضر، في مقابل البدو، رغم عدم وجود مكوّن باسم المجلس الأعلى لبدو ليبيا.

المكونات الجديدة للهويات المجتمعية هي إشكالية خطيرة. هناك إشكالية واقعية وتناقض في المجتمع الليبي حتى في فهم مصطلحات البدو والحضر، كما وصفها علم الاجتماع، وعلى رأسهم مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون. فالليبيون يرون البداوة والحضر توريثاً عائلياً، في حين أنها في الواقع وسيلة عيش وأسلوب حياة؛ فقد يكون أجدادك من البدو وأنت تعيش حياة حضر، والعكس صحيح. فهي أسلوب عيش وليست أصلاً، لكن الأغلبية تراها جذوراً وأصلاً، رغم أن معظمهم بدو في أصلهم إذا اعتمدنا معيار الأصل وليس أسلوب العيش، كما يرى علم الاجتماع المسكوت عنه.

هذا الوضع يؤدي إلى تشتيت الجهود الوطنية، ويجعل من الصعب تحقيق أي تقدم نحو الاستقرار والأمن. ففي ظل غياب حكومة مركزية قوية متفق عليها وانقسام مؤسسات الدولة، تُصبح البيئة صالحة لنمو الميليشيات والفصائل المختلفة، كلٌّ يسعى لتحقيق مصالحه الذاتية على حساب وحدة البلاد المهددة أصلاً بالانقسام الجغرافي بعد الانقسام السياسي. فالتخندق الإثني يمكن أن يؤدي إلى تهتك النسيج الاجتماعي وتهديد السلم المجتمعي في ليبيا، وتفكيك الفسيفساء الليبية التي ظلّت متماسكة لسنوات طويلة، ما يجعل إعادة بناء دولة موحدة وقوية أمراً شديد الصعوبة.

الحل يكمن في تعزيز الوحدة الوطنية والعمل على تحقيق توافق سياسي شامل، يُمكن من خلاله بناء دولة تتسع لجميع مواطنيها. وهذا التخندق وتشتيت الهوية كله في ظل معاناة ليبيا من محاولات سلبية لفقدان الهوية الوطنية والسياسية تحت اسم فضفاض (دولة ليبيا)، وهو الاسم الذي كتبه «تيار الإسلام السياسي» في بداية «ثورة» فبراير (شباط) 2011، عندما تسلقوا المجلس الانتقالي لحراك فبراير، وكتبوا اسمها المموه الفاقد للهوية السياسية بالإعلان الدستوري في غفلة من الزمن.

ويبقى السؤال: هل ليبيا دولة جمهورية أو حتى جماهيرية أم ملكية؟ لا أحد يعلم، حتى البرلمانيون المتنازعون، فليبيا بها حكومتان وبرلمانان ومصرفان مركزيان وهكذا، فكيف سنعرف هوية ليبيا السياسية المفقودة أو المغيبة عمداً؟ ونحن نواجه أيضاً التخندق الإثني والقبائلي، وهي جميعها مكونات لا تبني دولة إذا تم التمحور والتمركز حول مفاهيمها والولاء لها على حساب الوطن الواحد.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية



GMT 19:59 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 19:58 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 19:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 19:56 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 19:55 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجيير الهزيمة

GMT 19:52 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا... «أطلس» يُحجّم ومونرو يُقدّم

GMT 19:51 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

الهجرة إلى التاريخ في زمن الهزائم

GMT 19:50 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المتحف كـ«مكان جريمة» كولونيالية

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 07:08 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر بطيء الوتيرة وربما مخيب للأمل

GMT 21:00 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 13:38 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

أدوات سهلة وبسيطة تساعدك في تزين وتجميل حمام منزلك

GMT 16:54 2020 الخميس ,03 أيلول / سبتمبر

زيت الزيتون يساعدك في تنظيف المنزل

GMT 20:04 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

مؤسس "حجر فى كل بيت" يكشف أهداف المبادرة الجمالية

GMT 04:06 2013 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

مصالحة الغلابة!

GMT 09:24 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يعاود ارتفاعه مع استمرار عدم اليقين في الشرق الأوسط

GMT 08:53 2023 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إيلون ماسك يكشف النقاب عن "غروك" أول روبوت ساخر

GMT 05:53 2012 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

منظمة العمل: الأجور في الدول المتقدمة لم تلاحق التضخم

GMT 08:12 2014 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

التسامح من أجل الوطن
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon