البعثة الدولية إلى ليبيا في مأزق حقيقي

البعثة الدولية إلى ليبيا في مأزق حقيقي

البعثة الدولية إلى ليبيا في مأزق حقيقي

 لبنان اليوم -

البعثة الدولية إلى ليبيا في مأزق حقيقي

بقلم: جبريل العبيدي

أصوات بدأت تعلو في ليبيا مطالبة بخروج البعثة الدولية من ليبيا، وتحميلها حالة الفشل المراوحة واللا حل في ظل تشظٍ سياسي وانقسام حكومي مؤسسي جعل من ليبيا عملياً أشبه بالدولتين في دولة جغرافية واحدة. لكن هذه المرة الأصوات تعالت من الطرفين مطالبةً بخروج البعثة الدولية من المشهد الليبي، التي بلغ عدد مندوبيها عشرة من دون القدرة على إيجاد حل توافقي لحلحلة الأزمة الليبية.

في الواقع الليبيون وحدهم هم أولى بالتفاهم، وتبقى الأمم المتحدة مجرد وسيط، شريطة أن يبقى هذا الوسيط نزيهاً وألا تكون هناك شخصيات جدلية ضمن قوائم الاختيار.

قد يستغرب البعض مطالبة بعض النخب السياسية الليبية بخروج البعثة الدولية من المشهد السياسي الليبي، وتحميلها وزر الفشل السياسي في ليبيا. هل هذا محاولة من النخب السياسية الليبية لرمي الفشل في حضن البعثة الدولية وبقاء النخب المتصارعة بريئة من حالة الفشل؟

في اعتقادي أنَّ الأمر ليس بهذه السطحية والسذاجة في قراءة المشهد السياسي، لكن حتى لا نسطّح الأزمة ونضع الفشل على شماعة البعثة الدولية، علينا أن نعترفَ أولاً بفشل النخب السياسية الليبية في إنتاج حل وطني خالص، يُخرج المتدخلين ويبعدهم، ولكن أيضاً الاعتراف بفشل النخب الليبية لا يجعل من البعثة الدولية بريئةً من الشراكة في الفشل، فكلاهما شريك في الفشل في إيجاد حل واقعي قابل للاستمرار.

ففي البدء شاركت البعثة الدولية في إنتاج حل كارثي تسبب في تفاقم الأزمة في ليبيا إلى يومنا هذا، وهو تعاطي البعثة الدولية الخاطئ مع الأزمة من خلال ما سُمي «الديمقراطية التوافقية» التي تمت فيها المساواة بين سلطة الخيار الانتخابي الديمقراطي (البرلمان) والخيار الانقلابي الخاسر للانتخابات؛ ما سُمي لاحقاً «مجلس الدولة» الذي هو امتداد غير ديمقراطي للمؤتمر الوطني العام الخاسر للانتخابات وانتهاء شرعيته الانتخابية، وهذا ما ساهم في تفاقم الأزمة بجلب الأطراف الرافضة للحوار إلى غرف منفصلة ومناقشة الأزمة بالمقلوب، والبحث عن حكومة «وفاق» منزوعة التوافق، مما جعله غير قابل للتطبيق وتسبب في تشظي حكومتي «الوفاق» الخالية فعلاً من أي وفاق وحكومة «الوحدة» الخالية من الوحدة.

الأزمة الليبية ومراحلها وأطوارها المختلفة مع تعدد المبعوثين الدوليين من دون أي نجاح أو تقدم قيد أنملة في ملف الأزمة في ليبيا ومن دون أدني تغيير أو تعديل أو استبدال في أعضاء البعثة الآخرين، الذين تلاحق بعضهم شبهات واتهامات بالانحياز لطرف دون آخر، تؤكدها مواقفُ كثيرة تبنتها البعثة، نتيجة التوجيه الخاطئ بتقارير منحازة أو في اختيارات البعثة لممثلي لجان الحوار.

المبعوث الأوحد إلى ليبيا اللبناني غسان سلامة الذي عبّر عن رؤيته للأزمة الليبية من خلال النقاط الثلاثة عشرة التي حددها في خطابه إلى الليبيين، واستعرض فيها حزمةً من أفكاره التي بعضها يشاركه فيه العديد من الليبيين، من بينها أن اتفاق الصخيرات يمكن أن يكون مرجعية، لكنها ليست مرجعية مقدسة، ولهذا يمكن فتح الاتفاق للتعديل، وليس كما فعل سلفه الأسبق بجعل الاتفاق نصّاً مقدَّساً، رغم عدم وجود أدنى درجات التوافق فيه، مما جعله نصّاً وُلد ميّتاً.

البعثة الدولية كانت دائمة التجاهل لإرادة شعب عبر مكوناته الحقيقية وهي القبائل، واكتفت بالاستماع لممثلي أحزاب كرتونية لا تمثل 2 في المائة من شعب تمثله في الواقع قبائل وعشائر منذ مئات السنين، ولم يعرف تجربة الأحزاب لأكثر من سبعين عاماً ولا حتى وجود للتنظيمات المؤدلجة مثل جماعة «الإخوان» التي تسلَّلت إلى المجتمع تحت عباءة الوسطية، بعد تدمير حلف الأطلسي البلاد.

على البعثة الدولية أن تكون واقعية في تعاطيها مع الأزمة في ليبيا، التي جزء من صانعيها أطراف دولية وليست محلية، فالواقعية التي يتحلَّى بها إلى الآن لا تكفى وحدها لتفكيك الأزمة الليبية، فجمع الفرقاء يحتاج الكثير من الجهد، قد يبدأ من داخل مكتب البعثة أولاً واستبدال الشخصيات الجدلية التي رافقت المبعوثين السابقين منذ زمن طارق متري وليون ومارتن كوبلر مروراً بغسان سلامة وعبد الله باتيلي حتى تيتا حنا، ولعل اقتحام مكاتب البعثة الدولية في طرابلس غرب البلاد ومنعهم من التحرك إلا بإذن من الخارجية في شرق البلاد، بل ورفض رئيس الحكومة في شرق البلاد استقبال المبعوثة، قد تكون رسالة واضحة منه لتفهمه مدى الغضب الشعبي من أداء البعثة.

لحل الأزمة الليبية، لا بد من معرفة الجغرافيا السياسية الليبية والتوقف عن جعل الأحزاب الكرتونية التي لا تمثل سوى أفرادها طرفاً أساسياً في الحوار.

ولهذا يبقى مؤتمر القبائل والمثقفين هو الحوار الليبي الواقعي، على أرض ليبية وليس خارجية، وضمن ثوابت وطنية تحترم الخيار الديمقراطي، وهو الخيار الواقعي المرحب به والقابل للتطبيق والتعايش، وما عداه سيكون مكاءً وتصدية وسراباً يحسبه الظمآن ماءً.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البعثة الدولية إلى ليبيا في مأزق حقيقي البعثة الدولية إلى ليبيا في مأزق حقيقي



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon