سيطرة طالبان على أفغانستان تقلق إيران

سيطرة طالبان على أفغانستان تقلق إيران!

سيطرة طالبان على أفغانستان تقلق إيران!

 لبنان اليوم -

سيطرة طالبان على أفغانستان تقلق إيران

بقلم : هدى الحسيني

منذ أن تولى الرئيس جو بايدن منصبه في يناير (كانون الثاني) الماضي والشرق الأوسط يستحوذ باهتمام واشنطن أسبوعياً تقريباً، من بين أسخن القضايا موقف إيران من العودة إلى الاتفاق النووي والهجمات التي ارتكبتها ضد ناقلات النفط. يحدث هذا بالطبع مع استمرار وباء «كورونا» في تدمير الاقتصادات الإقليمية وتقويض استقرار الدول الهشة. ثم إن «القاعدة» و«داعش» ما زالا نشطين في جميع أنحاء المنطقة. وصلت إدارة بايدن محملة بعدة أهداف واسعة، ووعدت بتنقيص عديد القوات العسكرية الأميركية في المنطقة بالاعتماد بشكل أكبر على الدبلوماسية والتعاون مع أوروبا لحل المشاكل الإقليمية، وتعديل العلاقات مع شركاء إقليميين. لكن تحديات المنطقة طويلة الأمد وتتطفل بشكل روتيني على أجندة السياسة الخارجية لواشنطن.
لكن نصل إلى العقدة الأساسية، إذ يبدو أن المحادثات النووية الإيرانية قد توقفت. كيف حدث هذا؟
ستعود إيران إلى الاتفاق النووي عندما تعتقد في البداية أنها انتزعت كل تنازل من الغرب من أجل حماية اقتصادها من العقوبات التي قد تتبع عدوانها غير النووي. وستسعى أيضاً إلى التأكد من أنها أضرّت بشكل قاتل بقدرة الولايات المتحدة على إعادة فرض العقوبات ضمن الاتفاق النووي نفسه. وكانت إدارة بايدن تعهدت بالعودة إلى الصفقة كما هو مكتوب، ووضع حد لسياسة الضغط الأقصى لسابقتها، ورفض تغيير النظام. وعلى نطاق أوسع، أعلنت أيضاً عن نيتها تقليل الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، ودعم المشاركة الإقليمية مع إيران. ويعتقد البعض أن الإدارة ربما غضت الطرف عن مشتريات الصين من النفط الإيراني كإشارة لطهران على حسن نية واشنطن. لو حكم قادة عقلاء إيران، كان من المفترض أن يؤدي كل هذا إلى عودة مبكرة إلى الصفقة. لكن نادراً ما يُنظر إلى قادة إيران على أنهم عقلانيون. كان بإمكان إيران اختيار العودة السريعة إلى الصفقة. وبدلاً من ذلك، دفعت باتجاه ما اتفق عليه جميع أعضاء مجموعة 5 + 1 على أنها مطالب غير معقولة. لذلك في هذه المرحلة، لن تكون الظروف مواتية لعودة إيران إلى الصفقة في المدى القريب.
أولاً، استحوذت طهران على جميع المزايا التي قدمتها المقاربة الأولية لإدارة بايدن من دون أي تنازلات من جانبها. ويجب أن نأخذ في الاعتبار أيضاً أن قادة إيران قد لا يرغبون في العودة إلى الصفقة. كان الهدف الأساسي لطهران في الاتفاق النووي لعام 2015 هو الحصول على حماية من العقوبات ضد القطاعات الأكثر ضعفاً في اقتصادها مقابل قيود على برنامجها النووي «المدني». لكن وجدت أن إنهاء العقوبات النووية لم يحل مشاكلها الاقتصادية التي أنتجت الاضطرابات الداخلية، كما أن فرض العقوبات لم يهدد النظام. لقد حدت العقوبات بالفعل من قدرة إيران على دعم الوكلاء في المنطقة، ولكن حتى هذا كان مقبولاً بالنسبة إلى النظام. لكن الاقتصاد لا يزال في حالة رهيبة إنما ليس سيئاً لدرجة أن بقاء النظام موضع تهديد. أيضاً، علينا أن نتذكر أن إيران قدمت تاريخياً تنازلات عندما واجهت تهديداً دولياً موحداً. إنما وبغض النظر عن الرأي بشأن الاتفاق النووي، فإن وجوده بحد ذاته شطر الموقف الدولي الموحد ضد إيران، هذا كان دائماً هدفاً حاسماً لقادة إيران.
إن دعم الاتفاق قد يقرب الولايات المتحدة من أوروبا وروسيا والصين، لكن حتماً يجعل شركاء أميركا الإقليميين يعتقدون أن أميركا تجاهلت مصالحهم الأمنية المشروعة نظراً لعدم وجود سبب وجيه للاعتقاد بأن إيران ستعتدل في سلوكها غير النووي. قد تكسب معارضة المحادثات النووية دعماً من إسرائيل وجيران إيران، لكنها تدعو أيضاً إلى الاحتكاك مع أوروبا وروسيا والصين. ترفض هذه الدول عموماً الضغط غير الاقتصادي ضد إيران ولا تقول سوى القليل نسبياً عن مغامرات إيران الإقليمية وتدخلاتها. لذلك، فإن الاعتقاد هو أن طهران ستبقى في المحادثات، لكنها ستستخدم على الأرجح الأسابيع المقبلة للتعبير عن التحدي وحتى الاستعداد للانسحاب. قد تؤدي الأزمة المتصاعدة بشأن الهجمات البحرية الإيرانية في بحر العرب إلى تأجيل التفاوض. لكن بالنسبة إلى إيران فهي تعتبر مسألة المحادثات إيجابية؛ إذ بالإضافة إلى تخفيف العقوبات بشكل كبير، تسمح المحادثات لإيران - وهي دولة متوسطة الحجم - بجذب انتباه القوى العالمية بشكل روتيني ولعب هذه الجهات الفاعلة ضد بعضها البعض. يجلب هذا الارتباط أيضاً اعترافاً فعلياً بحكومة الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، وهذا ليس بالأمر الهين نظراً لخلفيته الدموية. وتسمح المحادثات لحكومة رئيسي بالدفع مباشرة مع نظرائها الأوروبيين الكبار بأن العقوبات الجديدة على جرائمها غير النووية العديدة ستمنعها من العودة إلى الاتفاق النووي. أخيراً، ستمنح المحادثات حكومة رئيسي منبراً لخطاب تحدٍ من شأنه أن يزعج خصومها ويرضي المؤيدين المحليين.
إذن، ما هي الظروف التي ستجبر إيران على العودة إلى الصفقة؟ هنا يمكن التفكير في مسارين يؤديان إلى عودة إيران بمجرد أن يتفادى النظام الجديد خطاب التحدي. أولاً، ستحتاج طهران إلى الاعتقاد بأن رفضها للاتفاق والإجراءات الإقليمية قد وحدت المجتمع الدولي لدعم الضغط الاقتصادي المتجدد بشكل جماعي. ثانياً، إذا كان الاقتصاد الإيراني أو الديناميكية السياسية يعانيان من الانكماش الذي يرى قادة طهران أنه يؤدي إلى سقوط الجمهورية الإسلامية، سيحتاج أي منهما إلى تقديم تنازلات لحفظ ماء الوجه.
يكثر الحديث عن الاضطرابات الحالية في إيران! لكن لا تُظهر الاضطرابات المستمرة أي مؤشر على كونها تهديداً على المدى القريب للنظام. يبدو أن حجم الحشود يمكن التحكم فيه والعنف ضد النظام كان ضئيلاً حتى الآن. قوات الأمن منظمة بشكل جيد نسبياً ولا تتعاطف مع المتظاهرين.
يبقى الضعف الرئيسي للاحتجاج هو أن المعارضة تفتقر إلى التوجيه والقيادة والدعم من قبل الجماعات العمالية. كما أنه لا توجد مراكز قوة خارجية أو داخلية قادرة على تحدي المرشد الأعلى. لكن كان للاضطرابات الحالية جوانب تثير قلق طهران على الأرجح. ترك عمال النفط أدواتهم، وورد أن إضرابات التعاطف اندلعت في المدن الكبرى. لكن من غير المرجح أن تتحسن الظروف في إيران. يستمر فيروس «كورونا» في إحداث الرعب، في حين أن تغير المناخ يجعل نقص المياه والكهرباء أكثر إيلاماً. لهذه الأسباب، ستستمر الاضطرابات وربما تتفاقم.
إذن ماذا نتوقع أن يحقق الرئيس رئيسي محلياً وإقليمياً ودولياً في أول 100 يوم له في منصبه؟ محلياً، سيتخذ خطوات لإظهار كيف سيحافظ على الروح الثورية لإيران خلال ما يعتقد الكثيرون أنه فترة انتقالية إلى جيل جديد من القادة. سنرى هذا يتجسد في البداية في اختياراته الوزارية كجزء من حملة أوسع لتزويد البيروقراطية بموظفين سليمين آيديولوجياً، خاصة أولئك الذين لديهم خلفية في «الحرس الثوري». لكنه لن يتعاطف مع المحتجين. ومن غير المستبعد أن يشن حملة لمكافحة الفساد تستهدف أعضاء في إدارة روحاني.
ومن المرجح أن يدعم سيطرة النظام المتزايدة على الإنترنت. وهناك مشروع قانون يطالب بهذه الرقابة معروض حالياً على البرلمان.
أما السياسة الخارجية فلا توقع لتغييرات كثيرة فيها. سوف يتحدث رئيسي عن دعمه للانخراط الإقليمي كمراوغة، لكنه سيحافظ على موقف متحدٍ تجاه الغرب، وعداء للولايات المتحدة والدول الخليجية، ودعم الوكلاء، والشك إنما ليس رفض المحادثات النووية... ستكون طهران واضحة في أنها لن تسمح باتفاق جديد لتغيير المجتمع الإيراني أو علاقاته مع الغرب. هنا نسأل فيما يمكن أن يشكل استراتيجية أميركية فعالة لردع أنشطة إيران الإقليمية، مثل الهجمات المستمرة على التجارة البحرية، والدعم بالوكالة للهجمات على المملكة العربية السعودية، والأنشطة في اليمن ولبنان وسوريا؟ وهل يمكن تخيل سيناريو تتدخل فيه الولايات المتحدة عسكرياً؟ هناك من يقول إنه يجب أن تشمل الاستراتيجية الأميركية شركاءها الدوليين.
ويجب أن تتجنب أي شيء يجعل الأمر يبدو وكأنه صراع أميركي إيراني بدلاً من أفعال إيرانية تهدد دولاً متعددة ومواطنيها.
على كل برزت أفغانستان. لقد تمتعت إيران بالاستقرار الأمني الذي جاء مع الوجود الأميركي، لكن الآن لديها طالبان على حدودها. من المرجح أن تشتبك قوات الأمن الإيرانية مع طالبان والحكومات الأفغانية وأمراء الحرب على قدم المساواة لضمان ممارسة بعض النفوذ على كل منها والاحتمال أن تقوم بنقل جزء من وكلائها الأفغان في سوريا إلى غرب أفغانستان لحماية مصالحها. لكن من الأمور التي تقلق واشنطن والغرب هو مصير خلية «القاعدة» في إيران.
لقد مكنت طهران «القاعدة» من البقاء على أراضيها لسنوات من دون أي تكلفة دولية. قد يختار هذا الوجود العودة إلى أفغانستان لإعادة بناء مركز قوته السابق. عندها سيحمّل المجتمع الدولي إيران المسؤولية إذا حدث ذلك، بعد كل الدماء والأموال التي أنفقت في الحرب على الإرهاب، وليس من المستبعد أن يصل إرهاب طالبان إلى داخل إيران.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيطرة طالبان على أفغانستان تقلق إيران سيطرة طالبان على أفغانستان تقلق إيران



GMT 18:19 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

كرة ثلج شيعية ضد ثنائية الحزب والحركة!

GMT 17:28 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

مقتطفات السبت

GMT 17:26 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

سؤالان حول مسرحية فيينا

GMT 08:29 2021 الأربعاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مجلس التعاون حقاً

GMT 08:28 2021 الأربعاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم هي «الحفرة اللبنانية»

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 23:51 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
 لبنان اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 17:03 2023 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

المدارس الألمانية تواجه معضلة في التعامل مع حرب غزة

GMT 15:02 2023 السبت ,15 إبريل / نيسان

موضة المجوهرات لموسم 2023-2024

GMT 12:53 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

برفوم دو مارلي تقدم نصائح قيمة لاختيار العطر المناسب

GMT 18:31 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

مجموعة من أفضل عطر نسائي يجعلك تحصدين الثناء دوماً

GMT 02:42 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على طريقة تحضير حلى "الشوكولاتة الداكنة" بالقهوة

GMT 21:41 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

تسريحات شعر قصير للعروس في 2022

GMT 08:14 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

ساعة أكسكاليبور بلاكلايت ساعة روجيه دوبوي الجديدة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon