هل يتعلَّم لبنان من حكومة الشرع
أخر الأخبار

هل يتعلَّم لبنان من حكومة الشرع؟

هل يتعلَّم لبنان من حكومة الشرع؟

 لبنان اليوم -

هل يتعلَّم لبنان من حكومة الشرع

بقلم: عبد الرحمن الراشد

مضَى على الرئيسين جوزيف عون ونواف سلام نحو 150 يوماً. من جانب، لبنانُ يعيش أفضلَ مرحلة منذ عقدين مضيَا. ومن جانبٍ آخر، هناك قلقٌ من بُطءِ التَّقدمِ وأنَّ هناك حرباً أخرى على وشكِ أن تنفجرَ!

سواء، إنْ كان المتقاتلون علَى جانبي الليطاني يستعدُّون لمعركة الحسم - وهو مُستبعدٌ - أم لَا، فإنَّ الطريقَ طويلة نحو استعادة لبنانَ كاملَ سيادته من إسرائيلَ و«حزب الله». لا تزال قواتُ إسرائيلَ على التراب اللبناني، والحزب سلَّم القليلَ من سلاحه الذي لم نرَ منه إلا رأسَ الجليد.

المفردات التي تتكرَّر في خطابات الرئيسين ضد «العدو الإسرائيلي» لا وزنَ لها في واقعِ اليوم، وليست ضرورية في الأدبياتِ السياسية المعاصرة.

الحقيقة المرة للبعض، هي أنَّ إسرائيل، لا السلطات اللبنانية، هي من ستكيّف «حزب الله». ستقرّر حجمَه، وحدودَ قدراته، وكذلك نفوذه.

الجارة الكبرى، سوريا، تمرُّ بحالة مشابهة لكنَّها تختلف في المعالجة. سقطَ نظامُ بشار مثلما سقطَ نظام الضاحية، والإرثُ من بعده كبيرٌ مع الجارة «السوبر باور» الإقليمية. على التُّراب السوري قواتٌ إسرائيلية، واستهدافاتها متكررة لمواقعَ سورية.

في هذا الظرف المعقَّد استطاعت حكومة الرئيس أحمد الشرع تحويلَ الأزمة إلى فرصة واستثمرتها، وهي اليوم محلُ ثناء عالمي ليس لما فعلته، بل لمَا لم تفعله أيضاً. لقد تخلَّصت سريعاً من سياسة نظامِ النعامة السابق، الذي فشل في التعاطي مع السياسة بواقعية داخلياً وخارجياً.

لم يهاجمِ الشرع إسرائيل في خطاباته، ولم يحرك قواتِه أو يوعزْ لجماعاته بالاشتباك أو حتى الرَّد على نيرانها. ولم ينفخ بياناتِ حكومته بمزاعم مواجهاتٍ وانتصارات، بل لم يسمِ إسرائيل بالعدو، ولم يرفضِ الوساطات والتفاوض مع الجار الشّرير. لقد أوضح أنَّ هدفَه استقرار سوريا المدمرة وليس زعزعة استقرار من حولها.

الرئيس اللبناني ورئيس الحكومة هما من نخبة العسكر والمدنيين اللبنانيين. سلام خريجُ جامعتي السوربون الفرنسية وهارفارد الأميركية، اعتقد أنَّه الوحيد في تاريخ الحكومات اللبنانية بمثل هذه الكفاءات التعليمية والعملية الدولية. في حين أنَّ الرئيسَ الشرع خريج «هيئة تحرير الشام» ولم يتعرَّف على العالم، قبل الحكم، سوى ما بين الأنبارِ العراقية وإدلب السورية!

لا يحتاج الأمر إلى نظاراتٍ سميكة لنرى كيف أنَّ الشرع تقدَّم في إصلاح شؤون سوريا، ونجح في عقد صفقات مع كلّ القوى الصديقة و«العدوة». احتوى التهديدات من إسرائيل، وإيران، وقوى عراقية، وعقوبات أميركية، بالتَّفاهم معها، وأغرى المستثمرين من الحكومات بعقود بناء وتشغيل مطارات وموانئ وطاقة وصناعة.

ندرك أنَّ التحديات مختلفة في بيروت عن دمشق، ورغم ذلك تلوح فرصة نادرة أمام اللبنانيين قد لا تتكرَّر أربعين عاماً أخرى، تتمثَّل في إنهاء هيمنة الخارج عليه بعد عقود من الفلسطينيين والسوريين والإيرانيين. وهذه المرحلة تتطلَّب مرونة ومعالجة مختلفة عمَّا كان يفعله السابقون.

من قراءة وضع الفريقين المتقاتلين، «حزب الله» وإسرائيل، لا تخرج الاحتمالات أمام الحزب عن ثلاثة. الأول: أن يعودَ بوصفه قوة إقليمية عابرة للحدود، تهدّد إسرائيل، وتدير حوثي اليمن، وتعمل في سوريا والعراق. إلّا أنَّه بات واضحاً أنَّه سيستحيل على الحزب ذلك مع إصرار الإسرائيليين على سياسة منعِ قيام قوة تهدّدها حدودياً. لاحظوا أنَّ مصر والأردن وسوريا في الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل تنظم أنواع الأسلحة والمسافات عن الحدود، وهذا ما كانَ يرفضه «حزب الله». لكن في اتفاق وقف الحرب قَبِل بالخروج من جنوب الليطاني، والتَّخلي عن السّلاح الثقيل ومنصات الإنتاج العسكري وتفكيك بنيته التحتية.

الاحتمال الثاني: «حزب الله» قوة محلية فقط. عليه أن يتموضعَ بعد أن يعترف بانقلاب موازين القوى، ويتخلَّى عن دوره بوصفه قوة لتهديد إسرائيل وورقة إيرانية تفاوضية. سيحاول الاحتفاظ بسلاح يمنحه الهيمنة على الساحة اللبنانية. ولتحديه، تتعاون السلطات اللبنانية والإسرائيلية، حيث يقوم الإسرائيليون بإبلاغ بيروت عن الأسلحة المخبأة، والجانب اللبناني يتولَّى المداهمة والمصادرة.

لكنَّ الحزب خبير في لعبة الاختباء لولا أنَّ الوضع الجديد مختلف وأصعب عليه مما كان في الماضي. ولا توجد فرصة له للتهرب، حتى بعد تنحية الوسيطة الأميركية مورغان أورتاغوس، التي يصورها الحزب وحلفاؤه بأنَّها دمية نتنياهو. فإسرائيل، لا الإدارة الأميركية، هي من تقرّر في الشأن اللبناني، هذا ما تؤكده الهجمات الإسرائيلية العنيفة على الضاحية، وهي الأولى من نوعها منذ نهاية الحرب.

الرئاسة اللبنانية وعدت باستعادة سيادة الدولة، بنزع سلاح الحزب وإنهاء دور لبنان بصفته جبهة حرب بالنيابة، ولم تنجح بعد. من دون ذلك سيكون الاستقرار هشاً والاستثمار محدوداً. مستقبل لبنانَ من عشر وعشرين سنة مقبلة مرهون بهذه الأيام، لإنهاء الوضع من أرض للميليشيات إلى دولة ذات سيادة تنشغل بشأنها الداخلي وحاجات مواطنيها.

هذا ما يفعله الشرع في سوريا بشجاعة ودهاء، مع أنَّ ظروفه أصعب وأخطر مما يواجه الرئاسات اللبنانية. وليس صحيحاً أنَّ العالم هبَّ لدعم الشرع هكذا، أبداً. جعل أولوياته واضحة، فهو من صنع التحالفات، ولم يرضخ لابتزاز الدعايات المحلية والإقليمية بشأن «الجهاد» و«العدو». عليه محاربة الفلول والانفصاليين وترميم الاقتصاد والتفرغ لبناء دولة شبه منهارة منذ نهاية الحرب الباردة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يتعلَّم لبنان من حكومة الشرع هل يتعلَّم لبنان من حكومة الشرع



GMT 21:11 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

شهادة منزلية

GMT 21:11 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

ثلاثةُ ملاكمين وهاويةٌ غير مسبوقة

GMT 21:09 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

«طوارق» الليل والنهار

GMT 21:08 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

أي فرصة سلام بعد الصدمة؟

GMT 21:06 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

الضربة الأمريكية

GMT 21:05 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

لا مفاجأة فى الموضوع

GMT 21:04 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

من أغبى القرارات!

GMT 21:03 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

إسرائيل والشر اللامحدود

ستيفاني عطاالله وزاف قصة حب تحولت إلى عرض أزياء أنيق تُوّج بزفاف ساحر

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 13:48 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 14:28 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 13:59 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العقرب الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 00:03 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 12:36 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 08:08 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

كيف يبتعد ابنك عن السرقة؟

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 10:18 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon