الدناءة والعبقرية

الدناءة والعبقرية

الدناءة والعبقرية

 لبنان اليوم -

الدناءة والعبقرية

طوني عيسى

في حياته، كانت سيرته الينبوع الأكبر الذي استوحى منه رواياته. وفي الموت جعلت منه تلك الروايات أحد أعظم الأدباء في التاريخ في كل اللغات. الأب السكير المتهتك في أهم أعماله: «الإخوة كارامازوف»، هو والده، مموهاً بين شخصيات أخرى. السجين، في «رسائل من تحت الأرض» هو نفسه. «المقامر» هو الرجل الذي أمضى حياته مثقلاً بالديون، ذليلاً يقترض من كل الناس، ويكذب على صندوق لجنة الأدباء من أجل قرض صغير، ويحمل زوجته على أن تبيع كل ما تملك؛ بحيث لا يبقى لها سوى ثوبها الأخير.

لن تغامر إطلاقاً في قراءة سيرة رجل من هذا النوع. ولكن عندما تجدها فصولاً مختلفة في أعمال أدبية، سوف تجد نفسك واحداً من عشرات الملايين الذين لا تزال تسحرهم إلى اليوم روايات مثل «الأبله»، و«مذلون مهانون»، و«الجريمة والعقاب».

تولى الدكتور سامي الدروبي، سفير سوريا لدى مصر، نقل تلك الأعمال كاملة إلى العربية. وأقصد بـ«كاملة» بأجوائها ومناخاتها الروسية، وتوترات ذلك العبقري المريض بالصرع والقمار. فقد كتب معظم أعماله تحت ضغط التشديد. وكان يسلم فصلاً من رواية مسلسلة إلى إحدى المجلات، ثم يعدو عدواً في ملء الفصول التالية بالحبر مع مواعيد الصدور. وبقدر ما كان حظه سيئاً في القمار، بقدر ما أسعفه في زوجة تعتني به، ويملي عليه من تلك المخيلة الهادرة ما تبقى من فصول. أو أحياناً من الحقائق المحزنة في حياته وأهله وسجنه السياسي زمن القيصر. وقد نجا مرة من الإعدام بالرصاص بفارق ثوانٍ قليلة. فبينما هو يقاد إلى الجدار معصوب العينين، وصل الأمر من القيصر بالعفو عنه وعن رجلين آخرين كانا في فرقته. يصفه كاتب سيرته ستراخوف بهذه السطور:

لا أستطيع أن أعد دوستويفسكي إنساناً صالحاً أو سعيداً. كان سيئاً، فاسداً، حسوداً. كان طوال حياته فريسة عواطف جعلته سخيفاً وبائساً. هل كان أقل ذكاءً أو أقل شراً؟ لقد أدركت بوضوح هذه العواطف أثناء كتابتي سيرته. ففي سويسرا، بحضوري، عامل خادمه على نحو سيئ. وقد تمرد ذلك الرجل وقال له: «لكني إنسان أيضاً»! تذكرت كم صدمتني هذه الكلمات التي تعكس الأفكار الشائعة في سويسرا الحرة حول حقوق الإنسان، والموجهة إلى من كان يعظ البشر حول العواطف الإنسانية. تلك المشاهد كانت تقع باستمرار، لم يكن باستطاعته التحكم في مزاجه. والأسوأ من ذلك هو أنه كان يتباهى بأنه لم يندم قط على أفعاله القذرة. كانت تفتنه الأفعال القذرة ويعتز بها. أخبرني فيسكوفاتوف (البروفسور) كيف نجح دوستويفسكي في اغتصاب فتاة صغيرة في حمام عمومي «جلبتها له مربيتها».

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدناءة والعبقرية الدناءة والعبقرية



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 12:56 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 15:46 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

وفاة الممثل السوري غسان مكانسي عن عمر ناهز 74 عاماً

GMT 18:24 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مصطفى حمدي يضيف كوتة جديدة لمصر في الرماية في أولمبياد طوكيو

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 19:00 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

لصوص يقتحمون منزل الفنان كيانو ريفز بغرض السرقة

GMT 13:02 2022 الثلاثاء ,07 حزيران / يونيو

توقيف مذيع مصري بعد حادثة خطف ضمن "الكاميرا الخفية"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon