التطبيع ماشي ماذا عن لبنان

التطبيع ماشي: ماذا عن لبنان؟

التطبيع ماشي: ماذا عن لبنان؟

 لبنان اليوم -

التطبيع ماشي ماذا عن لبنان

طوني عيسى
بقلم : طوني عيسى

في الأروقة يدور سؤال: هذا التطبيع الماشي سريعاً بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، كيف سيتعاطى معه لبنان؟ هل سيتجاهله أو سيقاطعه ويقاطع الذين يسيرون في ركابه؟ طبعاً، هناك الرافضون من منطلقات عقائدية أو لمصالح سياسية. ولكن، في المقابل، هناك مَن يطرح السؤال في شكل معاكس: كم يملك لبنان من عناصر القوة ليقاطع التطبيعيين ويرفض التطبيع إلى ما لا نهاية؟

واقعياً، ليس هناك «قرار» لما يُسمّى «الدولة اللبنانية». فبعد «إتفاق الطائف»، صار النفوذ في لبنان مبنيّاً على ركيزتين: شيعية وسنّية، وتستند كل منهما إلى محور إقليمي: إيران والسعودية.

قرار الدولة تتحكّم به موازين القوة بين المحورين، مع تأثيرات وفيتوات دولية. فإذا تَوافقا جاء قرار الدولة توافقياً. وإذا تغلّب أحد المحورين على الآخر صار هو المتحكّم بالقرار اللبناني. وهذا ما يحصل اليوم في ظلّ سيطرة «حزب الله».

إذاً، لو كان القرار الأقوى في لبنان اليوم هو للمحور العربي الخليجي، لكان البلد قد سلك طريق المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، فوقَّع معها اتفاقات تنهي المشكلات العالقة، ثم سلك طريق التطبيع.

لكن المحور الإيراني المتحكّم بالقرار اللبناني يرفض التطبيع. وفي أدبيات الإيرانيين، إسرائيل هي الشيطان، وليس وارداً الاعتراف بها. ولذلك، ليس الأمر متعلقاً بـ»تفاصيل»، بل بجوهر النظرة إلى الكيان الإسرائيلي، عقائدياً وسياسياً.

في هذه الحال، ليس ممكناً أبداً، وتحت أي ظرف، توقيع اتفاق سلام بين لبنان وإسرائيل، ما دام «حزب الله» المرتبط عضوياً بإيران هو الأقوى في السلطة.

ولذلك، أخذ الشيعة على عاتقهم إدارة الملف، بشخص الرئيس نبيه بري، ففاوضوا إسرائيل لسنوات عبر الوسطاء الأميركيين، ولم يقبلوا إلّا بمفاوضات غير مباشرة ولا تتجاوز سقف ترسيم الحدود البحرية. وعملياً، تبيَّن أنّ لبنان يحتاج إلى ترسيم حدود مع إيران أيضاً ليصبح مؤهلاً لاتخاذ قرار.

قد يجد لبنان أنّ التطبيع يخدم مصالحه فيُقْدِم على الخطوة، أو يؤذي مصالحه فيتجنبها. ولكن، في الحالين، ليس منطقياً أن يكون قراره مرهوناً بالقرار الإيراني، لأنّ إيران نفسها لها مصالحها واعتباراتها التي على أساسها تحدّد الخيارات. وهنا يصبح مناسباً طرح أسئلة:

1- إذا عقد الإيرانيون صفقة مع الولايات المتحدة تقتضي أن يبدّلوا في مقاربتهم للموضوع الإسرائيلي، هل يبدّل «حزب الله» مقاربته أيضاً؟

2- إذا تجاوبت إيران مع الصين وروسيا في الاعتراف بإسرائيل باعتبارها جزءاً لا يمكن تجاوزه من منظومة التواصل في الشرق الأوسط وطريق الحرير، ونفّذ الصينيون مشاريعهم الجاهزة بعشرات مليارات الدولارات في إسرائيل، فهل سيتبنّى «حزب الله» هذا الخيار أم لا؟

3- ما سيكون موقف «الحزب» إذا باشر الرئيس السوري بشّار الأسد مفاوضات مع إسرائيل، بتشجيع روسي، انتهت بصفقةِ سلامٍ ثم تطبيع؟

4- وهذا الأهم والأكثر إلحاحاً اليوم: كيف سيواجه لبنان «محور التطبيع» أي الأميركيين والخليجيين العرب، فيما هو منهار اقتصادياً ومالياً ونقدياً، ويعتمد عليهم في شكل مطلق للنجاة من الانهيار التام؟

وللإيضاح، التطبيع الذي يتأسس بين الخليجيين وإسرائيل، هذه الأيام، أقوى من أي علاقة أقامها الخليجيون مع أي دولة عربية. والمعادلة التي تُبْنى عليها علاقتهم مع إسرائيل لا تشبه المعادلة القائمة بينهم وبين سائر العرب. وهذا أمر يجب أن تدركه الدول العربية التي اعتادت أن تحصل على البيض دائماً من السلَّة الخليجية، ولبنان هو النموذج.

عندما كانت بلدان الخليج العربي في طور النشوء، اضطلع اللبنانيون بدور أساسي في الورشة. فاستفاد لبنان من نخبة كفاياته العلمية والمهنية وحوَّلها أموالاً دخلت البلد. وفي المقابل، استفاد الخليجيون بتطوير خبراتهم. وردّوا بمساعدات دائمة للبنان.

واليوم، هم يستضيفون نصف مليون لبناني، أي إنّ هناك واحداً من كل 10 لبنانيين يحصل على رزقه من الخليج. ولولا موقفهم المعترض على سيطرة «حزب الله»، لما سمحوا بحصول الانهيار في لبنان.

في العلاقة بين لبنان والخليجيين، هناك مستفيد واحد هو لبنان وعشرات من السنين المنصرمة. وأما في العلاقة بين إسرائيل والخليجيين فالجانبان وجدا مصالح حيوية ويمكن التأسيس عليها لعشرات من السنين المقبلة. ودخلت إسرائيل إلى هناك بعدّة الشغل كاملة: شركات واستثمارات بآلاف مليارات الدولار وتسهيلات ورجال أعمال وسياحة بلا تأشيرات وتعاون بلا حدود.

إذاً، وبعيداً من لغة المشاعر، ليس هناك من المصالح ما يحمّس الخليجيين لينفتحوا على لبنان، فيما هناك كثير من المصالح المتبادلة مع إسرائيل. وتالياً، ليس للخليجيين الوقت أو المصلحة لبذل الجهود مع لبنان، وإقناعه بالالتحاق بركاب التطبيع مع إسرائيل. والأرجح أنّهم سيعتمدون معه خيار التجاهل والإهمال.

إنّه أمر خطِر على لبنان الذي يقيس المسافة بالأيام والأسابيع لبلوغ الانهيار الكامل، في ظلّ طبقة الفساد التي نهبت البلد والشعب ولم تُبقِ شيئاً من الدولة ومقوماتها، لكنها تتشدَّق بشعارات «الممانعة» لإسرائيل. إنّها فعلاً «صرعة» لبنانية: «الفساد الممانع».

على اللبنانيين أن يصدّقوا أنّ دولة الحرامية في الداخل - المتسوّلين في الخارج عندها «شعور وطني». فهي توسّخ ضميرها بأموال اللبنانيين وعذابِهم وتهجيرهم وتفجيرهم وإحراقِ مستقبلهم وفكفكة الدولة، لكن غشاء بكارتها تحرص على عدم تمزيقه بعلاقةٍ عاطفية مع العدو على شاطئ الناقورة، «ولو على قطع رأسها»... أو رأسِه!

فعلاً هذا هو «الفساد الوطني». فليطمئن اللبنانيون إلى «جودة فسادهم» ويحافظوا عليه!

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التطبيع ماشي ماذا عن لبنان التطبيع ماشي ماذا عن لبنان



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 12:56 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 15:46 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

وفاة الممثل السوري غسان مكانسي عن عمر ناهز 74 عاماً

GMT 18:24 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مصطفى حمدي يضيف كوتة جديدة لمصر في الرماية في أولمبياد طوكيو

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 19:00 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

لصوص يقتحمون منزل الفنان كيانو ريفز بغرض السرقة

GMT 13:02 2022 الثلاثاء ,07 حزيران / يونيو

توقيف مذيع مصري بعد حادثة خطف ضمن "الكاميرا الخفية"

GMT 15:43 2021 الخميس ,23 أيلول / سبتمبر

أعلى 10 لاعبين دخلاً في صفوف المنتخب الجزائري
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon