واشنطن تُحذِّر لبنان من «انهيار كامل»

واشنطن تُحذِّر لبنان من «انهيار كامل»

واشنطن تُحذِّر لبنان من «انهيار كامل»

 لبنان اليوم -

واشنطن تُحذِّر لبنان من «انهيار كامل»

طوني عيسى
بقلم : طوني عيسى

«الكلمة السرّ» قالتها السفيرة الاميركية دوروثي شيا: «نحن لم نفعل بعد ما فعلته دول الخليج، بالابتعاد عن لبنان وعدم دعمه. ولذلك، ما زلنا نعتمد سياسة الضغط على حزب الله». وهذا الكلام غير المسبوق معبِّر جداً ويحمل أبعاداً عميقة، وخلاصتها أنّ لبنان، للمرة الأولى، أصبح مرشَّحاً للدخول في النموذج أو الجحيم الفنزولي، وأنّ الانهيارات الحاصلة منذ عام قد لا تكون سوى مقدّمات لـ»الانهيار الكامل» أو «النهائي»!

الترجمة السياسية لتحذير السفيرة هي الآتية: «نحن لم نعاقب لبنان كدولة. وحتى الآن، اقتصرت عقوباتنا على شخصيات من بيئة «حزب الله» لها أَدوارها في ملفات الفساد والإرهاب. وأما الدولة اللبنانية فما زلنا ندعمها، ولاسيما المؤسسات العسكرية والأمنية، ناهيك بالمساعدات الإنسانية.

وعلى رغم تحذيراتنا من استمرار سيطرة «الحزب» على مؤسسات الدولة واستغلالها للحصول على التمويل، فإننا لم نفرض العقوبات حتى الآن إلّا على عددٍ محدود من المسؤولين والسياسيين الذين يسهّلون لـ»الحزب» هذه السيطرة. ولو مارسنا سياسة العقوبات فعلاً ضدّ لبنان لما صمد يوماً واحداً».

هنا، يذكِّر المطلعون بأنّ هناك دعاوى مرفوعة ضدّ مصارف لبنانية، وبينها مصارف من الدرجة الأولى، أمام المحاكم في نيويورك منذ سنوات، بتهمة تمويل الإرهاب. وقد جرت مطالبات هناك بمقاطعة هذه المصارف لأنّها سمحت لجماعات تعتبرها واشنطن إرهابية بخرق النظام المصرفي الأميركي، عن طريق النظام المصرفي اللبناني. ولكن، حتى اليوم، لم تتحرّك هذه الدعاوى داخل المحاكم.

وفي الموازاة، لم تمنح الولايات المتحدة ضوءاً أخضر للدائنين الذين تخلّف لبنان عن سداد الديون لهم، والذين يرغبون في تنفيذ خطوات قضائية ضدّ الدولة اللبنانية وممتلكاتها في الخارج، بما فيها الاحتياط من الذهب، بمعزل عمّا إذا كان هؤلاء يستطيعون القيام بذلك، أو أنّ هناك موانع قانونية دولية تمنعهم من المسّ بموجودات مصرف لبنان المركزي.

من هنا، ترتدي إشارة السفيرة شيا أهميتها. فواشنطن من موقعها الدولي لم تطلق العنان لعقوبات فعلية ضدّ لبنان، وهي لا تزال ملتزمة جانب التحذير. وفي أي حال، إنّها أكثر ليونة من بعض الدول الخليجية التي أوقفت كل دعمٍ وتتشدّد أكثر من الأميركيين في مقاربة ملف «حزب الله».

ولكن، لمزيد من الدقَّة، الخليجيون أيضاً ما زالوا يعتدلون في الردّ على لبنان، على رغم من أنّ «حزب الله» يتخذ موقفاً مباشراً إلى جانب إيران، خصوصاً في اليمن. فهناك نحو نصف مليون لبناني يعملون في الخليج العربي وكانوا يرفدونه بنحو 5 مليارات دولار قبل الأزمة، واليوم تراجع الرقم لكنه يبقى حاجة ماسة للبنان. وأي استهداف خليجي لهؤلاء العاملين سيُعمّق أزمته كثيراً.

هل يعني هذا التحذير أنّ الولايات المتحدة على وشك مراجعة سياستها تجاه لبنان، وأنّها ستنتقل إلى مستوى التشدُّد الذي تعتمده دول الخليج العربي، إذا لم يفكّ ارتباط «حزب الله» بالسلطة ويحدّ من نفوذه داخل المؤسسات؟

العديد من المحللين اعتقدوا أنّ واشنطن، وبتزكية من باريس، لا تريد ضمناً «سحق» الدولة اللبنانية بكاملها، لأنّ ذلك ربما يسمح لإيران باستغلال الفراغ ووضع يدها على كل شيء. وهذه النظرية بقيت صالحة حتى اليوم، أي حتى استنفاد الفرنسيين مبادراتهم. وفي الأساس، هؤلاء أخذوا على عاتقهم تحقيق الأهداف الأميركية إيّاها، ولكن «على الناعم».

اليوم، وصلت باريس إلى الحائط المسدود. وربما اقتنعت أنّ سياسة «الصبر الجميل» مع طاقم السلطة الحالي في لبنان أثبتت فشلها. وآخر المحاولات، من خلال باتريك دوريل موفد الرئيس إيمانويل ماكرون، كرَّست الخيبة. ولذلك، ستندفع باريس تدريجاً إلى مراجعة حساباتها، وسيكون لواشنطن مبرِّر التصعيد في مقاربتها للملف اللبناني.

إلى أي حدّ سيبلغ التصعيد الأميركي؟

- في الحدّ الأدنى، قد تُواصِل واشنطن نهجها الحالي في لبنان، فتراقب حال الاهتراء وتمنع إنقاذ طبقة الفساد فيه، وفي هذه الحال سيواصل لبنان انزلاقه الحالي حتى الانهيار الكامل.

- في الحدّ الأقصى، قد تُصعِّد واشنطن عقوباتها - المالية خصوصاً- وتدعو الفرنسيين وسواهم إلى مشاركتها الضغط في هذا الاتجاه، ما سيقود أيضاً إلى الانهيار الكامل، ولكن في شكل أسرع.

العالمون يخشون أن يكون لبنان قد سلك فعلاً خطواته الأولى في طريق الانهيار الكامل، لأنّ لا مؤشرات إطلاقاً إلى أي مظهر إنقاذي. وفي الفترة الدقيقة الباقية من هذا العام، سيصل البلد إلى آخر أنفاسه على المستوى المالي- النقدي- الاقتصادي.

هذه المهلة المتبقية ساهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في تحديدها، عندما حذَّر من رفع الدعم عن السلع، بسبب نفاد الاحتياطي الذي يمكن استخدامه لهذه الغاية. ووقف الدعم سيشكّل إعلاناً عن الدخول في فراغ مخيف، وتحديداً في النموذج الفنزويلي، أو «جهنّم» التي توقّعها الرئيس ميشال عون.

وحتى اليوم، لا يظهر في اللوحة أي ضوء. وفيما لبنان يخسر آخر أصدقائه «الصبورين» فرنسا، يبدو متروكاً ليذهب إلى الجحيم في الأشهر الأولى من السنة المقبلة، على الأرجح.

فقط، معجزة قد تتكفّل بخلق معطيات تُغَيِّر الاتجاه:

1- تفاهم الولايات المتحدة مع إيران أو اندلاع مواجهة عسكرية حاسمة بينهما.

2- اتفاق في مفاوضات الناقورة أو حربٌ مع إسرائيل.

ولكن، المؤكّد أنّ الذين ماطلوا وانتظروا رحيل دونالد ترامب ومجيء جو بايدن إلى البيت الأبيض لن يحصدوا ثمار صبرهم… إلّا إذا كان الاستثمار هو نفسه انهيار لبنان.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن تُحذِّر لبنان من «انهيار كامل» واشنطن تُحذِّر لبنان من «انهيار كامل»



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 12:56 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 15:46 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

وفاة الممثل السوري غسان مكانسي عن عمر ناهز 74 عاماً

GMT 18:24 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مصطفى حمدي يضيف كوتة جديدة لمصر في الرماية في أولمبياد طوكيو

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 19:00 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

لصوص يقتحمون منزل الفنان كيانو ريفز بغرض السرقة

GMT 13:02 2022 الثلاثاء ,07 حزيران / يونيو

توقيف مذيع مصري بعد حادثة خطف ضمن "الكاميرا الخفية"

GMT 15:43 2021 الخميس ,23 أيلول / سبتمبر

أعلى 10 لاعبين دخلاً في صفوف المنتخب الجزائري
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon