«ترامب» بين الحرب والسلام

«ترامب» بين الحرب والسلام

«ترامب» بين الحرب والسلام

 لبنان اليوم -

«ترامب» بين الحرب والسلام

عبد المنعم سعيد
بقلم: عبد المنعم سعيد


الأسبوع الماضى كان فيه الكثير من العجب الدولي؛ وكما هي العادة في كل ما هو عجيب هذه الأيام فإن مصدره هو الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. وقبل أن نفصل في أعاجيب الرجل فإنه لا بد من تسجيل ما تعودنا عليه أو تعود عليه العالم في السياسة الخارجية الأمريكية التي كانت تتميز بكثير من الثبات سواء كان ذلك في زمن الحرب الباردة، أو زمن العولمة الأمريكية بعدها، أو حتى بعد سقوط برجى مركز التجارة العالمى في نيويورك التي عندها دخلت أمريكا والعالم فصلا جديدا من العلاقات الدولية.

في هذه المراحل، وفيما عدا استثناءات قليلة (زيارة نيكسون لبكين ومقابلته مع «ماوتسى تونج» عام ١٩٧٢ كانت المثال الذائع)؛ فإن الفارق بين الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين كان قليلا. الميزة الأخرى كانت أنه لا مجال هناك للكثير من المفاجآت في التفاصيل والتكتيك، فقد كان هناك دوما مؤسسات مخابراتية وتشريعية ومراكز للتفكير والإعلام بالطبع يتسرب لها وتسرب هي الأخرى كثيرا من الأفكار الأولية التي تنضج ليس فقط أمام الرأى العام الأمريكى، وإنما أيضا للمهتمين بالسياسة الخارجية الأمريكية في الدنيا كلها. في عهد ترامب لم يعد ذلك واردا، فالرجل مختلف عن كل من سبقوه في إمكانية التنبؤ، وعلاقاته مع «الكونجرس» ليست سلسة فضلا عن أن له خصومات كثيرة حتى بين الجمهوريين؛ أما علاقاته مع وزارات الدفاع والخارجية والمخابرات المركزية ومراكز البحوث والإعلام بالطبع ليست فقط غير سلسلة وإنما في أحيان كثيرة متخاصمة. ورغم أن ترامب بات لديه حفنة من المؤيدين في مجلس الأمن القومى- مثل «جون بولتون»- وفى وزارة الخارجية والدفاع مثل «مايك بومبيو».
.. فإن القراءة الدقيقة لما يقوله كل منهم، وما يرد على أقوال ترامب في تغريداته اليومية من سياسات تفصح عن مساحات من الاختلاف إن لم يكن في الاستراتيجية ففى التكتيك. الثابت أن ترامب قادر دوما على مفاجأة معاونيه حتى من كانوا الأقرب إليه.

في الأسبوع الماضى، وفى أثناء انعقاد مؤتمر قمة العشرين في أوساكا اليابانية فإن ترامب قلب سياساته السابقة فيما يخص الصين وكوريا الشمالية وروسيا أيضا رأسا على عقب. فحتى انعقاد قمة العشرين كان الاقتصاد العالمى كله يئن مما سمى «الحرب التجارية» بين واشنطن وبكين، وكان التصعيد الكلامى لا يقل قسوة عن التصعيد في الضغط بالرسوم والجمارك على السلع المتبادلة بين البلدين مما خلق موجات من التشاؤم دارت كلها حول تراجع معدلات النمو العالمية، وسريان تباطؤ ملحوظ في حركة التجارة العالمية. فجأة انقلب الحال، وأعلن ترامب عن عودة المفاوضات بين الصين والولايات المتحدة، وإلى ما حققته من «تقدم» من قبل، واعدة بصفقة كبرى مفيدة للبلدين والعالم. ولم ينسَ ترامب أن يرفع غضبه على شركة «هواوى» الصينية وعودة شركة «آبل» إلى مدها مرة أخرى بما كانت تحصل عليه من قبل. أصبحت أمريكا والصين، و«ترامب» و«شاى جينبينج» «سمن على عسل»!

المفاجأة الكبرى حدثت عندما- وكما لو كانت نوعا من الخاطر المفاجئ- أعلن ترامب عن رغبته في لقاء «كيم جونج أون» في المنطقة المنزوعة السلاح بين كوريا الشمالية وتلك الجنوبية. ومرة أخرى اكتشفنا أن هناك تقدما كان حادثا وآن أوان استئنافه مرة أخرى، وفى سبيل ذلك كان الرئيس الأمريكى على استعداد لكى يخطو خطوة إلى داخل كوريا الشمالية، فتكون خطوة تاريخية باعتباره أول رئيس أمريكى يفعل ذلك، وقبل أن تنزع كوريا الشمالية سلاحها النووى، أو تقيد مدى صواريخها طويلة المدى.

المفاجأة الثالثة، والتى ربما لم تكن مفاجأة كاملة، أن علاقات ترامب مع الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» كانت أكثر من حميمة؛ ما كان معروفا من تقرير «مولر» على الأقل هو أن روسيا تدخلت في الانتخابات الأمريكية لعام ٢٠١٦؛ ولم يكن ترامب معترضا على ذلك، وإنما كان معترضا على ما أشار له التقرير من دلائل على أن «ترامب» قام بأمور مضادة للعدالة في القضية. ما جرى في اليابان أن «ترامب» هاجم الإعلام الأمريكى، وتهكم في حضور «بوتين» على مسألة التدخل الروسى في الانتخابات الأمريكية؛ كان الطرفان قد انصرفا لما يعتقد أنه أكثر أهمية فيما يتعلق بسوريا وإيران وفقا لتوصيات اللقاء الذي جرى في القدس بين ممثلى الأمن القومى في أمريكا وروسيا وإسرائيل.

هل يكون ما جرى الأسبوع الماضى من الرئيس الأمريكى هو مقدمة لحل الأزمة مع إيران ونزع احتمالات الحرب عنها، أم أن ما قدمه ترامب من تراجعات وتنازلات كان تمهيدا لحرب بات ترامب يراها ضرورية؛ وفى الأول والآخر فإن لكل رئيس أمريكى حربه الذي يثبت فيها قدراته على شن القرار الأعظم للرؤساء وهو ذلك الذي يتعلق بالحرب والسلام. ما يجعل احتمالات الحرب قائمة أن إيران مستمرة في التصعيد فقد عبرت خلال الأسبوع الماضى سقف ما هو مقرر لها من كميات البلوتونيوم المخصبة في الاتفاق النووى التي خرجت منه الولايات المتحدة مع بقاء القوى الأخرى (الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) فيه؛ ولكنها في ذات الوقت لم تفلح في إبقاء علاقاتها الاقتصادية مع إيران بعيدة عن العقوبات الاقتصادية الأمريكية. المساس بسقف البلوتونيوم المخصب كمًا حتى الآن ونوعًا بعد الآن هو خط أحمر لأمريكا وإسرائيل أيضا.

الأزمة مع إيران هكذا مستمرة، ليس فقط بكسر موضوع التخصيب، وإنما فيما يخص حركة عملائها في المنطقة، فقد استمر الحوثيون في الاعتداء على مطار «أبها» المدنى في السعودية، ما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين. فهل يكون للصبر امتداد لدى السعودية على مثل هذه الهجمات التي شملت سفنا وموانئ ومضخات بترولية في الخليج والسعودية والإمارات، أم أن اللقاء على الإفطار الذي جرى بين ولى العهد ووزير الدفاع السعودى محمد بن سلمان كان مخصصا للتفاهم حول ما سوف تقوم به الولايات المتحدة تجاه إيران، وأن مفاجآت ترامب ما هي إلى لتحقيق إجماع دولى ضد العدوان الإيرانى؟!

الاحتمال الآخر، وتماشيا مع نوازع ترامب الأخرى الخاصة بتجنب الحروب التي لا يكون لها نهاية؛ أنه في الحقيقة يريد الخروج من المأزق الإيرانى باتفاق جديد، أو يبدو جديدا كما حدث في اتفاق «النافتا» مع كندا والمكسيك الذي أُلغى، والتوقيع على ذات الاتفاقية «منطقة شمال أمريكا للتجارة الحرة» إلى «اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك». في العلاقات الدولية ليس مهما أن يكون السيد أحمد هو تماما الحاج أحمد؛ وإنما المهم أن يكون هناك اختلاف ينسب للرئيس أنه قام بأمر جديد.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ترامب» بين الحرب والسلام «ترامب» بين الحرب والسلام



GMT 17:40 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... الانهيار أو الجمهورية الثالثة

GMT 10:39 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أسباب التضييق على لبنان

GMT 10:37 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

صوت واحد بلهجات كثيرة

GMT 10:22 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يهبّ «حزب الله» لإنقاذ عهده

GMT 20:25 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

لم تعد القوات الأميركية قضية

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - لبنان اليوم
 لبنان اليوم - جراحون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 05:12 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 تصرفات يقوم بها الأزواج تسبب الطلاق النفسي

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 17:12 2020 السبت ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الهلال السعودي يربط رازفان لوشيسكو بلاعبيه في الديربي

GMT 12:50 2022 الإثنين ,18 تموز / يوليو

ببغاء يُفاجئ باحثي بممارس لعبة تُشبه الغولف

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 10:04 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

النظارات الشمسية الملونة موضة هذا الموسم

GMT 18:33 2022 الإثنين ,09 أيار / مايو

ألوان الأحذية التي تناسب الفستان الأسود

GMT 17:16 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إلغاء بطولة العالم للشابات في كرة اليد فى لبنان

GMT 17:21 2021 الجمعة ,23 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 21:55 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس الاتحاد التونسي للطائرة يعلن تأجيل نهائي الكأس

GMT 22:19 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

قطع صيفية يجب اقتنائها في خزانتك

GMT 22:27 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

شاومي يطرح حاسوب لوحي مخصص للكتابة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon