العراق ينتفض

العراق ينتفض

العراق ينتفض

 لبنان اليوم -

العراق ينتفض

عمرو الشوبكي

فى كل بلد هناك صوت ضمير قابع فى مكان ما يتراكم فوقه الصدأ والتراب، لكنه يظل موجوداً، يختفى عن الأنظار لكنه لا يختفى من الوجود، وظل العراق نموذجاً لهذه الحالة، فهو البلد العربى الكبير الذى لم يسمع الناس عنه إلا صوت الديكتاتورية والمغامرات العسكرية الفاشلة فى عهد الرئيس الراحل صدام حسين، أو صوت الطائفية والاقتتال الأهلى ومذابح داعش والميليشيات الشيعية وأحزاب السلطة والغنائم منذ الغزو الأمريكى حتى الآن.

ورغم كل العنف والدمار الذى راج فى العراق، وظل حديث المدينة فى الداخل والخارج، حتى أصبحت الصورة الذهنية السائدة عن هذا البلد العربى العظيم هى صورة القتل والإرهاب والطائفية، بعد أن كان نموذجاً فريداً للتعايش بين السُّنة والشيعة (والنسبة الأعلى فى الزواج المختلط بين المذهبين الإسلاميين) قبل الغزو الأمريكى.

إن ما جرى ويجرى فى العراق من طائفية وإرهاب منذ الغزو الأمريكى حتى سيطرة داعش على بعض المناطق العراقية هو بسبب بناء دولة جديدة رخوة اعتمدت المحاصصة الطائفية عنواناً لها، فحلت الميليشيات الطائفية مكان أجهزة الأمن، والتى مارست بدورها جرائم طائفية بحق السُّنة لا تختلف كثيراً عن جرائم تنظيمى القاعدة وداعش بحق الشيعة.

وقد ساعد هذا المناخ على تعمق الشرخ الطائفى فى العراق، ودفع بعض السُّنة إلى الهتاف فى عهد الحكومة السابقة «ألف داعشى ولا مالكى»، فأغمضوا أعينهم عن تنظيم داعش الإرهابى، متصورين أنه سيخلصهم من طائفية الحكومة وأعطوه ولو جزئياً بيئة حاضنة.

وتغيرت الأمور بعد ذلك، وتمت الإطاحة بنورى المالكى عبر ضغوط خارجية وآليات ديمقراطية داخلية، وجاء رئيس الوزراء العراقى الجديد حيدر العبادى الذى بدا أكثر انفتاحاً من سابقه، ووعد بإصلاحات لم يُنفذ معظمها حتى الآن.

ورغم هذه الصورة القاتمة انتفض العراقيون انتفاضة سلمية مدنية فى بغداد ومدن الجنوب ضد الفساد والمحاصصة الطائفية، وحتى لو دعمت المرجعيات الشيعية هذه الانتفاضة فإن كثيراً من سُنَّة بغداد شاركوا فيها، وظهر الوجه المدنى الكامن فى قلب العراق رغم أتربة الطائفية، وخرج مئات الآلاف من العراقيين فى مظاهرات غير مسلحة فى ساحة التحرير ببغداد، وعدد كبير من المدن العراقية، يطالبون الحكومة بإصلاح المؤسسات ومحاربة الفساد وسوء الإدارة بعد أن صارت العراق نموذجاً قريباً من الدول الفاشلة لن تنقذه أى ديمقراطية (يمكن مراجعة مقال «الديمقراطية لا تنقذ الدول الفاشلة» فى 23/9/2010).

وأعطت انتفاضة بغداد والمدن العراقية وجهاً آخر أصيلاً من وجوه العراق، فهناك تيار واسع من العراقيين يرفض هيمنة الأحزاب الشيعية الطائفية والسُّنية على السواء، ويرفض إرهاب داعش والمحاصصة الطائفية، ويرغب- رغم ضعفه النسبى- فى بناء دولة مدنية ديمقراطية عادلة، فخرج لأول مرة منذ عقود فى مظاهرات تطالب بالتغيير والإصلاح دون أن يحمل قطعة سلاح واحدة، ودون أن تطلق طلقة رصاص طائشة.

ما يجرى فى العراق يمكن أن يكون خطوة يُبنى عليها إصلاح جراحى حقيقى فى بنية النظام الطائفى الذى تشكل عقب أو بسبب الغزو الأمريكى، فإذا نجحت هذه الانتفاضة فى أن تؤثر فى المكونات السياسية العراقية، واستمرت فى الضغط السلمى عليها حتى تضطرها إلى إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية عميقة، فإن عراقاً عربياً قد يُولد من جديد، وسيُغيِّر كثيراً من قواعد اللعبة الإقليمية.

فرصة ممكنة وصعبة، ولكن ليست مستحيلة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق ينتفض العراق ينتفض



GMT 18:40 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 18:39 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

بين القوانين والإعلانات والأخلاق

GMT 18:38 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 18:37 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 18:18 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 18:14 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

GMT 18:13 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

يحمل اسم زويل

GMT 18:12 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

هند رستم.. الأنوثة قبل الإغراء دائمًا!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:24 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح
 لبنان اليوم - الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon