معركة فلسطينية متأخرة

معركة فلسطينية متأخرة

معركة فلسطينية متأخرة

 لبنان اليوم -

معركة فلسطينية متأخرة

بقلم - بكر عويضة

تُضرَب الأمثالُ للناس بقصد الاعتبار مما تحمل قصصها، التي أدت، أساساً، إلى إنشاء بنيانها اللغوي، ثم بغرض الاسترشاد بها فيما هم فيه من أحوال، وبرجاء أن يتجنَّب المعاصرون أخطاء فادحة ارتكبها الأولون، جماعات أو أفراداً، وتسببت في ويلات تعسر إيجاد حلول لها، وأحياناً يتعثر مخاض الحل رغم وضوح منهجه، بفعل تزمّت عقول ترفض التوقف عن النظر إلى الوراء، فإذا بالأخطاء تتراكم كأنَّها جبال، وتقيم بين أهلها أزماناً، تؤثر طوالها عميقاً في مسار حاضرهم، حتى تكاد تقفل الأبواب تماماً أمام أجيال مستقبلهم. حصل هذا من قبل، ولم يزل. إنما، من طرائف الأخذ بالأمثال، أنها تقع في تضارب فيما بينها، فتُحير السامع المحتكم إليها. خذ، مثلاً، القول العربي الشائع: «ما تأخر مَنْ جاء»، والقول المرادف له: «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً»، والذي يقابله بلغة الإنجليز: «IT’S NEVER TOO LATE» أو «IT’S NEVER OVER TILL IT’S OVER». في المثلين؛ تتفق الثقافتان على تشجيع واضح يحض المرء على أن يرفض الاستسلام للزمن، فيواصل المضي في طريق ما عقد العزم عليه. بالمقابل، وهنا التضارب؛ ثمة قول إنجليزي يصدم إذ يحسم بقفل الباب أمام الطارق «TOO LITTLE TOO LATE»، فلا يتيح المجال لأي جهد يُبذل بقصد إصلاح حال، أو تحقيق صلح بين أقوام متنازعين، أو إقفال ملف إشكال قانوني بعدما فُتح في المحاكم سنين طالت عقوداً بلا أي حل.
وجدت نفسي أتأمل، بشكل محدد، مدى احتمال أن يحق المثل المضروب في الحالة الأخيرة، على سابقة فلسطينية في منتهى الأهمية، فور ما بلغني النبأ مطلع هذا الأسبوع. السابقة أقدم عليها فلسطينيون يحق لهم أن يُقدر جهدهم بكل ما يستحق من تقدير، وأهم التقدير هو توفير الدعم بكل الصور والأساليب الممكنة، سواء من قِبل الفلسطينيين، أفراداً وهيئات، أو في الجانب العربي وأيضاً العالمي. ضمن هذا السياق، آمل ألا يُفهم قولي إنها سابقة مهمة جداً، لكنها تأخرت كثيراً، وبالتالي يصعب تخيل أن تعطي ثمراً يتناسب مع أهميتها، خصوصاً على الصعيد البريطاني، من منطلق تقليل شأنها. توضح التفاصيل، وفق ما تداول أكثر من موقع إخباري، أن المحكمة الابتدائية في نابلس قضت يوم الأحد 21 فبراير شباط الماضي، ببطلان الوعد الصادر في الثاني من نوفمبر تشرين الثاني عام 1917 عن آرثر جيمس بلفور، وزير الخارجية البريطاني آنذاك. استندت المحكمة إلى أن الوعد ينتهك قواعد القانون الدولي، وحمّلت المملكة المتحدة كامل المسؤولية القانونية عما أدَّى إليه الوعد من أذى لحق بالشعب الفلسطيني وحرمانه من حقوقه. المحامي نائل الحوح، رئيس الفريق القانوني الذي تابع القضية، صرّح بأن قرار المحكمة «دشن لمعركة قانونية كانت غائبة عن قيادة شعبنا». صحيح تماماً. لقد أصاب السيد الحوح، حقاً، وضرب فعلاً على عصب مجروح حين قال إنها «معركة قانونية كانت غائبة عن قيادة شعبنا».
لكن، انسجاماً مع ما سبق، هل يصح القول، أيضاً، إنَّها معركة قضائية غابت طويلاً، ومن ثم الأرجح ألا توصل إلى ما يُبتغى منها؟ قبل الحسم بالجواب القاطع، من الواجب الاطلاع على تفاصيل رفع الدعوى. ترجع المسألة إلى أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي، عندما تقدم محامون بدعوى قضائية أمام محكمة نابلس الابتدائية، نيابة عن «التجمع الوطني للمستقلين»، الذي يرأسه السيد منيب المصري، رجل الأعمال المعروف باستقلال القرار والإرادة، وصاحب المبادرات الوطنية الأكثر من إمكانية أن تُحصى، إضافة إلى «المؤسسة الدولية لمتابعة حقوق الشعب الفلسطيني»، و«نقابة الصحافيين الفلسطينيين»، ضد الحكومة البريطانية، محملين إياها مسؤولية وعد بلفور. استنندت الدعوى إلى أساس الطعن بالوعد، وطالبت بإبطاله وإبطال كل ما نتج عنه، وباعتذار بريطانيا للشعب الفلسطيني، وتحميلها كامل المسؤولية عن النكبة، واحتلال أراضيه، ومحاسبتها على «جرائمها خلال فترة حكمها العسكري لفلسطين». ليس بوسع أحد أن يجادل بأهمية السابقة، أو بمشروعية مطالبها، ومن الواجب تكرار المطالبة بدعم القائمين عليها، إنما سوف يبقى السؤال قائماً؛ هل يمكن أن تعطي الدعوى أمام محكمة نابلس الابتدائية أي مردود ما لم تنتقل إلى ساحة القضاء البريطاني، ويَصْدر بشأنها حكمٌ يقطع دابر الشك بحق اليقين؟ الأرجح أن الإجابة هي كلا؛ لكن ذلك يجب ألا يمنع المحاولة، أو الاستسلام للقول الإنجليزي ذاته، تأخرتم كثيراً.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معركة فلسطينية متأخرة معركة فلسطينية متأخرة



GMT 10:18 2024 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

مستعربون مستعربات: فريا ستارك

GMT 10:15 2024 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

(صلة رحم).. فتيل لا يزال مشتعلا!!

GMT 10:07 2024 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

ضمير جوتيريش!

GMT 10:02 2024 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

«الصحوة» والقضية الفلسطينية

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

القضية بين العنتريات والاستراتيجية

كارمن بصيبص بإطلالات أنيقة تناسب السهرات الرمضانية

بيروت - لبنان اليوم

GMT 21:29 2023 الإثنين ,08 أيار / مايو

توقعات الأبراج اليوم الاثنين 8 مايو / آيار 2023

GMT 05:06 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 18 مارس/ آذار 2024

GMT 06:58 2024 الإثنين ,25 آذار/ مارس

توقعات الأبراج اليوم الإثنين 25 مارس/ آذار 2024

GMT 19:45 2023 الثلاثاء ,02 أيار / مايو

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 2 مايو/ أيار 2023

GMT 11:27 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تركز انشغالك هذا اليوم على الشؤون المالية

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 15:13 2022 السبت ,07 أيار / مايو

اتيكيت تقديم الطعام في المطاعم

GMT 07:15 2023 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

تخفيف الإجراءات الامنية في وسط بيروت

GMT 23:24 2023 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

طريقة وضع المكياج على الشفاه للمناسبات

GMT 23:19 2023 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

موضة المجوهرات الصيفية هذا الموسم

GMT 20:39 2023 الثلاثاء ,02 أيار / مايو

أبرز اتجاهات الموضة في حقائب اليد هذا الصيف

GMT 17:21 2023 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

التنورة الماكسي موضة أساسية لصيف أنيق

GMT 22:46 2019 الخميس ,11 إبريل / نيسان

جوسيب يحقق رقمًا قياسيًا ويفوز بالذهبية

GMT 19:41 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

وزير الرياضة المصري يستقبل رئيس نادي الفروسية

GMT 15:36 2023 السبت ,15 إبريل / نيسان

إتيكيت إهداء العطور النسائية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon