ذكرى رحيل ميّ زيادة العبقرية التي انتهت بمأساة مروعة
آخر تحديث GMT12:13:04
 لبنان اليوم -

أصبحت مقالاتها نموذجًا أدبيًا تردد صداه في الأصقاع

ذكرى رحيل ميّ زيادة العبقرية التي انتهت بمأساة مروعة

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - ذكرى رحيل ميّ زيادة العبقرية التي انتهت بمأساة مروعة

ميّ زيادة
القاهرة - لبنان اليوم

أصبحت مقالاتها وآراؤها ونقدها ومراسلاتها مع جبران خليل جبران، وعباس محمود العقاد، وطه حسين، وأمين الريحاني، وشكيب أرسلان، وآخرين بحجمهم، نموذجا أدبيا تردد صداه في الأصقاع

 

"هنا ترقد نابغة الشرق، زعيمة أديبات العرب، المثل الأعلى للأدب والاجتماع، المرحومة ميّ زيادة" هذه هي الكلمات التي حفرت على قبر الكاتبة والمفكرة والمترجمة والشاعرة، مي زيادة، يوم دفنها في القاهرة، بتاريخ العشرين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر، سنة 1941، بعدما أعلنت وفاتها في التاسع عشر من الشهر نفسه، و"ارتسمت على وجهها الناحل، ابتسامة ملائكية" بحسب أحد أشهر المصادر الموسوعية عن زيادة، وهو كتاب "مي زيادة، أو مأساة النبوغ" للدكتورة سلمى الحفار الكزبري.

 

تنتمي لأي بلد؟

ولدت زيادة، في مدينة "الناصرة" الفلسطينية، في الحادي عشر من شهر شباط/ عام 1886م، وكان اسمها الأصلي "ماري" إلا أنها اختارت اسم "مي" بدءا من عام 1912، لتوقّع به على مقالاتها، وعرفت به منذ ذلك الوقت. وولدت مي، لأب لبناني ماروني الأصل، من آل زيادة هاجر فيما سبق، إلى مدينة الناصرة، وتزوّج بامرأة سورية الأصل، ولدت في فلسطين، من آل معمّر.

 

تعدّد البلدان التي تنتمي مي إليها، ومنها التي حملت جواز سفرها، وتعتبر بلد نبوغها وولادتها الأدبية والفكرية، مصر، ظهر جلياً، لدى الأديبة التي شغلت أدباء عصرها، فقالت في أحد مقالاتها: "ولدتُ في بلد، وأبي من بلد، وأمي من بلد، وأشباح نفسي تتنقل من بلد إلى بلد، فلأي هذه البلدان أنتمي؟ وعن أي هذه البلدان أدافع؟".

 

تلقت مي، تعليمها الأساسي في الناصرة، ودرست هناك الموسيقى، ولم تصل إلى عامها الثالث عشر، إلا وكانت قد تعلمت اللغتين الفرنسية والإيطالية، ودخلت لبنان، للمرة الأولى، وللتعرف إلى أصول عائلتها، عام 1899م، وأتمت دراستها في بلد أبيها الأصلي، ثم عادت مجدداً، إلى الناصرة، عام 1905م.

 

الهجرة إلى مصر

هاجرت مي مع أبيها وأمها، إلى مصر، عام 1907، وبرز اسمها في هذا البلد الذي منحها جواز سفره، وبقيت حتى اللحظات الأخيرة من حياتها، متيمة به معترفة بفضله، بحسب المصادر التي تناولت حياتها والتي تؤكد أن اللهجة المصرية كانت غالبة على لسانها.

 

وتعتبر ولادة مي، الأدبية، هناك، وكثيرا ما تحدثت عن ذلك البلد بمثل تلك اللغة، إذ قالت: "عادت روحي إلى مصر، فدعوني أجلس وراء تلال الرمال حيث يقطن السكون غير المتناهي، دعوني أنفرد في وحدة الأفق، وأناجي أبا الهول" ومن هناك، بدأت مي، بنشر إبداعها في "المحروسة" التي أصبحت ملكاً لأبيها منذ عام 1908، ثم أصبحت مي رئيسة تحريرها، بعد وفاة أبيها سنة 1929، ثم وفاة والدتها سنة 1932.

 

فريدة عصرها

وتوسّع نشاط مي الصحافي والأدبي، لينتقل إلى صحف "السياسة الأسبوعية" و"الأهرام" و"الهلال" و"المستقبل" و"المقتطف" ونشرت أول ديوان لها، بالفرنسية عام 1911، وكانت في ذلك الوقت قد حصدت شهرة واسعة في أوساط أرفع طبقة من الكتاب والمفكرين في مصر، بصفة خاصة، وبقية أرجاء العالم العربي.

 

مي زيادة

وكانت تتباهى بأنها أتقنت فنون اللغة العربية، وحدها، حتى أصبحت تلقب بـ"فريدة العصر" الذي أطلقه عليها أحد أساطين التصنيف العربي، شكيب أرسلان، إلا أنها أقرت بفضل أحمد لطفي السيد، والملقب بدوره بأستاذ الجيل، بإتقانها العربية، عندما نصحها بقراءة القرآن الكريم، لاقتباس ما فيه من فصاحة وبلاغة، وأهداها نسخة منه.

 

وكان لكتابها "باحثة البادية" وهو عن الأديبة المصرية ملك حفني ناصف، وصدر عام 1920، أثر جوهري في شهرة مي، بين أوساط النخبة العربية المثقفة في ذلك الوقت، والذي أصبحت مي جوهرته المحاطة بعناية واهتمام و"حب" عدد كبير من ألمع الكتاب العرب، كطه حسين وعباس العقاد، وجبران خليل جبران الذي جمعتها به المراسلة، وولي الدين يكن، وأمين الريحاني، وأسماء أخرى كثيرة كانت جميعها من ضيوفها، ما خلا جبران المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، في صالونها المعروف بصالون الثلاثاء الذي كان يستقبل نخبة الأدباء العرب، ومنهم أمير الشعراء أحمد شوقي.

 

من النبوغ إلى المأساة

قال جبران خليل جبران بعد قراءته كتاب "باحثة البادية": ما قرأت قط كتابا عربيا أو غير عربي، مثل باحثة البادية. أنتِ، يا ميّ، صوتٌ صارخ في البرية".

 

ثم جاء كتابها الثاني "سوانح فتاة" عام 1922، وهو تجميع لبعض مقالاتها وبحوثها التي نشرتها في الصحافة وأثارت إعجاب الطبقة الرفيعة من المثقفين، وفي ذات العام الأخير أصدرت كتابا صغيرا يحوي خطبا لها، في نواد ثقافية في مصر، وحمل اسم "كلمات وإشارات" تلته بكتاب آخر جمعت فيه بحوثا ومقالات لها، حمل اسم "ظلمات وأشعة" عام 1923، وكتابها "المساواة" الذي "تجاوز حدود الإعجاب إلى الدهشة" برأي الكزبري السابقة الإشارة إليها، ثم كتاب "الصحائف" و"بين المد والجزر" عام 1924، ثم صدر لها كتاب عن الشاعرة المصرية "عائشة التيمورية" عام 1925، فضلا من محاضراتها الكثيرة التي كانت تلقيها في كثير من المحافل، جمعت في كتب، وبعضها فقد، وبعضه الآخر، لم يصدر في كتاب مستقل، إلا في "الأعمال الكاملة" لمي زيادة، والذي جمعته وحققته سلمى الحفار الكزبري، الأكاديمية والأديبة الدمشقية المعروفة.

 

فاجعة لا توصف

وبعد حياة حافلة بأمجاد أدبية لم تحظ به كاتبة عربية، برأي نقاد ومؤرخي الأدب، ليس على المستوى العربي، فحسب، بل والغربي أيضا، قضت مي زيادة، في واحدة من أشهر مآسي ذلك العصر، عندما زعم البعض لأسباب معينة، إصابتها بالجنون، ثم استدراجها إلى لبنان، وزجّها هناك في مصحة عقلية ما بين عامي 1936 و1937.

 

وبعد تدخل أقرب أصدقائها في مصر ولبنان، وتدخل القضاء في البلدين، تم إخراجها من "العصفورية" وهو الاسم الذي كان يطلقه الشوام على مستشفى الأمراض العقلية، ثم عادت إلى مصر بعدما أثبتت للجميع أنها تتمتع بقواها العقلية، وأن الأمر لم يكن أكثر من قلق واضطرابات على شيء من الإحساس المتضخّم بالاضطهاد، بحسب بعض مؤرخي الأدب.

 

وفي الوقت الذي كان يترقب فيه محبوها وهم من أعلى طبقة بين فئة الكتاب والمثقفين العرب، عودتها إلى عالم العطاء الإبداعي بعد انتهاء "مأساتها المروعة" بوصف الكزبري، حتى أعلنت وفاتها في القاهرة، في 19 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1941، والذي يصادف وقوعه اليوم الاثنين، ليسدل الستار على "نابغة الشرق" مي زيادة، والتي أصبحت مقالاتها وآراؤها ونقدها ومراسلاتها مع جبران خليل جبران، وعباس محمود العقاد، وطه حسين، وأمين الريحاني، وشكيب أرسلان، وآخرين بحجمهم، نموذجا أدبيا تردد صداه في الأصقاع، ولا يزال يتردد حتى الآن.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكرى رحيل ميّ زيادة العبقرية التي انتهت بمأساة مروعة ذكرى رحيل ميّ زيادة العبقرية التي انتهت بمأساة مروعة



نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 15:46 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

وفاة الممثل السوري غسان مكانسي عن عمر ناهز 74 عاماً

GMT 15:43 2021 الخميس ,23 أيلول / سبتمبر

أعلى 10 لاعبين دخلاً في صفوف المنتخب الجزائري

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 09:07 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

صفقة نفطية لشركات أجنبية تُفجر خلافاً واسعاً في ليبيا

GMT 10:20 2023 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

الجينز واسع والألوان الجريئة أبرز صيحات الموضة لعام 2024

GMT 19:00 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

لصوص يقتحمون منزل الفنان كيانو ريفز بغرض السرقة

GMT 19:50 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة السيدة الأميركية الأولى السابقة روزالين كارتر

GMT 00:54 2023 الخميس ,27 إبريل / نيسان

أفضل الإكسسوارات والمجوهرات لهذا الموسم

GMT 16:06 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

دكتوراه لراني شكرون بدرجة جيد جدا من جامعة الجنان

GMT 15:38 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

150 شركة تبدأ إضرابًا في إسرائيل أبرزها "ماكدونالدز"

GMT 18:24 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مصطفى حمدي يضيف كوتة جديدة لمصر في الرماية في أولمبياد طوكيو

GMT 19:00 2024 الخميس ,04 إبريل / نيسان

سعر الذهب يصل لمستويات غير قياسية جديدة

GMT 12:51 2023 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

فرنسا تؤكد أن "COP28" لحظة حاسمة لإبقاء حرارة الكوكب تحت 1.5

GMT 13:02 2022 الثلاثاء ,07 حزيران / يونيو

توقيف مذيع مصري بعد حادثة خطف ضمن "الكاميرا الخفية"

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon