حكاية مقهى لبناني طاقمه من ذوي الاحتياجات الخاصة
آخر تحديث GMT09:36:16
 لبنان اليوم -

حكاية مقهى لبناني طاقمه من ذوي الاحتياجات الخاصة

 لبنان اليوم -

 لبنان اليوم - حكاية مقهى لبناني طاقمه من ذوي الاحتياجات الخاصة

حياة المقهى الفريد من نوعه في لبنان
بيروت - لبنان اليوم

تفوح من القهوة هنا رائحة حُبّ، وتلوح على صفحة الفنجان وفوق وجوه مَن حضّروه ابتسامات لا تشبه أي ابتسامات أخرى. في مقهى «أغونيستا Agonista» في بيروت، ليس الموظّفون مثلما يتوقّعهم الزبائن؛ فهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.فرح التي تعاني من متلازمة «أنغلمان» تستقبل روّاد المقهى بلهفتها وبريق عينَيها، تسجّل طلباتهم وتهتمّ بالحساب من دون ارتكاب أي خطأ. أما جورج المصاب بمتلازمة «داون» (تثلّث الصبغية 21)، فيحضّر كل أنواع القهوة والعصير ويزيّنها بمزاحه مع الزبائن. وفي الصالة، يجول جوني وأليكس بين الطاولات ليتأكدا من أنّ أحداً لا ينقصه شيء.منذ 6 سنوات، كانت «Agonista» مجرّد فكرة تدور في رأس المعالج الفيزيائي وسيم الحاج ويهجس بها ليل نهار. هو الذي احتكّ خلال عمله بعدد كبير من ذوي الاحتياجات الخاصة، اكتشف قدرات ذهنية وجسدية كبيرة لديهم، والأهم من ذلك، التمسَ «حاجتهم الملحّة إلى الاندماج في المجتمع والحصول على وظائف، والشعور بأنهم مُنتجون وقادرون على مساعدة عائلاتهم، بدل أن يكونوا عبئاً عليها».

اتضحت ملامح الفكرة أكثر في مخيّلة وسيم يوم التقى صبيّة مصابة بمتلازمة «داون»، كانت تبيع أشغالها اليدويّة في أحد المعارض. يخبر «الشرق الأوسط» كيف أن جهوده المشتركة مع الجمعية اللبنانية لتثلّث الصبغيّة 21، أثمرت هذا المقهى الملوّن بالأصفر والذي يحمل قضية دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع والطبقة العاملة.كانت خميرة الانطلاق قرضاً شخصياً حصل عليه الحاج من المصرف عام 2018، «لكن لولا الشباب والصبايا الذين آمنوا بأنفسهم، ولولا أهاليهم الذين منحوهم الثقة وما زالوا حتى اليوم يصحبونهم إلى الدوام، لم يكن الحلم ليتحوّل إلى حقيقة»، وفق تعبير المؤسس.

خلال 5 سنوات من حياة المقهى الفريد من نوعه في لبنان والعالم العربي، أبصر الحاج تحوّلات كثيرة في شخصيات الموظّفين الـ14. أليكس المصاب بالتوحّد والذي كان بالكاد يتفوّه بكلمة ويرفض التعاطي مع الناس، صار اليوم يرحّب بالزبائن ويهتم بطلباتهم ويتواصل معهم؛ «حتى أمه صُدمت بتطوّره»، يقول الحاج.أما جورج فقد تحوّل إلى «شيف» وfood blogger على منصة «تيك توك»، حيث لديه آلاف المتابعين. هو نجم المقهى من دون منازع، يحبه زملاؤه ويفرح الزبائن بالحديث معه.على غسان كذلك، فعل العمل في المقهى فعله. انضمّ إلى الفريق في الـ42 من عمره، من دون أي خبرة مهنية سابقة. تقرّ والدته بأن السنوات الـ5 التي أمضاها في «أغونيستا» لم يختبر مثلها منذ طفولته، إلى درجة أن كلامه بات واضحاً بعد 4 عقود من التلعثم والنطق المتعثّر.

غالبية الحالات التي يعانيها العاملون في فرعَي «أغونيستا» ذهنية وليست جسدية. منهم مَن هو مصاب بداء الصَرع، أو بالتوحّد، أو بمتلازمة «أنغلمان»، أما الجزء الأكبر فيعاني من تثلّث الصبغيّة 21 (داون). في تنوّع الحالات هذا، تكمن قوّة الفريق. ومن هنا جاءت تسمية المحل، فكلمة «أغونيستا» تعني أعضاء الجسد التي يكمّل بعضها البعض وتتعاون من أجل إنجاز حركة ما. هكذا هو فريق المقهى، متّحدٌ في ضعفه ليولّد طاقة إيجابية تنعكس على الزبائن.

لا ينكر وسيم الحاج أن القلق انتابه مع انطلاقة المشروع؛ خشي من عدم تقبّل الناس الأمر. غير أن ردود فعل روّاد المقهى هدّأت قلقه: «كان تفاعل الناس كبيراً وغالبية الزبائن باتوا يقصدوننا من أجل تشجيع الفكرة وليس لمجرّد تناول القهوة. من النادر جداً أن تصدر عن الروّاد ردود فعل مستفزّة أو مؤذية». يوضح الحاج: «صار الموظفون نجوم هذا المحل بسبب السوشيال ميديا، وبعض الأشخاص يزورون المكان ليتعرّفوا عليهم ويلتقطوا الصور معهم».

ليس الموظفون نجوماً بسبب حالاتهم الخاصة فحسب، بل لأنهم متفانون في عملهم إلى أقصى حدّ. يفسّر الحاج هذا الشغف الاستثنائي بكونهم «لديهم ما يثبتونه، ثم إنهم كانوا ينتظرون هكذا فرصة منذ زمن». في مجتمعٍ ما زال يمارس التمييز مع ذوي الاحتياجات الخاصة، ووسط بيئة مهنية غير حاضنة لهم، من البدهيّ أن يتمسّك موظفو «أغونيستا» بعملهم لأنه من شبه المستحيل أن يجدوا وظيفة أخرى. وفق تعبير الحاج، «بات هذا العمل وهذا المكان يختصران حياتهم كلها. وهو منحَهم وأهاليهم فرحاً كبيراً».

يفتخر جورج بأنه، وبفضل راتبه، صار قادراً كأشقائه، على مساعدة أهله في مصاريف البيت. أما أكثر ما يفرحه فهو الشعور برضا الزبائن عن القهوة أو «الكوكتيل» التي أعدّها لهم والتي لا تهاونَ في نوعيّتها ونكهتها.مثل جورج، لا تتذمّر فرح من ساعات العمل الطويلة، فهذا هو المكان الأحبّ إلى قلبها.وصلت ثقة الحاج بقدرات الفريق العامل إلى درجة أنه بات قادراً على تسليمهم المحل بمفردهم. يوضح أنه من النادر أن يرتكبوا أخطاءً في الطلبات، وحتى إن فعلوا فإن «ردود فعل الزبائن تأتي متفهّمة ولطيفة».

خلال جائحة كورونا والحجر المنزلي، أدرك الحاج قيمة «مساحة الفرح والأمان» التي اخترعها لنفسه ولفريقه المميّز. في تلك الفترة، كانوا يتصلون به يومياً ويبكون خائفين من أن يبقى المقهى مقفلاً إلى ما لا نهاية. حتى اليوم ورغم عبور الجائحة، لا يفارق هذا الهاجس رأس وسيم؛ هو الذي استثمر كل نبضة قلب وكل خليّة في دماغه في هذا المشروع، لا يتخيّل الشارع خالياً من المقهى الأصفر الصغير.

يستمر «أغونيستا» بفضل «الزبائن الأوفياء الذين تبنّوا المقهى وباتوا يزورونه بوتيرة شبه يومية، ليقوموا بأعمالهم ويعقدوا اجتماعاتهم فيه»، وفق ما يؤكد الحاج. غير أن الإيرادات غير كافية للمضيّ قدماً، ولذلك فقد ابتكر الحاج أنشطة موازية، مثل «باص القهوة» الخاص بالمحل والذي يجول على المهرجانات والمناسبات في المناطق.من جانب آخر، وبالتعاون مع منظمة «يونيسيف»، يستعدّ الفريق لإطلاق مطبخه الذي يُعنى بتحضير الوجبات الخفيفة من ساندويتشات وحلويات ستُباع في المقهى وفي متاجر متفرقة. ومن المفترض أن تفتح هذه المبادرة باب التوظيف أمام مزيدٍ من ذوي الاحتياجات الخاصة المدرَّبين في المجال.

قد يهمك ايضأً

 

 

المقهى الثقافى في معرض الكتاب يفتح أبوابه لمناقشة آخر كتب لجابر عصفور

ندوة شعرية مصرية جزائرية مشتركة في "المقهى الثقافي" في معرض الكتاب

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكاية مقهى لبناني طاقمه من ذوي الاحتياجات الخاصة حكاية مقهى لبناني طاقمه من ذوي الاحتياجات الخاصة



نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:00 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

نصائح "فونغ شوي" لسكينة غرفة النوم

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 06:54 2023 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

قواعد وإتيكيت الحديث واتباع الطرق الأكثر أناقاً

GMT 19:56 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

الأحزمة الرفيعة إكسسوار بسيط بمفعول كبير لأطلالة مميزة

GMT 19:13 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة الممثل البريطاني جوس آكلاند عن عمر يناهز 95 عامًا

GMT 12:47 2020 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

موديلات بروشات للعروس مرصعة بالألماس

GMT 15:13 2022 السبت ,07 أيار / مايو

اتيكيت تقديم الطعام في المطاعم

GMT 18:30 2021 الثلاثاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مالك مكتبي يعود بموسم جديد من "أحمر بالخط العريض"

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon