بعد الأزمة الخروج من المادية إلى الروحانية

بعد الأزمة: الخروج من المادية إلى الروحانية!

بعد الأزمة: الخروج من المادية إلى الروحانية!

 لبنان اليوم -

بعد الأزمة الخروج من المادية إلى الروحانية

عماد الدين أديب
بقلم - عماد الدين أديب

من أهم التغيرات الجوهرية المفصلية التى تشهدها البشرية الآن التغير فى السلوك الإنسانى من «المادية» إلى «الروحانية».

طغى الإنسان وتجبر واعتقد أنه قادر بسلطان العلم، وسطوة المال، وثورة الاتصالات، وعبقرية التكنولوجية المتقدمة، على إدارة شئون الحياة، والسيطرة الكاملة على الحاضر والمستقبل.

الآن يعيش أكثر من نصف سكان كوكب الأرض فى 205 دول محتجزين، إما طوعاً أو بالأمر، فى بيوتهم، بداخلهم شعور عظيم بالعجز والخوف والشك والقلق غير المسبوق.

الآن، والآن فقط، عرف «الإنسان» حقيقة ضعفه إزاء الطبيعة، وسطوة الأوبئة، وفوق ذلك كله عرف أنه مهما طغى فى سلطان القوة فهو مجرد ذرة فى صحراء، وقطرة فى بحر أمام قدرة خالق هذا الكون.

الآن، لأول مرة، يجلس الإنسان حبيساً مع عقله ونفسه وروحه ويعيد النظر فى أعماق الأعماق ويعيد حساباته فى هذه الحياة.

الآن يدرك الإنسان أن الراتب الثابت المضمون، والحساب البنكى ذا الفوائد، وبطاقة التأمين الصحى الخاصة به وبأسرته، والعضوية فى أكبر النوادى الرياضية والاجتماعية، والبيت الكبير، والشاليه الصيفى، كل ذلك ليس هو «بوليصة تأمينه» فى هذه الحياة.

باختصار يدرك إنسان اليوم أن الماديات لا تعنى السلامة، ولا راحة البال، ولا السلام الداخلى مع النفس.

إنسان اليوم، ابن ثقافة الحضارة المادية الغربية، يعيد تقليب حساباته وقناعاته.

إنسان اليوم، مأزوم، لأنه استبدل رب الكون برب العمل، وثواب الآخرة بفوائد البنك، ورضاء السماء بنفاق أهل الأرض.

إنسان اليوم، عاش كثير الكثير من المادية، مقابل قليل القليل من الروحانية.

ولكن ما هى «المادية» وما هى «الروحانية»؟

التفكير المادى قام فى أوروبا لإثبات أن المادة وحدها هى القادرة على خلق التقدم فى كل المجالات، وهى مفتاح السعادة الوحيد للإنسان فى كل زمان ومكان.

وبعد الحرب العالمية الثانية ازدادت هذه الاتجاهات وتطورت إلى نزوع وجودى قوى بعيد عن الفكر والسلوك الروحانى.

أما «الروحانية» فهى متأثرة بالفكر المسيحى الكنسى فى أوروبا خلال القرون الوسطى التى دعت إلى «تغذية النور الكنسى مقابل الفكر المادى المظلم». وقامت على فكرة «نفخ الإله للحياة فى الكائنات» لذلك يتعين أن يتربع الخالق فى عقل وروح الإنسان لكونه مصدر الخلق.

وقد تنبه الكاتب والمفكر الفذ د. طه حسين إلى هذه المسألة فى كتابه القيم «مستقبل الثقافة فى مصر» حينما قال: «إن الحضارة الأوروبية مادية مسرفة فى ماديتها لا تتصل بالروح وهى من أجل ذلك ستظل فى شقاء».

ومصطلح «الروحانية» يشتق من لفظة «الروح» المشتقة من الفرنسية، المشتقة بدورها من اللاتينية وهى تعنى «الروح والنفس» وتعنى أيضاً «التنفس».

وكل من الماديين والروحانيين وقع فى منزلق التطرف الشديد.

الماديون ذهبوا فى نظرتهم لسيادة الفكر المادى واعتبار الإنسان بلا روح أو مصدر أقوى للدعم واللجوء إليه.

الروحانيون تطرفوا إلى حد تفسير كل السلوك الإنسانى على أنه سلوك غير إرادى، ووصلوا إلى السلوك «الكهنوتى» أو «الدروشة» التى تسلب الإنسان مسئوليته عن العمل والخلق والخيال الإبداعى والجهد الإنسانى.

وقد وصل العقل الدينى الإصلاحى إلى اعتبار الروحانية الحديثة أنها سلوك يؤمن بقدرة ومسئولية للإنسان، لكنها سلوك مؤمن بقدرة الخالق الذى يتجاوز كل الإرادات وكل الماديات لأنه القوة المطلقة والحق المطلق.

ها هو إنسان اليوم، يعود إلى تقييم طغيان المادية على حياته من ناحية، وضعف الكفاءة وسيطرة التواكل على سلوكياته من ناحية أخرى.

إن حالة الضعف الحالية خلقت شعوراً بالعجز لدى إنسان اليوم، مما يجعله يعيد النظر فى مدى قدرته «كسوبر مان» خارق قادر على أى شىء وكل شىء.

وإذا كان مجتمع ما بعد الكورونا سوف يعيد النظر فى بعض الحكام، والحكومات، والأنظمة، والقيم والمعايير والسلوكيات والاقتصادات، فإنه سوف يعيد إلينا «البحث داخل الذات» والعودة العاقلة إلى الروحانيات.

وهذه المسألة هى الجانب الأكبر إيجابية فى أزمة الوباء التى نحياها الآن.

لذلك كله ندعو الله بالهداية، وندعوه: «اللهم لا تُحمِّلنا ما لا طاقة لنا به».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعد الأزمة الخروج من المادية إلى الروحانية بعد الأزمة الخروج من المادية إلى الروحانية



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:05 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تملك أفكاراً قوية وقدرة جيدة على الإقناع

GMT 15:08 2024 الخميس ,11 إبريل / نيسان

هزة أرضية تضرب ولاية تبسة شرقي الجزائر

GMT 16:31 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

الجزائري عسله الأكثر تصديًا للكرات في الدوري

GMT 23:10 2023 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 9 مايو/ أيار 2023

GMT 19:03 2022 السبت ,14 أيار / مايو

نصائح لاختيار ملابس العمل المناسبة

GMT 18:36 2023 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

حقائب فاخرة لأمسيات رمضان الأنيقة

GMT 15:28 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الكشف عن قائمة أفضل وجهات سفر عالمية في 2024

GMT 11:52 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

إتيكيت زيارات العيد

GMT 23:14 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

يوسف عنبر مدربًا للمنتخب السعودي

GMT 11:06 2022 الإثنين ,14 شباط / فبراير

أفضل الزيوت الطبيعية للعناية بالشعر الجاف
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon