الازدواجية القاتلة  من مصر إلى سورية

الازدواجية القاتلة ... من مصر إلى سورية

الازدواجية القاتلة ... من مصر إلى سورية

 لبنان اليوم -

الازدواجية القاتلة  من مصر إلى سورية

عريب الرنتاوي

لا وجه للمقارنة بين ما يجري في مصر وما تشهده سوريا منذ عامين، وكل حديث عن "سورنة" مصر، ضرب من التطيّر وسعيٌ لخلق مادة إعلامية مشوّقة، لا أكثر ولا أقل. لكن ذلك لا يمنعنا من طرح السؤال التالي: لماذا تُبدي دولٌ عربية بعينها، وهي معروفة للجميع، حماسةً استثنائية في دعم النظام المصري الجديد والجنرال عبد الفتاح السيسي والمؤسسة العسكرية المصرية، في الوقت الذي تبدي الدول ذاتها، حماسةً أشد، في دعم كل الجهود الرامية لإسقاط نظام الأسد، وتدعيم معارضيه على اختلاف مسمياتهم ومرجعياتهم؟ في تفسير دعم النظام المصري الجديد، يقول الناطقون باسم هذه الدول، أن السبب إنما يكمن في رفض إشاعة الفوضى والإرهاب في ربوع مصر، وهؤلاء يتهمون المعارضة الإخوانية وحلفائها، بفعل ذلك في طول مصر وعرضها ... لكن أليست طينة المعارضة السورية من عجينة المعارضة الإخوانية المصرية؟ ... أليسوا إخواناً (المجلس والائتلاف الوطنيين) وسلفيين، هم من يتصدر صفوف المعارضة السورية؟ ... ألم يضرب الإرهاب سوريا من جهاتها الأربع؟ ... ألم تستوطن الفوضى مختلف الأرجاء السورية، ودائما تحت ستار المعارضة ومظلتها، حتى لا نقول بفعلها المباشر؟ لماذا يُرفض الإخوان في مصر، ويُحتضنون في سوريا؟ ... لماذا يُنعت جهاديو مصر بالإرهابيين، فيما جهاديي سوريا، الذين هم أشقاء في النشأة والتطور، وتوأم روح جهاديي مصر، يوصفون بمقاتلي الحرية والكرامة والديمقراطية؟ ... لماذا تنظر هذه الدول إلى الجيش المصري بوصفه رمز مصر وعنوان وحدتها وضمانة وجودها، بينما لا تطلق على الجيش السوري سوى عبارات من نوع: قوات النظام والكتائب الأسدية وبلطجية البعث؟ ... هل للمسألة صلة بتفاوت أعداد الضحايا المتساقطين هنا وهناك؟ ... هل لها علاقة بمستقبل "المشروع الديمقراطي" المضمون بالجيش المصري والمُستهدف بالجيش السوري؟ ... ومتى كانت الديمقراطية في صدارة لائحة اهتمام هؤلاء، وهم الذين طالما نظروا لها بوصفها مصدر تهديد وليس فرصةً أو خيارا؟ في البحث عن الأسباب المُعمِقة لـ"ازدواجية" مواقف هذه الدول من الأزمتين السورية والمصرية، بل و"تناقضها"، نتوقف أمام سببين اثنين: الأول: البعد الإيراني (والمذهبي استتباعاً)، فالرهان على الجيش في مصر، يفترض الابتعاد عن طهران ومحورها و"هلالها"، بعد أن اقترب منها محمد مرسي وجماعته، بحذر وخجل ... إذ ليس من المسموح لمصر على ما يبدو، أن "تُطبّع" علاقاتها مع أطراف ما كان يُعرف بـ"محور المقاومة والممانعة" أو "الهلال الشيعي" والأجرام السنيّة الدائرة في فلكه ... في المقابل استحقت سوريا أشد العقاب، لاندراجها النشط في صفوف هذا المحور، وارتباطها بحلف تاريخي – استراتيجي مع مكوناته ... وهذا العامل بالذات يفسر على المقلب الآخر، لماذا تدعم إيران الأسد في سوريا، وتتحفظ على ثورة يونيو ودخول المؤسسة العسكرية على الخط في مصر. والثاني: أن هذه الدول تعرف تمام المعرفة، أية "أجندة" عليها أن تدعم في "صراع الأجندات الثلاثة" المحتدم في مصر: أجندة الإخوان المرذولة، وأجندة الفلول التي تراهن عواصم هذه الدول على الجيش لخدمتها أو التحالف معها، وهي أجندة محمودة بالطبع ... والثالثة، أجندة التحوّل الديمقراطي والعدالة الاجتماعية والسيادة والاستقلال، التي تعكس روح ثورتي يناير ويونيو، والتي تعد من وجهة نظر هذه الدول، تهديداً ومصدراً لخطر لاحق. في المقام الأول، ليست "الصحوة" العربية الرسمية، النفطية بخاصة، المُرحبة بثورة يناير وما حدث منذ الثالث من يوليو، سوى تعبير عن القلق العميق من التمدد الإخواني (والإسلام السياسي بعامة)، ولكل دولة من دول "الصحوة" هذه، معاركها الخاصة مع إخوانها وإسلامييها، ولقد وفرت لهم جملة الأخطاء والخطايا التي قارفها إخوان مصر في زمن قياسي يُحسدون عليه (سنة واحدة فقط)، كل مبررات الانقضاض عليهم، ومن خلفهم على إخوانهم هم بالذات، وهذا سبب رئيس يفسر هذه الفورة الحماسية وفائض المليارات والمستشفيات الميدانية والتصريحات الصحفية والقصف الإعلامي المكثف. و"الصحوة" ذاتها، ليست في المقام الأخير، سوى تكتيك دفاعي / استباقي، هدفه قطع الطريق على الموجة الثالثة من ثورات الانتقال إلى الديمقراطية التي شهدتها مصر، فالموجة الأولى أطاحت بحكم مبارك ونظامه، والموجة الثانية أطاحت بنظام مرسي وإخوانه، أما الموجة الثالثة، الآتية بلا ريب، فهي تلك التي ستعيد الجيش إلى ثكناته، وتؤسس لنظام ديمقراطي صلب وراسخ، وهو أمر تخشاه هذه الدول، ولا تتمنى حصوله لا في مصر ولا في غيرها من دول المنطقة. لا أدري متى ستكتشف هذه الدول، إن سياساتها قصيرة النظر، ستجعلها تبدد بيد ما كانت زرعته باليد الأخرى ... فالسعادة التي تغمرها الآن برحيل نظام الإخوان واستثمارها الهائل في هذه العملية، قد لا تستمر طويلاً، ووفقاً لأي سيناريو من سيناريوهات المستقبل السوري ... فبقاء النظام سيكون كابوساً يؤرق مضاجع هذه العواصم ... وسقوطه على يد المعارضة/ المعارضات، سيجعل من سوريا جميعها، ميدانياً رحباً لحكم لمختلف مكونات الإسلام السياسي من إخوان وسلفية وتحرير وما بينها أو شاكلها... وفي كلتا الحالتين، ستكون العاقبة وخيمة

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الازدواجية القاتلة  من مصر إلى سورية الازدواجية القاتلة  من مصر إلى سورية



GMT 20:03 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

دومينو نعمت شفيق

GMT 20:01 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

معايير عمل البلدية

GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 19:29 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 19:26 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 19:23 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 12:56 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 15:46 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

وفاة الممثل السوري غسان مكانسي عن عمر ناهز 74 عاماً

GMT 18:24 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مصطفى حمدي يضيف كوتة جديدة لمصر في الرماية في أولمبياد طوكيو

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 19:00 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

لصوص يقتحمون منزل الفنان كيانو ريفز بغرض السرقة

GMT 13:02 2022 الثلاثاء ,07 حزيران / يونيو

توقيف مذيع مصري بعد حادثة خطف ضمن "الكاميرا الخفية"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon