التطرف والإرهاب بين استراتيجيتين

التطرف والإرهاب بين استراتيجيتين

التطرف والإرهاب بين استراتيجيتين

 لبنان اليوم -

التطرف والإرهاب بين استراتيجيتين

بقلم - عريب الرنتاوي

كشف جون بولتون عن معالم الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة التطرف والإرهاب... هذه المرة، وبخلاف استراتيجية العام 2011، زمن باراك أوباما، بدا أن «الإسلام الشيعي» هو «العدو المستهدف» بالاستراتيجية، بعد أن جرى توصيف إيران بأنه الدولة الشريرة والداعم الأكبر للإرهاب منذ العام 1979، وليس من اليوم، وبعد أن احتل حزب الله والجهاد الإسلامي والحوثيين، مكانة متقدمة في لائحة التهديدات التي تجبه الأمن القومي الأمريكي وأمن واستقرار حلفاء واشنطن وأصدقائها.
في استراتيجية 2011، بل وفي مجمل السلوك الأمريكي، وتحديداً في سنيّ أوباما الثمانية... احتل «الإسلام السني» موقع الصدارة في قائمة مهددات الأمن القومي الأمريكي، باعتباره حاضنة الإرهاب ورافعته الكبرى للتجنيد والتعبئة والتحشيد ... كان ذلك امتداداً لصدمة الحادي عشر من أيلول / سبتمبر، والتحولات في المواقف والسياسات والاستراتيجيات ... وكان ذلك «بوحي» من اندلاع ثورات الربيع العربي وانتفاضاته، واحتلال الإسلام السني (الإخواني بخاصة) مكاناً ريادياً في الأنظمة والإدارات التي انبثقت عن هذه الثورات، وقيامه بدور قيادي في حركة الشوارع العربية الأخرى، وإن من موقع المعارضة.
مهّدت سلسلة لم تنقطع من الأبحاث والدراسات والمؤتمرات و»الزيارات» والاتصالات الرسمية وغير الرسمية، الطريق لحوار في العمق بين الولايات المتحدة والإخوان المسلمين، بوصفهم العمود الفقري الأكثر تنظيماً و»عقلانية» من بين جميع حركات الإسلام السياسي السني ... وبدا أن واشنطن قد قررت التعامل بـ»إيجابية» مع مخرجات الربيع العربي، حتى وإن تطلب الأمر، التخلي عن حلفاء تاريخيين لها من وزن محمد حسني مبارك وزين العابدين بن علي وغيرهما إن اقتضت الضرورة.
لقد سمعت واشنطن من «محدّثيها» الإسلاميين ما يكفيها، أقله كحد أدنى لفتح صفحة جديدة من التعامل والتعاون معهم ... فهم اقتصادياً، لا ينتمون لعوالم الاشتراكية و»مدرسة القطاع العام»، بل أصدقاء لصندوق النقد الدولي ونظرية السوق وللنظام الرأسمالي العالمي، حتى وإن جرى تغليفها جميعاً بـ»حجاب» إسلامي، تحت يافطة البنوك والصيرفة والتأمين الإسلامية ... والأهم، إنها سمعت منهم، ما يطمئنها إلى «سلامة» علاقاتهم بإسرائيل، والتزامهم بالاتفاقيات المبرمة معها، وتحاشي الصدام معها أو إشهار العداء لها ومقاومة التطبيع معها ... إلى أن قُضي الأمر، وكان ما كان في مصر وتونس وغيرها من البلدان التي لم يظفر بها الربيع بأية فرصة من أي نوع.
بدا أن قلق واشنطن من «الإسلام السني» لم يكن مقتصراً على قواه ومنظمات «الحركية»، الشعبية فحسب، بل طاول أنظمة حكم لطالما صنفت معتدلة ... حملت إدارة بوش على «أصدقاء لا حاجة لها للأعداء بوجود أمثالهم»، قيل إن روافد «الإرهاب السني» تنبع من أكبر وأهم الدول العربية والإسلامية وأكثرها مالاً وسكاناً ... واحتل شعار «نشر الديمقراطية» مكانة أعلى من أي وقت مضى على رأس قائمة أولويات السياسة الأمريكية في «الشرق الأوسط الكبير»، ومعه شمال أفريقيا بالطبع... وسادت العلاقة بين هذه الدول، وإدارة أوباما مناخات من الفتور المشوب بالشكوك والاتهامية، ووقعت انتقادات اول رئيس أمريكي الأسود على رؤوس بعض القادة العرب، كالصاعقة، خصوصاً حين أبلغهم في «كامب ديفيد» أن واشنطن قادرة على حمايتهم من أعداء الخارج، وستفعل ذلك، ولكنها غير راغبة وغير قادرة إن رغبت، على حمايتهم من «أعداء الداخل» ... لم يكن خطاب الإصلاح والتحديث والدمقرطة وحقوق الانسان، إلا رديفاً لسياسة «تغيير الأنظمة» كما فهما قادة عرب كثر، احتفلوا حتى الصباح عند رحيل أوباما عن بيته الأبيض، واستقبلوا بذراعين مفتوحين وجيوبٍ منتفخة، خلفه الرئيس دونالد ترامب.
اليوم انقلب المشهد، مع مجيء إدارة لا تقيم وزناً لحقوق الانسان والديمقراطية، ولا يبدي رئيسها إعجاباً وولهاً (يصلان درجة العشق والغرام) إلا إزاء قادة دكتاتوريين وفرديين، من نمط كيم جونغ أون على سبيل المثال لا الحصر ... اليوم، وبتأثير إيديولوجيا عقائدية «إنجيلية – متصهينة»، يجري الانقلاب على إرث جمهوري – ديمقراطي سابق، وتحتل إيران – لدوافع إسرائيلية – مكانة الأولية في قائمة مهددات الأمن القومي الأمريكي ... ويصبح «الإسلام الشيعي» هو الخطر الماحق والتهديد الماثل.
الاستراتيجية الجديدة، لم تسقط «داعش» وأخواتها من قائمة التهديدات والمهددات، فهي ما زالت حاضرة وبقوة، لكن وزن التهديد «الإيراني – الشيعي» تقدم عليها في السنة الثانية من ولاية دونالد ترامب ... وكل من يتتبع مواقف الرئيس وسياسات إدارته وإجراءاته، سيلمس حجم التحول في النظرة الأمريكية لتحدي التطرف وتهديد الإرهاب.
في الاستراتيجية الجديدة، حديث عن «البعد الإيديولوجي» في الحرب على التطرف والإرهاب، بيد أنه حديث ينطلق من «إيديولوجيا» أخرى متطرفة كذلك، مكوناتها الدينية – الإنجيلية والصهيونية، ليست خافية على أحد.. وربما لهذا السبب، فإنه محكوم عليها بالفشل الذريع، إذ أنها قمينة بحفز التطرف الإيديولوجي الإسلامي «السني والشيعي» على حد سواء، بدل أن تبدده وتستأصله من جذروه وبيئاته الحاضنة.
قد يقال الكثير في مدى نجاح استراتيجية أوباما أو فشلها ... وقد يستمر هذا الجدل من دون انقطاع بين مؤيد ومثمن، ومعارض ومندد ... لكن من غير المشكوك فيه أن استراتيجية ترامب ستواجه الفشل المحتم، وستفضي إلى زيادة تأزيم المشهد الإقليمي وحفز التطرف والغلو، وإشاعة مناخات اليأس والإحباط المؤسسة لتفشي العنف والتطرف وتفاقم خطر الإرهاب.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التطرف والإرهاب بين استراتيجيتين التطرف والإرهاب بين استراتيجيتين



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 18:07 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

منافسة قوية بين ريال مدريد وأرسنال على ضم فلاهوفيتش

GMT 14:58 2021 الثلاثاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

هيفاء وهبي تضج أنوثة بملابس كاجوال ناعمة

GMT 07:33 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

ابتكار إطارات ذكية تقرأ مشاكل الطريق وتحذر

GMT 21:43 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

الأهلي المصري يعلن شفاء بانون من كورونا

GMT 15:59 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تأجيل أولمبياد طوكيو يكلف اليابان 2 مليار دولار

GMT 05:55 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

هزة أرضية قوية تضرب وهران الجزائرية

GMT 13:25 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

طرق لإضافة اللون الأزرق لديكور غرفة النوم

GMT 18:56 2022 الإثنين ,03 كانون الثاني / يناير

متزلجو لبنان يستعدون لأولمبياد الصين الشتوي

GMT 15:58 2023 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل العطور الرجالية لهذا العام

GMT 15:41 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

أحذية مسطحة عصرية وأنيقة موضة هذا الموسم

GMT 05:28 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

نسرين طافش تَسحر القلوب بإطلالة صيفية

GMT 08:42 2022 الخميس ,05 أيار / مايو

اتجاهات الموضة في الأحذية لربيع عام 2022

GMT 19:00 2024 الخميس ,04 إبريل / نيسان

سعر الذهب يصل لمستويات غير قياسية جديدة

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,20 تموز / يوليو

زيوت عطرية تساعدكِ في تحسين جودة النوم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon