بقلم:أسامة غريب
هل هو حقًا عصر التفاهة؟. من الأشياء المألوفة أنك إذا سألت شخصًا عن أبرز عيوبه، أجابك مستعرضًا مجموعة من الخصال والسجايا الرائعة مدعيًا أنها عيوبه الواضحة. هذه الحقيقة يعرفها كل الناس ما عدا الصحفيين والمذيعين والمعدين الذين احتكروا لأنفسهم سمات خاصة تميزهم عن غيرهم، بعد أن حصلوا حصريًا على توكيل استحضار الملل بالمنطقة.
من المؤكد أنكم شاهدتم هذا السؤال يُطرح مرارًا على ضيوف التليفزيون من فنانين وأدباء ولاعبى كرة ومشاهير من كل صنف.. فماذا كانت الإجابة؟.
قالت النجمة التى تشبه البسكويت فى رقته والمعروفة بحياكة المؤامرات لزميلاتها: عيبى أننى أثق فى الاَخرين كثيرًا وأفتح قلبى لهم بدون تحفظ. وقال النجم الذى يجيد التسبيل وإرخاء رموشه الناعسة، المشهور وسط زملائه بالنذالة والأنانية: عيبى أننى طيب القلب وأصدّق كل ما أسمعه. وقال الصحفى الذى خنق مصر كلها بريائه المفضوح لدرجة إثارة قرف حتى الذين ينافقهم: عيبى أننى صريح وأقول للأعور يا أعور فى عينه. كما قال لاعب الكرة الذى يتمارض عندما يكون الفريق فى أشد الحاجة إليه ولا يلعب بحماس إلا إذا قبض مقدمًا: عيبى أننى أحب فريقى أكثر من حبى لنفسى وبسبب هذا الحب أخسر كثيرا. وقال الطبيب التاجر: عيبى هو إنسانيتى الزائدة التى تجعلنى أتحمل فوق ما أطيق!.
أرأيتم العيوب التى يعترفون بها؟.. كلها خصال حسنة وليس بها ما يشين أو يُخجل.. ولكن هل كنتم تتوقعون أن يصم إنسان نفسه بما يشينه أو يحط من قدره أمام الناس؟.. هل تتوقعون من الفنانة الشهيرة أن تقول للجمهور إن عيبها الأساسى هو حب النميمة واختراع الحكايات الوضيعة عن زملائها وزميلاتها وإلصاق النقائص بهم؟، وهل جال بخاطركم أن يقول المطرب المحبوب إن عيبه الرئيسى هو الحقد الذى يملأ قلبه نحو المطربين الاَخرين، وسعادته عندما يفشلون؟ وهل تبلغ بنا الطيبة حد تصور أن يعترف الكاتب الصحفى المتصيت أن عيبه الأكبر أنه كذاب وأنانى، سواء فى حياته الشخصية أو فى مقالاته التى يحشوها بالكذب والتدليس؟، أو أن يحكى الطبيب عن الألاعيب الشريرة التى يمارسها على مرضاه حتى تستمر معاناتهم طول العمر ويظل نهر فلوسهم يتدفق إلى جيوبه على الدوام؟.
أعتقد أن المشكلة هى فى السؤال ذاته وليست فى الإجابات المتوقعة، وأتصور أن كسل مُعدّى ومقدمى البرامج، وتواضع حظوظهم من الثقافة والموهبة هما ما يجعل أسئلة مثل هذه قد أصبحت ماركة مسجلة لا يملون من تكرارها بالرغم من انقضاء سنوات طويلة منذ اخترعوها لأول مرة عند افتتاح التليفزيون المصرى قبل أن يتطوعوا بتصديرها للأشقاء العرب!. ولا أدرى كيف يتصور المذيع الساذج أو المذيعة المسكينة أن الأسئلة الخائبة ستفتح له مغاليق قلب الضيف فيبوح بما لا يقال ويفتح خزانة الأسرار، ومن ثم تكون الحلقة ثرية ودسمة. ولعل المذيع فى وهمه هذا يتصور نفسه قسيس القرية الذى يذهب إليه الخطاة ليعترفوا بذنوبهم بين يديه فتتطهر نفوسهم ويقتربون من الخلاص!.