تنظيم الحرب في سورية والخلاف في لبنان

تنظيم الحرب في سورية والخلاف في لبنان

تنظيم الحرب في سورية والخلاف في لبنان

 لبنان اليوم -

تنظيم الحرب في سورية والخلاف في لبنان

بقلم : وليد شقير

يُخشى أن ينزلق بعض الفرقاء اللبنانيين إلى قراءة خاطئة للوضع الإقليمي والدولي في سعيهم إلى تحقيق طموحاتهم السياسية والسلطوية، عبر تضخيم خلفيات الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان فوق ما هي عليه، بتصويرها على أنها أزمة «وجودية» لفئة من اللبنانيين يتم حرمانهم من حقوقهم وإلغاؤهم.

من الطبيعي أن تنطبق الخشية هذه، على اندفاع تيار العماد ميشال عون نحو ربط دور المسيحيين وموقعهم في السلطة بتوليه هو، من دون غيره، الرئاسةَ الشاغرة منذ ما يقارب السنة ونصف السنة، وإلا يهدد بإعادة النظر بالعيش المشترك. واقع الأمر أن سبب الشغور الرئاسي وتصاعد الأزمة الداخلية لا علاقة له باستهداف المسيحيين ومصالحهم، بل بالأزمة السورية والمعادلة التي سترسو عليها، على رغم أن النتيجة العملية الناجمة عن هذا الشغور تصيب بالضرر الموقع المسيحي الأول في التركيبة الهشة أصلاً.

سبق للعماد عون أن قرأ المحيط الإقليمي في شكل معاكس لطموحاته عام 1989 عندما أصر على تولي الرئاسة بالتحالف مع أخصام سورية في حينها، فجاءت النتيجة لمصلحة حلفاء دمشق، على رغم الصمود الذي أظهره عون وعناده تحت شعار أن «العالم يستطيع أن يسحقني لكنه لا يستطيع الحصول على توقيعي». وهذا ما حصل. وتكرر الأمر في العام 2008 حين راهن عون على التفوق العسكري لحليفه «حزب الله» الذي احتل بيروت، لكن إيران ومعها بشار الأسد اضطرا للقبول بتسوية مع الدول العربية والغرب حول رئاسة العماد ميشال سليمان في حينها.

أما اليوم، فإن خيار عون لملء الشغور الرئاسي الذي طال لفترة قياسية تهدد المؤسسات وتنذر بانهيار الدولة، محفوف بالمخاطر والغموض نتيجة التعقيدات المتصلة بأفظع حرب كارثية في سورية وعليها وبنتائجها غير المسبوقة على الصعد الإنسانية والجيوسياسية، منذ الحرب العالمية الثانية.

وإذا كان ترجيح رئاسة العماد عون للجمهورية مرتبطاً بتفوق المحور السوري-الإيراني-الروسي، يستحيل على المحور المقابل، العربي، أن يقبل بها، في ظل الحرب التي تمارسها طهران على المملكة العربية السعودية، في غير ساحة، وصولاً إلى إطلاقها الصواريخ الباليستية على الأراضي السعودية من اليمن. والحال هذه، كيف يمكن فريقاً من اللبنانيين أن يقبل بسلطة تراعي طهران وطموحاتها، فضلاً عن أن جزءاً من المحور الذي يفترض البعض أنه يرجح عون، أي الروس، لم يعودوا يشاركون الضلعين الآخرين من هذا المحور، أي إيران ودمشق في هذا الخيار. وأبسط الموانع في هذا الخيار هو عدم قدرة «الرئيس اللبناني ميشال عون» على اتخاذ موقف بالدفاع عن السعودية والمصالح العربية في مواجهة العدائية الإيرانية، كما حصل حين تجنب وزير الخارجية جبران باسيل حضور الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب لإدانة حملة طهران على المملكة في شأن موسم الحج. وسيكون الأمر سابقة تاريخية تتصل بأصل تكوين لبنان وموقعه في المعادلة العربية، إذا انحاز الرئيس اللبناني إلى الجانب الإيراني، وقد يشهد عندها الوطن الصغير انهياراً لا يقاس بما يشهده الآن في ظل الشغور، ناهيك بالصراع في سورية. وفي المقابل سيحصد هذا الرئيس العداء الإيراني، إذا انحاز إلى الموقف العربي، مع كل مترتبات ذلك على الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية. هذا غيض من فيض عن الأمثلة التي تربط رئاسة «الجنرال» بتفوق مفترض للمحور المذكور.

أما إذا كان الإصرار على رئاسة عون متصلاً بالافتراض القائل إنه وسيلة لتعليق قيام السلطة بانتظار اتضاح المعادلة في سورية (وليس التزاماً به)، لتقرر بعدها إيران الإفراج عن الرئاسة أو لا، وفق ما تربحه أو تخسره هناك، فإن الانسياق وراء شعار «الرئيس القوي»، أسوة بالرئيسين القويين الشيعي في البرلمان، والسني في الحكومة، لا يفعل سوى تأجيج الصراع الطائفي، من دون أفق. فالشغور سيطول على وقع الاتفاق الأميركي - الروسي على الهدنة وسيلةً لتنظيم الحرب السورية وإدارتها، بين الدولتين العظميين، وبين القوى الإقليمية التي تتقاطع مصالحها مع موسكو أو واشنطن، تارة، وتتناقض أحياناً أخرى. يكفي التنبه إلى أن إطلاق القذائف على الجولان المحتل، هو ترجمة لتحفظ طهران عن الاتفاق، لترد إسرائيل بقصف الطيران... مع ما يحمله ذلك من مخاطر وصل «حزب الله» جبهة الجنوب اللبناني بالجولان. هذا من دون الحديث عن استمرار عبء النازحين، ومخاطر الإرهاب.

مواكبة «تنظيم الحرب» في سورية قد تتطلب رئيساً للبنان ينظم الخلاف فيه بدل «القوي». واستغناء أحد الرؤساء الأقوياء، سعد الحريري عن رئاسة الحكومة، قد يفتح باباً لتسوية ما، على رغم الشكوك بقبول «حزب الله» بها.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تنظيم الحرب في سورية والخلاف في لبنان تنظيم الحرب في سورية والخلاف في لبنان



GMT 05:51 2017 الجمعة ,26 أيار / مايو

الشرق الأوسط «الإيراني» والتنف السوري

GMT 05:10 2017 الجمعة ,12 أيار / مايو

الجمباز الروسي في سورية

GMT 05:56 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

مناطق آمنة للدول أم للسوريين؟

GMT 05:53 2017 الجمعة ,28 إبريل / نيسان

روسيا المرتبكة تنتظر ترامب

GMT 06:15 2017 الجمعة ,21 إبريل / نيسان

جنرالات ترامب وإيران وسورية واليمن

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:09 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 10:12 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 13:32 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيدة

GMT 17:30 2023 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

أخطاء مكياج شائعة تجعلك تتقدمين في السن

GMT 19:00 2022 السبت ,14 أيار / مايو

موضة خواتم الخطوبة لهذا الموسم

GMT 04:58 2022 الإثنين ,18 تموز / يوليو

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 12:27 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 15:46 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

مكياج ربيعي لعيد الفطر 2022

GMT 09:02 2022 الخميس ,05 أيار / مايو

لمسات ديكورية مميزة للحمام الصغير
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon