تابلو على الحاجز

"تابلو" على الحاجز

"تابلو" على الحاجز

 لبنان اليوم -

تابلو على الحاجز

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

لوحة أولى
يرقص الدخان، رقصة إغواء حرة، مع السيدة ريح؛ أو يرقص السيد الدخان، ثملاً في الريح. تدعوك هذه الرقصة، على الحاجز، أو تقودك من خيشومك إلى شواء من كباب (على الماشي)، أو شواء من لحم الحساسين. بخار سماور الشاي يرقص أيضاً، ولكن رقصة البكر أو المبتدئ، وبخار شفيف راقص من حلة بائع الذرة المسلوقة.

«سرحان يشرب القهوة».. في الكافتيريا، ومحمد وأحمد ومحمود يشربون الشاي، القهوة.. يأكلون عرانيس الذرة.. كأنهم، في حلقات حول دخان الشواء، سماور الشاي، مثل ملائكة.. لكن الدخان، في رقصته، لا يرسم هالة الأنبياء والقديسين فوق هاماتهم.

إنها «سوق الحاجز»، خاصة في غدوة الصباح إلى المدينة؛ وفي أوبة الرواح إلى القرية يتحلقون حول بسطة خضار؛ حول بسطة سجائر غير مجمركة.. أو حول بسطة من سراويل الجينز الآسيوية الرخيصة.

وحدها مظلات واقية من المطر، تعطي زهواً لونياً، يخفف من كآبة اللونين الأسود والرمادي الطاغيين على كسوة الناس في فصل الشتاء. تصهل سيارات «الفورد ترانزيت» نافثة في الخياشيم دخانها الأسود المقيت. الكل يصيح على الكل منادياً. الكل ينادي على الكل.. فهناك (40) قرية تستلم سكانها من على الحاجز مساءً، وتسلمهم، سيراً على الأقدام، إلى الحاجز الآخر.. صباحاً. فجأة، ينتفض جنود الحاجز المتكئون على مجنزرتهم الفولاذية، من رتابة الكسل، وبلادة السؤال الموجه، عشوائياً، الى المارة، أو قصداً إلى المارة من الشباب.

فجأة، تنفضّ حلقات الناس من حول دخان الشواء اللذيذ، بخار الشاي الساخن. يلقي جندي قنبلة، أو اثنتين، أو ثلاثا من قنابل الغاز. إنه يتدرب، إنه يلهو.. أو انه «يتراذل» ضاحكاً، عندما يتراكض الطاعنون في السن (نساءً ورجالاً) أو شباب وبنات في ميعة الصبا، يحملون، فقط، كراريس المحاضرات، أو على مناكبهم تلك الحقيبة الخفيفة المميزة لطلاب جامعة بيرزيت. «سرحان يشرب القهوة» في الكافتيريا؛ ولكن لم يشربها ممزوجة برائحة الغاز المسيل للدموع.

لوحة ثانية
هل ولد بعض المارة، الذين طعنوا في السن حتى أرذل العمر، قبل «وعد بلفور» أو بعده؟ الذين ولدوا قبل النكبة، أو بعدها تحملهم أقدامهم من الحاجز إلى الحاجز، والذين ولدوا، قبل النكسة الحزيرانية أو بعدها، تقوى أقدامهم على الهرولة.. والذين ولدوا قبل الانتفاضة الأولى أو بعدها يركضون في رشاقة السهم والرمح.

«ختيارة» في أرذل العمر لا تقوى وقوفاً على قدميها الواهنتين. يحملها «النشامى» من مواليد «النكبة» و»النكسة» إلى وسيلة نقل تناسب أرذل العمر: مجرد صندوق من الحديد فوق أربعة دواليب من المطاط (غالباً دواليب دراجات هوائية). إنها تقعي في جوف عربة حديدية، أشبه بعربة جمع القمامة، أرذل العمر في أرذل وسيلة نقل!
شاب ولد في عام ما بين زمني النكسة والانتفاضة الأولى يجر العربة، على مهل، من الحاجز الى الحاجز، لقاء عشرة شواكل.. لا فرق بين «نقلة» بضاعة من حاجز إلى حاجز، و»نقلة» عجوز في أرذل العمر.. وفي أرذل وسيلة نقل.

لسبب ما، قد يكون هاجساً «أمنياً»، أو قد يكون سيكولوجياً بدواعي التشفي، جعل الجنود طول فسحة الحاجز إلى الحاجز حوالي كيلومتر ونصف الكيلومتر. لكن صعود «الطلعة» يقطع أنفاس الكبار. سيارات الإسعاف «تصيح» على الجميع. شباب عربات النقل يصيحون على السيارات.. والعجوز، في قفصها الحديدي، لا تصيح على أحد!

لوحة ثالثة  
هناك قانون اسمه «الخوف من الخوف» إنه احد قوانين علاقة جنود الحاجز بالمارة؛ وعلاقة سيارات نقل الركاب بمجنزرات الجنود.
بعد «مجزرة الخميس»، الأسبوع الماضي، راحت المجنزرات «تلف وتبرم» وحتى «تشفط» في الطريق من حاجز سردا الى بلدة بيرزيت. الخائف مخيف.

هذا قانون أيضاً، والعجيب ان الجنود يخافون المارة؛ والمجنزرات تخاف سيارات نقل الركاب.. كل اختلال في معادلة «الخوف من الخوف» محمل بخطر الموت عبثاً!
الخوذة وسترة واقية من الرصاص تخاف انفجار اللحم العاري الفلسطيني. والمجنزرة وحتى هذه «الميركافا ـ 3» يخاف فولاذها صفيح سيارات نقل الركاب.
في الطريق الخالية عادة، كل يوم جمعة، بين حاجز سردا وبلدة بيرزيت، وفي يوم متوتر أيضاً، يصادف يوم جمعة ثلث «الخميس الأسود»، كان سائق السيارة الصفراء يسابق الريح أو ينهب الطريق.

.. فجأة، وفي منعطف ما، لاحت تلك «القملة» الفولاذية العملاقة، أو مجنزرة M x 13. تمهل السائق.. وترك «مسافة أمان» لا تقل عن 300 متر.
إنه قانون سير جديد اسمه «الخوف من الخوف». خوف الجندي المرتدي سترة مضادة للرصاص من حزام ناسف تحت سترة المواطن. خوف فولاذ المجنزرة مما في جوف عربة من صفيح. وحده الدخان لا يخاف من الريح. وحدها الريح ترقص مع الدخان.. وحده الجندي الذي تدغدغه رائحة الشواء يستثار فيلقي قنبلة من دخان!

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تابلو على الحاجز تابلو على الحاجز



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:05 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تملك أفكاراً قوية وقدرة جيدة على الإقناع

GMT 15:08 2024 الخميس ,11 إبريل / نيسان

هزة أرضية تضرب ولاية تبسة شرقي الجزائر

GMT 16:31 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

الجزائري عسله الأكثر تصديًا للكرات في الدوري

GMT 23:10 2023 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 9 مايو/ أيار 2023

GMT 19:03 2022 السبت ,14 أيار / مايو

نصائح لاختيار ملابس العمل المناسبة

GMT 18:36 2023 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

حقائب فاخرة لأمسيات رمضان الأنيقة

GMT 15:28 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الكشف عن قائمة أفضل وجهات سفر عالمية في 2024

GMT 11:52 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

إتيكيت زيارات العيد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon