أزياء «أم صفا»

أزياء «أم صفا»

أزياء «أم صفا»

 لبنان اليوم -

أزياء «أم صفا»

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

أحب «الحور» السامق في حديقة منزل. يرتدي معطفه الأخضر في صيفنا.. وفي شتائه يلبس جلده على عظامه. وأحبه - صيفاً شتاء - على حفافي حقول السهل يؤذن لصلاة الأشجار متساقطة الأوراق.

صاعداً الى التلة، أنقل معي حبي إلى السروة. هيفاء لا تخلع إزارها والحياء على مدار العام. إذا حككت حبّة السروة فاح منها عطر أنوثة الصبية العذراء.
.. فإلى الصنوبرة، ملكة على الجبل الوعر، طالما غابت عنه أغنية السنديان، التي يحفظها حتى هذا البلوط الكادح إلى انتصاره الحتمي.. وتحت «البلوطة» آلاف مؤلفة من قتلى حربه الكادحة. ثمرات البلوط في كأسها، كأنها رصاصة تبحث عن شق صغير في الصخر تجعله مهدا لكدحها على العطش.

البطم يزاحم نحو الشمس والضوء بأصابعه وبأكتافه.. فيفشل هنا وينجح هناك. أما القيقب فله سيقان العذارى الملساء جدا؛ المرنة جدا كأنه لاعبة التنس السويسرية هيغينز المصنفة أولى وهي تركض بفستانها القصير جدا. هذه الشجيرات تتصارع في «أم صفا» إلى أمومة الشجرة؛ والصنوبرة الطامحة إلى غابة تورّثها لأحفادها لا تلقي بالاً إلاّ إلى البلوط، وهذا لا يلقى بالاً ولا يتوجس إلا من القيقب.

أما «السرّيس» الصغير فله هدنة من حرب الشجيرات مع الشجر، وله حرب لا يخمد أوارها مع النباتات الزاحفة، فتطلب النباتات المتسلقة عونا من السيدات طويلات القامة، فتنجدها الأشجار، وتتركها تتسلق على جذوعها.

هكذا هو قانون الغاب في «حرش أم صفا».. صراع على جرعة الضوء، ومن يشرب من الضوء اكثر، يمدّ ظلاله على ما تحته ليموت كمداً من حاجته إلى ضوء النهار.لذلك، لا تدور المعركة حامية الوطيس من اجل الضوء (أي من اجل تمثل الغذاء؛ ومن أجل البقاء) في قلب الحرش الذي ينمو إلى غابة، بل على أطرافه حيث الضوء والريح وفيران لجولة لا تنتهي من صراع الحياة.

قبل عام، رفعت مديحاً لغابة «أم صفا»، ورفعت صوتا مناديا بـ»جمعية أحبّاء أم صفا». المواطنة عايشة عودة استحلفتني، قبل أسبوع، ان اقرع الأجراس، لأن المستوطن عينه على «الحرش». وزير الزراعة، عبد الجواد صالح، رفع صوته يريد بقاء أم صفا «محمية طبيعية» لـ 15 نوعا شجريا تتألف في صراعها على بضع عشرات الدونمات.. ويريدها ان تبقى إحدى اجمل غابات فلسطين؛ وربما اجمل غابات الضفة الغربية.

زنار من أشجار الزيتون يحيط بحرش أم صفا، الذي ولد العام 1927. لكن، داخل ذلك الزنار الزيتوني، تدخل الإسرائيلي بجرافته، فرسم ما يشبه طريقا دائريا يفصل الزنار عن القلب. داخل القلب شق طرقاً ثانوية، ووضع عليها إشارات «مرور» للمتنزهين، بالعبرية أولا، ثم بالعربية.. فالإنكليزية.. «مسار دائري طويل»؛ «مسار دائري قصير»؛ «عودة الى الموقف».

يخيل إليك أن هذا «التدخل» له مرامٍ أبعد من شق مسالك للسير، ولسيارات الإطفاء وقت الحريق. هناك انحياز إسرائيلي إلى «الصنوبر» على حساب «البلوط» و»البطم» و»القيقب». مع ذلك، فإن قلب «أم صفا» لا يزال طبيعيا، ربما لأن الصنوبر يكاد ينتصر نهائيا.. وربما لأن «السرّيس» لا يهدده.. فيظل الأول باسقا؛ والثاني وفيراً لمن يريد حصادا من السرّيس من أجل السلال الشهيرة، التي عزفت عنها فلاحتنا، ومالت إلى سلال الكرتون واللدائن الصناعية (البلاستيك).

حتى الآن، يبدو أن هدف التدخل الإسرائيلي الفاحش على أطراف أم صفا هو: فصل نطاق الزيتون عن الغابة، ثم فصل «الدغل» عن الغابة. وبالتالي: جعل القسم المنظّم حديقة للاصطياف والشواء (وضعوا بعض المناقل). أما قلب الغابة فيبقى، وحده، «محمية طبيعية».

نتيجة هذا التدخل، الانتقائي تماماً، تغيرت نسبة الضوء والظلال في أطراف الحرش، وصار النسيم قوياً كأنه ريح خفيفة.. ولحق اكبر الأذى بالنباتات الزاحفة التي اعتادت معادلة «ضوء/ ظل» معينة، ولم تتحمل وطأة جرّ الأشجار المقطوعة. أو، ربما، يعود معظمها ليثبت وجوده في الربيع المقبل.

البعض يخشى، حقاً، أن يؤول مصير غابة أم صفا إلى مصير غابة تلة غنيم، لأن هناك همساً عن «بيوعات» لقسم من أراضي الحرش.. ولأنه لا يمكن الثقة بأي تدخل اسرائيلي في الحياة الطبيعية الفلسطينية.

مع ذلك، صارت هناك مقاعد اكثر للمتنزهين، وصنبور ماء، وأماكن للقمامة (كثير من المواطنين لا يتركون المكان نظيفاً.. للأسف). وتستطيع أن تعد اكثر من مائة سيارة يوم الجمعة.

حقاً، لا بد من تنظيف الغابة أحياناً، وتعزيل الأشجار الميتة.. وربما الورق الجاف الذي يدعو الى حريق ما. مع ذلك، تشعر أن هناك «خطة ما» تدبر، لا تتعلق بالاصطفاء الطبيعي بين الشجيرات، وإنما بالصراع مع اليهود على الأرض.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزياء «أم صفا» أزياء «أم صفا»



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:09 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 10:12 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 13:32 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيدة

GMT 17:30 2023 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

أخطاء مكياج شائعة تجعلك تتقدمين في السن

GMT 19:00 2022 السبت ,14 أيار / مايو

موضة خواتم الخطوبة لهذا الموسم

GMT 04:58 2022 الإثنين ,18 تموز / يوليو

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 12:27 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 15:46 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

مكياج ربيعي لعيد الفطر 2022

GMT 09:02 2022 الخميس ,05 أيار / مايو

لمسات ديكورية مميزة للحمام الصغير

GMT 05:47 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الإثنين 22 أبريل / نيسان 2024
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon