«القطان» الجديد، ما يشبه أكاديمية ثقافية

«القطان» الجديد، ما يشبه أكاديمية ثقافية

«القطان» الجديد، ما يشبه أكاديمية ثقافية

 لبنان اليوم -

«القطان» الجديد، ما يشبه أكاديمية ثقافية

بقلم - حسن البطل

عن قُرب: يتوسط بيت صديقي المسافةَ بين ساحة مانديلا ومركز القطّان، الجديد والكبير. بين آونة وأختها كنّا نكوّع لنرى عن قرب تقدم ورشة الأعمال الإنشائية في "مركز القطّان الثقافي".

عن بُعد: تطلّ شرفة شقة بيتي، في رام الله القديمة، على مشهد طبيعي أخّاذ، وفيه على ربوة إحدى التلال، رأيت تقدم أعمال الورشة، حتى اكتملت طبقاته، وصار افتتاحه وشيكاً.

في سفراتي السنوية الصيفية إلى لندن لزيارة أولادي، تذهب بي ابنتي الفنّانة إلى مركز القطّان هناك، وهو من أهم المراكز الثقافية العربية المعاصرة ـ الرائدة في الغرب.

هكذا، ومن مركز القطّان القديم، وبيت سكني أصلاً في حيّ الماصيون ـ رام الله، إلى عمارة كبيرة وظيفية بالكامل ومتعددة الطبقات في حيّ الطيرة ـ رام الله.

هذا بعض مسيرة المحسن عبد المحسن القطّان، الذي كان في شبابه شديد الإعجاب بأحد فاعلي الخير الأميركان، جون هارفارد، الذي منح اسمه لإحدى أشهر الجامعات الأميركية.

عندما بدأ عبد المحسن مشروعه، متنامي التوسع، مستهل تسعينيات القرن المنصرم، بعد أوسلو، كان لدينا ما يكفي من الجامعات، فاختار أحد أبرز رجال فلسطين العصاميين أن يسدّ ما ينقص الحياة الثقافية ـ التعليمية في بلاده. كان مركز السكاكيني، أيضاً، شقة سكنية عائلية في الأصل؛ وكان مركز القطّان القريب شقة سكنية كذلك.

من برنامج "البحث والتطوير التربوي"، إلى برنامج الثقافة والفنون، وجوائز مؤسسة القطّان للمبدعين الشباب، إلى ما قبل عام وقليل، حيث تعاون مع بلدية رام الله لتأسيس وافتتاح "استوديو العلوم" رام الله، لتصميم وتصنيع معروضات علمية تفاعلية بأيدي الشباب.
الآن، ذروة أخرى عالية من الإنجاز مع افتتاح وشيك لأكبر وأهم المراكز الثقافية الفلسطينية، متعددة المهام، والأقرب إلى جعل المركز الجديد كاملاً، وشاملاً فروع الثقافة.

كما أن متحف فلسطين الوطني ـ بيرزيت هو تفاعلي لشعب بين البلاد والشتات، فإن مركز القطّان الجديد تفاعلي يشمل الشعب في البلاد والشتات، مع أربعة مراكز: رام الله، غزة (حيث مركز الطفل الريادي)، ولبنان، ولندن (منذ العام 2008).

حتى قبل أوسلو، بدأ عبد المحسن برنامج منح دراسية لطلبة فقراء ومتفوقين إلى جامعات لبنانية وأجنبية - ليسددوا إن استطاعوا بعد تخرجهم وعملهم ـ بعض الفضل عليهم.
هذا مشروع خياري ـ عائلي في بدايته، وليس N.G.O ولا مؤسسة حكومية وبعد عشر سنوات صار مؤسسة لها مجلس أمناء ليرأسها، بعد وفاة الوالد الكريم، نجله عمر، وفي المستقبل القريب ستصير مؤسسة أهلية فعلياً، ودور العائلة المحسنة فيها ائتمانياً بحتاً، تقبل تبرعات أجنبية غير مشروطة. "مؤسسة مبتكرة ونقدية، محايدة سياسياً، ولكنها تقدمية فكرياً" كما يقول عمر القطّان في عرض واف للمؤسسة، نشرته "الأيام الثقافية" في 26 الشهر الجاري، عشية الافتتاح الكبير للمركز الجديد.
هذه ليست مهمة سهلة. مؤسسة وطنية علمانية، في زمن الاستقطاب مع المشروع الأيديولوجي الديني الحالي في المنطقة والبلاد.
شخصياً، أثّر في نفسي لا مجرد سيرة رجل عصامي من جيل النكبة الأولى، وجيل تأسيس (م.ت.ف)، بل صورة للمحسن الكبير يتفقد إنشاءات مركزه الكبير والجديد، ويتوكأ على نجله وآخر، قبل أن يغيب عن دنيانا قرير العين!

في مقالته، طرح عمر القطّان أسئلة حاضرة ومستقبلية: هل نحن مجرد مؤسسة عامة ليبرالية و"نيو ليبرالية" تتسامح إسرائيل مع وجودها، أو مجرد نخبة مهمّشة تضخّ الأموال والموارد من الخارج للداخل؟ حلم إسرائيل هو أن يختفي الفلسطينيون، وهذا يشمل المؤسسة التي يراها بعض الفلسطينيين، دون صواب، بعيدة عن الروح الفلسطينية والعربية المحافظة. هل ينبغي على عمل المؤسسة أن يصير أكثر تركيزاً على نطاقات شائكة في السياسة الوطنية، مثل العدالة الاجتماعية، والمساواة، وفصل الدين عن الدولة، والمساواة بين الجنسين، والديمقراطية وحرية التعبير. الشعارات شعارات، والعمل عمل.

يقول عمر: هذه أسئلة تشغلني وزملائي، لكنها ضرورية للنقد الذاتي والتجديد، وقوية بما يكفي للترحيب بالتغيير واستيعابه دون خوف أو تردد.

كان السؤال الذي يُقلق المؤسس عبد المحسن، في البداية زمن التسعينيات: "أنا  لا أفهم (..) بعد حرب الخليج ومضاعفاتها، كيف لأمّة ذات حضارة قديمة، أن تستسلم للفوضى والدمار؟".

جواب سؤاله هو: بناء جيل وأجيال جديدة في الثقافة والعلوم، لأن الاستثمار في الأجيال هو خير الخيارات المستقبلية، بعد أن افقدت سنواتُ الاضطراب، في فلسطين، أسطورة الفلسطيني المتعلم بعض مصداقيتها.

سيعطي مركز ثقافي، شامل وكامل، بعض الإجابة عن تساؤلات وقلق رئيس مجلس الأمناء، فهل يكفي القول إنه على كثرة الجوائز للمبدعين الفلسطينيين، فإن جوائز القطّان السنوية لقطاع الشباب، بالذات، تعدّ الأكثر موضوعية في استحقاقها؟
المؤسسة التي تطورت من فكرة وتوسعت خلال عقدين، أراها تملك إرادة وحيوية وقدرة على استيعاب تحدّيات المستقبل الثقافية والعلمية والتربوية.

يكفي أن "مركز الطفل" في غزة صار ملاذاً حقيقياً وسط الدمار الاجتماعي والبيئي والتعليمي، بعيداً عن أوهام العنف وأحلام النصر.
المشروع الوطني الفلسطيني ثقافي، أيضاً، وفي هذا للقطّان دورُه وإنجازاته المتواترة!

المصدر : موقع الأيام

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«القطان» الجديد، ما يشبه أكاديمية ثقافية «القطان» الجديد، ما يشبه أكاديمية ثقافية



GMT 03:59 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

حروب أهلية تجتاح العالم

GMT 03:57 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

خيار واحد وحيد للنظام الإيراني

GMT 03:54 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

انتفاضة البازار!

GMT 03:51 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

لقاء «ترامب» و«بوتين»: تقسيم مناطق النفوذ!

GMT 03:46 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

فزورة صفقة القرن!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 04:11 2025 الخميس ,08 أيار / مايو

البرج الطالع وتأثيره على الشخصية والحياة

GMT 16:08 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الأمير فيصل بن فرحان يترأس وفد السعودية في قمة "بريكس بلس"

GMT 07:38 2023 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل 10 عطور رقيقة للعروس

GMT 19:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الأردني محمد الدميري يتفوق على السوري عمر السومة

GMT 19:02 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

ساؤول يتطلع إلى استعادة أفضل مستوياته مع تشيلسي

GMT 20:30 2021 الإثنين ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أثيوبيا تنفي شنّ هجوم على السودان وتحمل متمرّدين المسؤولية

GMT 08:19 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

تغريم امرأة تركية خرقت "واجب الإخلاص" لطليقها وهربت مع صهره

GMT 23:04 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

إصابة تريزيجيه بفيروس كورونا وابتعاده عن مباريات أستون فيلا

GMT 06:35 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

التلميذ.. ونجاح الأستاذ
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon