لا تحرقوا الخيمة

لا تحرقوا الخيمة

لا تحرقوا الخيمة

 لبنان اليوم -

لا تحرقوا الخيمة

غسان شربل

أحب الشبان الذين يغلي الدم في عروقهم. أو تفترسهم طموحاتهم. لكن حين يكون المتحدث وزير خارجية البلاد عليه ألا ينسى صفته. وألا يتجاهل الجغرافيا ولا الديموغرافيا. وألا يتنكر للتاريخ. فهو يعرف تركيبة لبنان وأوضاع محيطه. وحراجة اللحظة الاقليمية الحالية. ثم ان الديبلوماسية تعلم العثور على الملائم من التعابير.

وتفرض قيوداًً على حركة الأيدي والأصابع. ويعرف أيضاً ان اللبنانيين المعذبين الصابرين يتطلعون الى السياح والصيف لا إلى تعميق أزمة المكونات وتسهيل استيراد النار المجاورة. وهو يعرف بالتأكيد ان اسم الرئيس تمام سلام لا يمكن إدراجه على لائحة المعتدين على صلاحيات الرئاسة. وان الاتهامات بلا دليل تقود الى وسم المتهم بالتضليل. أقول ذلك لأنني سمعت من رؤساء الحكومات ان جبران باسيل وزير نشط يدرس ملفاته. ثم انه يستعد لوراثة زعامة تيار واسع وازن في بيئته.

لا تحرقوا الخيمة. حكومة تمام سلام هي في النهاية خيمة منصوبة فوق مكونات خائفة. والخوف مفهوم لدى كل طرف. خسارة «سورية الممانعة» ليست مجرد مشكلة لـ «حزب الله» في حال حصولها. انها كارثة تفقده عمقه والشرايين المضمونة لتدفق المساعدات الإيرانية. ونجاة النظام السوري ليست مشكلة لتيار «المستقبل» وبيئته بل هي كارثة. أما المكون المسيحي فلا يجد غير أسباب للخوف حين يلتفت الى مصير مسيحيي العراق وسورية وتمزق الخرائط على وقع النزاع الشيعي- السنّي المتزايد الالتهاب من باكستان الى لبنان. ولعل المشترك بين المكونات هو رهانها على مجريات معارك أكبر منها.

وعلى رغم ضراوة الحرب الأهلية - الإقليمية في سورية والإطلالة المدوية لـ «داعش» و»الخليفة» و»النصرة» وحز الرؤوس والفتك بالأقليات احتفظ لبنان بهدوئه. رأينا الحكومة تجتمع وتتجاوز الامتحانات. ورأينا «حزب الله» وتيار «المستقبل» يتحاوران على رغم التناقض الصارخ بين القاموسين. ورأينا العماد ميشال عون يتدرب على رقصة الود مع الرئيس سعد الحريري محيلاً الى التقاعد مواقف خلطت أحياناً كثيرة الاتهامات بالتجنيات والأرقام بالأوهام. هذا الهدوء اللبناني الغريب دفعنا الى الإشادة بحكمة السياسيين اللبنانيين وتعقلهم وحرصهم على سلامة البيت اللبناني.

لبنان بلا رئيس للجمهورية. لكن المعركة مفتوحة ومحتدمة. لم يكن سراً ان عون يصر على ان يكون الرئيس المقبل. ويعتبر انتخاب أي شخص آخر اعتداء عليه وإصراراً على تهميش المكون الذي ينتمي اليه. واضح انه يعتبر المعركة الحالية بمثابة المعركة الأخيرة ذلك ان الثمانينات، أطال الله عمره، لا تساعد على الإنتظار. ويصعب على عون تقبل أن تعطي جمهورية الطائف قصر الرئاسة لجنرالين يفتقدان الى شعبيته أحدهما «ممانع» والثاني «وفاقي». ولا قدرة له بالتأكيد على احتمال رؤية القصر يسقط مجدداً في عهدة جنرال ثالث لا يكون اسمه ميشال عون.

يعتبر عون انتخابه رئيساً للجمهورية مكافأة له على تاريخه وإلغاء للغبن الذي لحق بـ «حقوق المسيحيين».

تعترض طريق الجنرال عقبات ليست يسيرة. لا يملك الأكثرية النيابية اللازمة إذا عُقدت جلسة الانتخاب. ثم ان حلف الأقليات أُصيب في حلقته السورية، و»حزب الله» لا يبدي استعداداً لارتكاب مغامرة حوثية.

اختار عون خوض المعركة انطلاقاً من لغة المكونات. أي من كونه الأوسع تمثيلاً في صفوف المسيحيين ما ذكّر بلغة بشير الجميل على رغم اختلاف الحقب والتحالفات. حجته ان الطوائف الأخرى تتمثل غالباً بالأقوى أو من يمثله وهو محق في ذلك. في الآونة الاخيرة ذهب بعيداً في لعبة المكونات. طالب بتحرير انتخاب النواب المسيحيين من الصوت المسلم عبر «القانون الارثوذكسي» الذي يسمح لكل طائفة باختيار نوابها. طالب أيضاً بانتخابات تمهيدية للرئاسة داخل المكون المسيحي.

بلغ الامر حد وضع امتحان الرئاسة على شفير الفيدرالية. لا يستقيم لبنان على قاعدة تهميش مكون رئيسي سواء كان مسيحياً أم سنّياً أم شيعياً. ومن حق من يعتبر نفسه مغبوناً أن يتحرك ويحتج. المقلق هو إحياء التوتر بين المكونات واستهداف قوى اتخذت قرارات جريئة وصعبة في الوقوف ضد التطرف. المقلق هو ان نتناسى خطورة التوقيت وان سورية التي نعرفها راحت وان باب الاهوال مفتوح على مصراعيه.        

تبقى أسئلة لا بد من طرحها. هل كان تحرك أمس مجرد اختبار لأعصاب تمام سلام أم هو أبعد من ذلك؟ هل أعاد العماد عون قراءته لأوضاع المنطقة في ضوء التفكك السوري وهبوب رياح الأقاليم؟ هل يعتقد ان الضمانة للمسيحيين في لبنان هي إعادة رسم حدود اقليمهم داخل الدستور قبل الجغرافيا؟ وما هو موقف «حزب الله» وقبله إيران؟ لا بد من الإنتظار لمعرفة ما إذا كان ما شهده لبنان أمس سحابة صيف أم أخطر.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تحرقوا الخيمة لا تحرقوا الخيمة



GMT 21:51 2024 الأحد ,26 أيار / مايو

لبنان المؤجَّل إلى «ما بعد بعد غزة»

GMT 20:10 2024 السبت ,25 أيار / مايو

مفكرة القرية: السند

GMT 20:02 2024 السبت ,25 أيار / مايو

الإصغاء إلى «رواة التاريخ»

GMT 19:58 2024 السبت ,25 أيار / مايو

القضية الفلسطينية في لحظة نوعية

GMT 19:56 2024 السبت ,25 أيار / مايو

الدولة الفلسطينية ودلالات الاعترافات

GMT 19:51 2024 السبت ,25 أيار / مايو

ذكريات العزبى!

GMT 19:49 2024 السبت ,25 أيار / مايو

حوارات إستراتيجية !

GMT 19:45 2024 السبت ,25 أيار / مايو

«شرق 12»... تعددت الحكايات والحقيقة واحدة!

إطلالات الملكة رانيا في المناسبات الوطنية تجمع بين الأناقة والتراث

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 08:00 2022 الأحد ,08 أيار / مايو

طرق ارتداء الأحذية المسطحة

GMT 07:11 2019 الأربعاء ,08 أيار / مايو

المسحل ينسحب من الترشح لرئاسة اتحاد القدم

GMT 07:22 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

مرسيدس تكشف النقاب عن نسختها الجديدة GLC

GMT 11:13 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.2 درجة يضرب بحر إيجة جنوب غربي تركيا

GMT 10:32 2021 الأربعاء ,11 آب / أغسطس

جرعة أمل من مهرجانات بعلبك “SHINE ON LEBANON”

GMT 12:25 2022 الإثنين ,04 تموز / يوليو

أفضل العطور للنساء في صيف 2022

GMT 12:53 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 12:13 2024 السبت ,25 أيار / مايو

نانسي عجرم بإطلالات شبابية مرحة وحيوية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon