بوتين «الرهيب»

بوتين «الرهيب»

بوتين «الرهيب»

 لبنان اليوم -

بوتين «الرهيب»

غسان شربل

سمعنا في اليومين الماضيين ما لم نسمع مثله منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. استيقظت مخاوف روسيا واستيقظت المخاوف منها. هزت الأزمة الأوكرانية هدوء «غورباتشوف البيت الابيض». فرض الصحن الاوكراني نفسه على موائد هولاند وكامرون ومركل وبان كي مون. تسارعت المشاورات داخل الاتحاد الاوروبي وبين جنرالات حلف الاطلسي. انها ازمة كبرى وحقيقية. ازمة على ارض القارة القديمة وعلى حدود الاتحاد الروسي. تغيرت لغة التخاطب فجأة. باراك اوباما يحذر فلاديمير بوتين من «الثمن» الذي سيترتب على انتهاك سيادة اوكرانيا وتهديد وحدتها او استقرارها. تلويح غربي بمقاطعة قمة الثماني المقررة في سوتشي هذا العام وتلميحات بإخراج روسيا من هذا النادي اذا ذهبت بعيداً في استفزازاتها. الأمين العام لحلف الاطلسي يعتبر ان تحركات روسيا في اوكرانيا «تهدد السلم والأمن في أوروبا». ارتفعت اصوات تلوح بعزل روسيا اقتصادياً. ليس من الحكمة ان تمتحن قوياً على اطراف منزله. يتحول الامتحان تحدياً وجودياً. لا يستطيع القوي الفرار من مثل هذا الامتحان - «المؤامرة». لا يستطيع ان يخسر. يعتبر الامتحان مصيرياً لصورته وهيبته ومشروعه ولصورة بلاده وموقعها في محيطها والعالم. مثل هذا الامتحان يستحق المجازفة وما يمكن ان يترتب عليها. كان فلاديمير بوتين في العاشرة حين اندلعت ازمة الصواريخ الكوبية في 1962 والتي وضعت العالم على شفير مواجهة نووية. شعر جون كينيدي يومها ان بلاده لا تستطيع الخسارة قبالة شواطئها فاندفع في الامتحان. ولم يكن امام الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف غير التراجع. شيء آخر مشترك بين الماضي والحاضر. خروشوف، ومن دون ان يتقصد، هو صانع الازمة الحالية على ابواب الاتحاد الروسي. ففي 1954 وفي سياق الاحتفال بمرور 300 سنة على اتحاد اوكرانيا مع روسيا قرر إلحاق شبه جزيرة القرم بأوكرانيا. لم يخطر بباله ان الاتحاد السوفياتي يمكن ان ينتحر وان يندثر. وان شبه جزيرة القرم ستعاني من التهاب جروح الجغرافيا بفعل أملاح التاريخ. الجماهير مفتاح التغيير. لكن الجماهير مشكلة. تبالغ اذا خسرت. وتفرط اذا ربحت. اساء المنتصرون في كييف تقدير ذيول الاطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش الذي اقنعه بوتين بتمزيق مشروع الشراكة مع الاتحاد الاوروبي. غاب عن بالهم ان البند الاول في برنامج بوتين هو منع الغرب من استكمال تطويق بلاده عبر دول تنتمي الى الاتحاد الاوروبي او حلف شمال الاطلسي. لم يستسغ بوتين يوماً استقلال الدول التي فرت من السجن السوفياتي وخصوصاً اوكرانيا. مارس ضدها سياسة التطويع. اوراقه كثيرة. الاقليات الروسية. النفط والغاز. الحضور الامني. التلاعب بأوراق داخلية. لم يتنبه المنتصرون في شوارع كييف الى خطورة وضع شبه جزيرة القرم. غالبية سكانها من الروس ويشعرون بأنهم اقرب الى موسكو منهم الى كييف. لم يلتفتوا ايضاً الى التاريخ. شبه جزيرة القرم كانت دائماً الميزان الذي يشير الى انتشار روسيا او انحسارها. انطلاقاً منها تقدم خانات التتار لاحراق موسكو ذات يوم ولم يردعهم الا «ايفان الرهيب». وعلى تلك الارض سالت بحور من الدماء بين الروس والامبراطورية العثمانية وفي حروب كثيرة ومذابح عديدة. المسألة تتخطى بقاء الاسطول الروسي مرابطاً في موانئها على البحر الاسود. انها روسية والقشرة الاوكرانية قابلة للزوال. لسنا في الستينات ليرسل بوتين «الجيش الاحمر» الى شوارع كييف. ولن يكون سهلاً ان يكرر بحق اوكرانيا عملية التأديب التي مارسها ضد جورجيا وتضمنت تلاعباً بأطراف الخرائط. لكنه يستطيع ان ينشب أظافره في جسد اوكرانيا عبر شبه جزيرة القرم. اوباما نفسه لم ينكر ان لروسيا مصالح في اوكرانيا. لكن السؤال هو عن حق الدول الكبرى في مد اظافرها الى الدول المجاورة لها. يستطيع بوتين ان يخسر في العراق. او ليبيا. وربما في سورية. لكنه لا يستطيع ان يتراجع في القرم على ابواب قلعته. ماذا سيفعل الغرب بالقيصر الذي يحمل مشروعاً ثأرياً ضد الانتصار الفاحش الذي دفع الاتحاد السوفياتي الى المتحف؟ وهل يملك الغرب ما يرشو به بوتين ليخرج اظافره من القرم ام اننا سنشهد صيغة معدلة من الحرب الباردة ومحاولة لتقليم اظافر فلاديمير «الرهيب»؟ حظه سيء باراك اوباما يهرب من الأزمة السورية فتفاجئه الازمة الروسية وهي أخطر بما لا يقاس.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين «الرهيب» بوتين «الرهيب»



GMT 20:03 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

دومينو نعمت شفيق

GMT 20:01 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

معايير عمل البلدية

GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 19:29 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 19:26 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 19:23 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:05 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 08:54 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

جينيسيس تكشف عن G70" Shooting Brake" رسمياً

GMT 00:08 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

وزارة الصحة التونسية توقف نشاط الرابطة الأولى

GMT 21:09 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 23:44 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

مارادونا وكوبي براينت أبرز نجوم الرياضة المفارقين في 2020

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 11:03 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

إتيكيت طلب يد العروس

GMT 10:04 2021 الإثنين ,10 أيار / مايو

الهلال السعودي يحتفل بمئوية جوميز

GMT 18:43 2022 الإثنين ,09 أيار / مايو

أفضل النظارات الشمسية المناسبة لشكل وجهك
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon