مأساة مدن القناة في مصروتخلّف الاخوان

مأساة مدن القناة في مصر...وتخلّف الاخوان

مأساة مدن القناة في مصر...وتخلّف الاخوان

 لبنان اليوم -

مأساة مدن القناة في مصروتخلّف الاخوان

خيرالله خيرالله

تكمن مشكلة مصر بصراحة في أن ليس هناك فيها من يريد مواجهة الواقع كما هو. لا تزال مصر منذ ما يزيد على ستة عقود اي منذ الثالث والعشرين من  يوليو 1952، تاريخ حصول الانقلاب العسكري على الملك فاروق، في رحلة التراجع...او رحلة العودة الى خلف، في اتجاه كلّ ما هو سيء على كلّ الصعد، خصوصا على الصعيد الاجتماعي. ما نشهده حاليا يتجاوز مأساة مدن القناة الثائرة على النظام الجديد الذي يسعى الاخوان المسلمون الى فرضه على البلد. انها بكل بساطة مشكلة مصر كلّها التي لا يزال فيها من يقاوم. هناك بين شباب مصر وسياسييها من لا يزال يؤمن بامكان اعادة الحياة والامل الى البلد على الرغم من المصيبة التي حلّت به. تتمثل هذه المصيبة في ان تركة النظام العسكري الذي تأسس في العام 1952 ثقيلة جدا من جهة وأن الذين خلفوا العسكر يسعون الى تكرار تجربتهم من جهة اخرى. ما تحتاجه مصر حاليا هو الى ثورة حقيقية. مثل هذه الثورة قد لا يكون المجتمع قادرا عليها نظرا الى انها تبدأ بالاعتراف بأنّ ليس في الامكان مباشرة معالجة المريض المصري من دون وقف النمو العشوائي لعدد السكان. هل في مصر حاليا حاكم او مسؤول يعترفبذلك او يتجرّأ على القول علنا أن هناك مشكلة نمو سكّاني في بلد معظم اراضيه صحراوية؟ انه السؤال المباشر الذي يمكن ان يمهد لطرح الاسئلة الاخرى المرتبطة بالسياسة والاقتصاد والسياحة والزراعة ومياه النيل ورفع مستوى التعليم والاستفادة من الخبرات الاجنبية من دون اي نوع من العقد...  ما سمّي "ثورة 23 يوليو" لم يكن سوى انقلاب عسكري نفذّته مجموعة من الضباط ارادوا ترييف المدينة بدل السعي الى التصالح معها او التعلم منها ومن القيم الحضارية المتعارف عليها عالميا. لذلك، قُضى هؤلاء على معظم ما هو جميل وحضاري في مصر. قُضي على القاهرة، واسطة العقد، وكلّ مدن القناة، بما في ذلك بور سعيد والاسماعيلية، كما قضي على الاسكندرية التي كانت عروس المتوسط وعلى حلوان التي كانت نموذجا حضاريا. من اين يبدأ التغيير؟ يبدأ بالاعتراف بأنّ ليس في الامكان السير على خطى العسكر الذين اسس جمال عبدالناصر لحكمهم. ليس كافيا توجيه الانتقادات للرئيس السابق حسني مبارك وممارساته كي تستقيم الاوضاع. فعهد مبارك لم يكن سوى تتمة لنظام قام في العام 1952 غيّر طبيعة المجتمع المصري تدريجا وساهم فيايجاد تلك الهوة بين الاغنياء الجدد والطبقات الشعبية التي غرقت في الجهل والتطرف نتيجة عوامل كثيرة من بينها الشعارات التي رفعت بعد ما سمّي "ثورة يوليو".  بعد الاقرار بذلك، يمكن الانطلاق في اتجاه اصلاح الاوضاع المصرية كي تستعيد الدولة العربية الاكبر والاهمّ بعضا من دورها الطبيعي، حتى على صعيد الفن والثقافة والسينما والمسرح. ما يحصل حاليا يتمثل في أنّ الاخوان المسلمين يسعون الى تكرار تجربة العسكر ولكن برداء مختلف مستفيدين من كون الرئيس محمد مرسي منتخب. يتناسى الاخوان انّ لا معنى للانتخابات اذا لم تكن خطوة على طريق تكريس وجود حياة ديموقراطية تقوم اوّل ما تقوم على مؤسسات الدولة المستقلة عن اي حزب من الاحزاب. بكلام اوضح، لا يمكن لامور مصر ان تستقيم من دون مواجهة الواقع. وهذا يعني اوّل ما يعني التساؤل لماذا تحوّلت مدن القناة، المنتفضة هذه الايام في وجه السلطة والاخوان، الى مدن بائسة بعدما كانت في الماضي مزدهرة؟ تعرّضت هذه المدن، التي يمكن ان تلعب دورا بالغ الاهمية يساعد في انعاش مصر كلّها، لظلم ليس بعده ظلم ابان حكم العسكر. وانتقلت الآن الى المعاناة من تخلّف الاخوان. كانت بداية الظلم في تغلب النزعة القومية الشوفينية على كلّ ما عداها، خصوصا بعد قرار تأميم قناة السويس في العام 1956 ثمّ العدوان الثلاثي الذي تعرّضت له مصر. لا يمكن في اي شكل تبرير العدوان البريطاني-الفرنسي- الاسرائيلي. ولكن ما لا بدّ من الاعتراف به في المقابل أنّ من انهى العدوان كان الادارة الاميركية، ادارة الرئيس ايزنهاور. كذلك لا مفرّ من التساؤل هل كان تأميم القناة ضروريا؟ هل ربحت مصر من التأميم...ام لحقت بها خسارة لا تعوض عندما غادرها الاجانب المقيمون فيها مع ما ادى اليه ذلك من افقار للمدن وتغيير طبيعة احيائها وحدائقها وطرقاتها ومحلاتها التجارية ومطاعمها والحياة الثقافية والاجتماعية فيها؟ استطاع العسكر تغيير طبيعة المجتمع المصري. باعوا المواطن انتصارا وهميا لم يدركوا معناه الاّ بعدهزيمة 1967 التي ادت الى اغلاق قناة السويس فزاد سكان مدنها فقرا وبؤسا. اعاد فتح القناة رجل سعى الى مصالحة مصر مع نفسها ومع المصريين ومع ومحيطها. كان اسمه انور السادات. لم يستطع السادات اخراج مصر من مازقها على الرغم من توصله الى اتفاق سلام مع اسرائيل واستعادة سيناء. قضت عليه القوى التي اراد استخدامها للتخلص من مخلفات نظام عبد الناصر ذي الطبيعة الامنية الذي تسبب في تخريب جزء لا بأس به من العالم العربي، بما في ذلك العراق وسوريا ولبنان... فشل حسني مبارك حيث فشل السادات. لم يستطع تغيير شيء في طبيعة المجتمع المصري واعادة الحياة الى الطبقة المتوسطة التي كان يمكن ان تعيد الحياة الى المدن والريف. اكثر من ذلك، قرر الاستسلام امام النشاط الذي كان يمارسه الاخوان والثقافة التي كانوا ينشرونها. قمعهم ظاهرا، لكنه لم يقاوم عمليا الثقافة التي سعوا الى نشرها. ولذلك، نجد طبيعيا اليوم ان يستمر الاخوان في نهجمهم الهادف الى تغيير طبيعة المجتمع المصري بعد نجاحهم في خطف "ثورة 25 يناير" وتهميش الذين كانوا بالفعل وراءها. ما هو طبيعي اكثر انطلاق العصيان المدني من مدن القناة. هذه المدن تتذكّر ايّام العز. وتتذكّر خصوصا ان لديها امكانات هائلة مرتبطة الى حد كبير بقناة السويس وقربها من منطقة الخليج المهمّة من جهة واوروبا من جهة اخرى. هذه المدن تمثّل حاليا مع شباب مصريين رمزا للتعلق بمصر منفتحة على العالم، مصر القادرة على المراهنة مجددا على ثروة اسمها ثروة الانسان، مصر التي انجبت محمد عبدالوهاب وام كلثوم والسنباطي وعشرات آخرين... مصر المنتفضة في وجه العسكر سابقا والاخوان حالياوالذين ليس لديهم ما يقدمونه سوى الشعارات الفارغة التي لا هدف لها سوى احكام السيطرة على مفاصل السلطة. هل يبرر الشبق الاخواني الى السلطة استعادة تجربة العسكر في مصر؟

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مأساة مدن القناة في مصروتخلّف الاخوان مأساة مدن القناة في مصروتخلّف الاخوان



GMT 20:03 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

دومينو نعمت شفيق

GMT 20:01 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

معايير عمل البلدية

GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 19:29 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 19:26 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 19:23 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:46 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحمل الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 22:52 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 19:30 2022 السبت ,07 أيار / مايو

حقائب يد صيفية موضة هذا الموسم

GMT 20:40 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

اتيكيت الأناقة عند النساء

GMT 20:18 2022 الثلاثاء ,10 أيار / مايو

أفكار لتنسيق الجينز مع البلوزات لحفلات الصيف

GMT 05:22 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

نصائح لاختيار أحذية الـ Pumps بشكل صحيح

GMT 13:22 2022 الأحد ,13 شباط / فبراير

مكياج خفيف وناعم للمناسبات في المنزل

GMT 12:49 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

أنواع من الفواكه تحتوي على نسبة عالية من البروتين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon