«بيبي» وسياسة من بعدي الطوفان

«بيبي» وسياسة من بعدي الطوفان

«بيبي» وسياسة من بعدي الطوفان

 لبنان اليوم -

«بيبي» وسياسة من بعدي الطوفان

خير الله خير الله
بقلم: خير الله خير الله

لجأ بنيامين نتنياهو أو «بيبي»، كما يسمّيه الإسرائيليون إلى اليمين الأكثر تطرفاً كي يفلت من العدالة. سياسياً، لم يتغيّر الرجل الرافض لفكرة السلام مع العرب ومع الفلسطينيين تحديداً.

استفاد في نهجه المتطرف من كلّ عملية انتحارية نفذتها «حماس» بعد توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993 ومن طريقة تصرّفها منذ الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزّة صيف العام 2005.

ما تغيّر في المرحلة الراهنة أنّ «بيبي» صار ملاحقاً من العدالة بتهمة الفساد. يقدّم حالياً سلامته الشخصية على كلّ ما عدا ذلك. مقرف أن يتحول المستقبل السياسي لـ«بيبي» محور كلّ السياسة الإسرائيليّة مع انعكاس سلبي على الوضع في المنطقة كلّها. ما نشهده حالياً، خصوصاً بعد ذهاب وزير الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير إلى المسجد الأقصى، تتفيه ليس بعده تتفيه لدولة كانت تعتبر نفسها «الديموقراطيّة الوحيدة» في المنطقة وكانت تريد إعطاء دروس في كيفية ممارسة الديموقراطية.

من أجل الحؤول دون دخوله السجن، كما حصل مع سلفه ايهود اولمرت، وضع «بيبي» مستقبله السياسي فوق كلّ اعتبار معرّضاً علاقات إسرائيل بدول عربيّة عدة للخطر.

يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي اعتمد سياسة: من بعدي الطوفان. يبدو مستعداً لكلّ أنواع المجازفات وأن تكون حكومته في خدمة المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة.

باختصار شديد، هناك ما هو أهمّ من مواجهة البرنامج النووي الإيراني بالنسبة إلى الحكومة الإسرائيلية الجديدة. هناك المستقبل السياسي لـ«بيبي» المطلوب وقف الملاحقات القضائية في حقّه على الرغم من وجود ادلّة كثيرة على مدى فساده.

يؤكّد حصر رئيس الوزراء الإسرائيلي همّه في كيفية الإفلات من قبضة القضاء، اعلان وزير العدل الإسرائيلي الجديد ياريف ليفين قبل أيّام عزمه على تعديل النظام القضائي لتضمينه «استثناءً» يسمح للكنيست بتعليق قرارات المحكمة العليا.

عملياً، يهدف هذا التعديل الذي أعلن ليفين خطوطه العريضة أمام الصحافة ومن المقرّر طرحه أمام الكنيست في تاريخ لم يحدّد بعد، إلى تغليب السلطة التشريعية على السلطة القضائية، في وقت يحاكم نتنياهو بتهم فساد.

بعد فوز حزبه (ليكود) في انتخابات الأول من نوفمبر الماضي، وبعد أسابيع من المفاوضات مع الأحزاب الدينية المتشددة واليمينية المتطرفة، شكّل «بيبي» أخيراً الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ الدولة العبرية.

قال وزير العدل الإسرائيلي، في إشارة واضحة إلى رغبة في تجاوز القضاء وتعطيله، على غرار تعطيل أي أمل في تحسّن الأجواء السياسيّة في المنطقة: «هناك قضاة ولكن يوجد أيضاً برلمان وحكومة... الديموقراطية في خطر عندما ندلي بأصواتنا في صندوق الاقتراع ولكن في كلّ مرّة يقرّر أشخاص غير منتخبين نيابة عنّا».

يبدو واضحاً أن وزير العدل يرفض أخذ العلم أنّ في أساس ما يميّز الدول ذات الأنظمة الديموقراطيّة وجود سلطة قضائية مستقلّة. من أبرز التغييرات التي يقترحها إدراج ما يسمّى بـ«بند الاستثناء» الذي يتيح لنواب الكنسيت، بأغلبية بسيطة، إلغاء قرار صادر عن المحكمة العليا.

معروف أنّ لا دستور معتمداً في إسرائيل، بل هناك قوانين اساسيّة منذ تأسيس الدولة. بموجب هذه القوانين، يمكن للمحكمة العليا إلغاء قوانين تقرّها الكنيست إذا اعتبرت أنها تتعارض مع القوانين الأساسية للبلاد.

من هذا المنطلق، من شأن إقرار «بند الاستثناء» السماح للكنيست بإعادة وضع قانون رفضه القضاة موضع التطبيق.

لن ينفع في شيء استنكار زعيم المعارضة يائير لابيد في تغريدة له مشروع التعديل الذي «يعرّض للخطر النظام القضائي بأسره لدولة إسرائيل».

لم يكن نتنياهو في يوم من الأيّام مهتماً بالسلام وإقامة علاقات طبيعيّة مع دول المنطقة. كان رهانه الدائم على خلق امر واقع يؤدي إلى تكريس الاحتلال عبر بناء مزيد من المستوطنات في الضفّة الغربيّة.

يؤكّد ذلك العداء الذي يكنّه للمملكة الأردنيّة الهاشمية وللملك عبدالله الثاني شخصيّاً. لو كان «بيبي» حرّاً في اتخاذ كلّ القرارات التي يريد اتخاذها، لكان تخلّص من اتفاق السلام الأردني - الإسرائيلي الموقّع في وادي عربة في أكتوبر 1994. هذا الاتفاق الذي يعبّر عن عبقريّة الملك حسين، رحمه الله، الذي عرف كيف يحمي المملكة الأردنيّة الهاشمية في وجه التقلبات الإقليميّة.

ينمّ هذا العداء الذي يكنّه «بيبي» للأردن عن إصرار على ضرب فكرة الاستقرار في المنطقة من اساسها، خصوصاً أن الأردن عنصر في غاية الأهمّية في أي معادلة شرق أوسطية مستقرّة تقاوم التطرّف.

لم يتخلّ الأردن يوماً عن السعي من أجل تسوية معقولة ومقبولة تضمن للفلسطينيين حقوقهم المشروعة المعترف بها دولياً ووجوداً كريماً في الضفّة الغربيّة. تسوية، تحمي المقدسات الإسلاميّة والمسيحية في الوقت ذاته.

ثمّة معضلة حقيقية اسمها بنيامين نتنياهو، بل ثمّة معضلة أكبر اسمها المجتمع الإسرائيلي الذي أعاد «بيبي» إلى موقع رئيس الوزراء، وهو مجتمع يزداد تطرفاً مع مرور السنوات. كيف يمكن لدولة متطورة تجاهل وجود كتلة بشريّة فلسطينية بحجم يراوح بين سبعة وثمانية ملايين نسمة بين البحر المتوسط ونهر الأردن؟ هل يعتقد «بيبي» أنّ الاحتلال هو الحلّ وأنّه سيكون قادراً في يوم من الأيّام على تهجير مليوني فلسطيني يقيمون حالياً في الداخل الإسرائيلي ويشكلون نسبة تزيد على عشرين في المئة من السكان؟ إلى أين يريد تهجير هؤلاء؟

ما نشهده حالياً، خصوصاً في ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة للكنسيت، تكريس وجود مجتمع إسرائيلي مريض لا يسأل نفسه إلى أين سيذهب به «بيبي» أو شخص متهور وعنصري مثل ايتمار بن غفير.

هناك أسئلة مقلقة في بلد يقدّم مصير «بيبي» على كلّ ما عدا ذلك... بما في ذلك كيفية مواجهة الخطر الأساسي المتمثل في المشروع التوسعي الإيراني. يحدث ذلك في وقت يبدو فيه التأثير الأميركي في الداخل الإسرائيلي شبه معدوم في ظلّ الانشغال الدولي بما يدور في أوكرانيا...

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بيبي» وسياسة من بعدي الطوفان «بيبي» وسياسة من بعدي الطوفان



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:05 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تملك أفكاراً قوية وقدرة جيدة على الإقناع

GMT 15:08 2024 الخميس ,11 إبريل / نيسان

هزة أرضية تضرب ولاية تبسة شرقي الجزائر

GMT 16:31 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

الجزائري عسله الأكثر تصديًا للكرات في الدوري

GMT 23:10 2023 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 9 مايو/ أيار 2023

GMT 19:03 2022 السبت ,14 أيار / مايو

نصائح لاختيار ملابس العمل المناسبة

GMT 18:36 2023 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

حقائب فاخرة لأمسيات رمضان الأنيقة

GMT 15:28 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الكشف عن قائمة أفضل وجهات سفر عالمية في 2024

GMT 11:52 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

إتيكيت زيارات العيد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon