المعلن وغير المعلن في قمة الكويت

المعلن وغير المعلن في قمة الكويت...

المعلن وغير المعلن في قمة الكويت...

 لبنان اليوم -

المعلن وغير المعلن في قمة الكويت

خيرالله خيرالله

مرة أخرى يتضح أن الكويت ليست غنيّة بنفطها وديموقراطيتها فحسب، بل بديبلوماسيتها أيضا. شكلت هذه الديبلوماسية في كلّ وقت مظلة حماية وأمن وأمان في أصعب الظروف لدولة تعيش في منطقة مليئة بالمخاطر والتحديات. انّها مخاطر وتحديات، عرفت الكويت قيادة وشعبا كيف التعاطي معها، خصوصا في مرحلة ما بعد اندلاع الحرب العراقية- الايرانية في العام 1980 وما تلاها من أحداث في غاية الخطورة وصلت الى حدّ تعرّض الكويت للاحتلال صيف العام 1990. كانت القمة العربية - الافريقية التي انعقدت على مدى يومين في الكويت اضافة جديدة لهذا الغنى الذي تجاوز أبعاد التلاقي والتعاون الى ما هو أكبر وأوسع. فعندما تصبح الكويت عاصمة لقسم من جنوب العالم بجمعها للدول الافريقية والعربية في مساحة واحدة، فانها لا تفعل ذلك من أجل ان يتبادل الرؤساء والقادة والمسؤولون القبل والسلامات والتحيّات، بل من أجل السعي الى ارساء نهج واقعي يقارب المشاكل بعين موضوعية تتجاوز الشكليات والمجاملات والشعارات الطنانة التي لا تطعم خبزا وتصطدم في بعض الاحيان، حتى لا نقول في معظمها، بالواقع الاليم لهذه الدولة أو تلك. ماذا حصل عمليا في قمّة الكويت؟ في المعلن أن شيخ الديبلوماسية العربية، أمير الكويت الشيخ صباح الاحمد، قرّر تقديم مليار دولار على شكل قروض ميسّرة للدول الافريقية للتغلّب على بعض المصاعب الاقتصادية والاجتماعية. يضاف الى هذا المليار، مليار آخر على شكل استثمارات على مدى سنوات تتدرج استنادا الى مراقبة عمليات التنفيذ. بكلام أوضح، قدّمت الكويت ما اعتادت تقديمه من مساعدات، لكنّها ربطت هذه المرّة التنفيذ بتطوير الدول الافريقية المعنية نفسها. وهذا التطوير يكون بتحسين أنظمتها القانونية والتشريعية، خصوصا النظام القضائي والرقابي. فالاستثمار يحتاج، أوّل ما يحتاج، الى بيئة آمنة من جهة والى ضمانات قضائية وقانونية وهيئات لمكافحة الفساد من جهة أخرى. وفي حال تحقيق هذه الامور، ستكون هناك نقلة نوعية ذات طابع حضاري واقتصادي، وحتى سياسي، لبعض الدول الافريقية التي ما زالت تنشد التغيير في العلن من دون أن تتغيّر هي نفسها من داخل بشكل عملي! لا شكّ انّ مثل هذا الاستثمار الكويتي في تطوير الانظمة التشريعية والقضائية والاستثمارية والمالية والضرائبية لهذه الدول ووضعها تحت مجهر منظومة رقابة اقليمية ودولية يمثّل أكبر خدمة تقدّم لها. هذه الخدمة لا تقدّر بثمن في حال استجابة هذه الدولة أو تلك لها نظرا الى انها تفتح الابواب أمام مزيد من الاستثمارات التي يمكن أن تغني يوما عن المساعدات التي لا تستثمر بالطريقة التي يفترض أن تستثمر بها...أي بما يخدم الشعوب والمجتمعات فعلا وليس الحكام وابناء طبقة معيّنة. وفي المعلن أيضا، قرّرت القمة توجيه رسالة تطالب باصلاح الامم المتحدة ومجلس الامن، وهي تواكب في ذلك مسعى المملكة العربية السعودية التي رفضت مقعدا في مجلس الامن بسبب ما تعتبره خللا جذريا في آليات عمله وتقاعسه. هناك تقاعس في حلّ مشاكل المنطقة، خصوصا الازمة السورية التي يذهب ضحيتها شعب بكامله بات بلده مهددا بالتفكك، والكيل بمكيالين لدى مقاربة عدد كبير من القضايا. هذا الموضوع نقلته الكويت من حالة خاصة الى حالة عامة، أي عممته ليصبح موقفا عربيا- افريقيا جامعا. وعبّر عنه أمير الكويت في كلمته التي افتتح بها القمّة حين تحدّث عن ضرورة تغيير مقاربة مجلس الامن للابادة التي يتعرّض لها الشعب السوري وحلّ القضيّة الفلسطينية بما يتفق وأسس العدالة الدولية. وفي المعلن، ايضا وأيضا، ضرورة تكاتف كلّ الجهود لمكافحة الارهاب. وهذا الموضوع هو أصل الرسالة الكويتية وجوهر حراكها السياسي الاقليمي وتحرّكها الديبلوماسي. فالكويت تعرف أنّها ليست في منأى عن النار التي تصيب القريب والبعيد. ولذلك، انّها تشجع الجميع سرّا وعلنا على ابعاد أوراق التطرّف من العادلات والصراعات السياسية. أمّا ما لم يعلن عنه في القمة العربية- الافريقية وكانت خيوطه واضحة، فهو رسم الكويت خريطة طريق جديدة لحلّ بعض الامور العالقة بين الدول واجراء مصالحات بعيدة من الاضواء. وبّما تمثّل النجاح الاكبر في تغيير مواقف عدد كبير من الدول من مصر ما بعد "ثورة 30 يونيو" واقناع هذه الدول بأن التغيير الذي حصل في هذا البلد كان في مصلحة الشعب المصري. وأوجد ذلك ارتياحا لدى الوفد المصري الذي ترأسّه الرئيس الموقت عدلي منصور. كذلك، سعت الكويت الى تبريد الملفات الفاترة بين الرياض والدوحة وساعدت لبنان في شرح موقفه أمام دول الخليج. ولو سمح الوقت أكثر، لكانت الكويت نجحت في لملمة الملفات العالقة أكثر بهدوء وصمت كما هو دين ديبلوماسيتها. بعد القمة العربية- الافريقية، ستكون هناك قمّة خليجية في الكويت. وبعد الخليجية، قمة أخرى للمانحين لسوريا. وهذه القمّة تمنى بان كي مون الامين العام العام للامم المتحدة على أمير الدولة عقدها في الكويت التي باتت القمم تدق أبوابها. فالكويت استعادت جزءا لا بأس به من حيويتها على كلّ صعيد. لم يكن ذلك ممكنا لولا أن أن أمير الدولة قرّر وضع الامور في نصابها وتحصين الوضع الداخلي أوّلا. لا يمكن فصل الداخل الكويتي عن الخارج. لعبت الانتخابات النيابية الاخيرة أواخر شهر رمضان الماضي دورا محوريا في اعادة الوضع الداخلي الكويتي الى طبيعته. وهذا يعني في طبيعة الحال التعاون بين السلطات المختلفة من أجل الانصراف الى المشاكل الحقيقية التي يعاني منها البلد بدل ابقاء العمل الحكومي أسير مشاحنات وتجاذبات لا طائل منها. شيئا فشيئا، مع استتباب الوضع الداخلي وبداية تحوّل مجلس الامة الى ساحة عمل، وهذا ما يؤمل به، تستعيد الكويت صورتها، أي صورة البلد الصغير المنادي بالاعتدال وتغليب المنطق في منطقة مقبلة على تطورات في غاية الخطورة، خصوصا في ظلّ انفلات الغرائز المذهبية من كلّ حدب وصوب!  

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعلن وغير المعلن في قمة الكويت المعلن وغير المعلن في قمة الكويت



GMT 20:03 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

دومينو نعمت شفيق

GMT 20:01 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

معايير عمل البلدية

GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 19:29 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 19:26 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 19:23 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 12:56 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 15:46 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

وفاة الممثل السوري غسان مكانسي عن عمر ناهز 74 عاماً

GMT 18:24 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مصطفى حمدي يضيف كوتة جديدة لمصر في الرماية في أولمبياد طوكيو

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 19:00 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

لصوص يقتحمون منزل الفنان كيانو ريفز بغرض السرقة

GMT 13:02 2022 الثلاثاء ,07 حزيران / يونيو

توقيف مذيع مصري بعد حادثة خطف ضمن "الكاميرا الخفية"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon