الفارق بين احتلالين في لبنان

الفارق بين احتلالين في لبنان

الفارق بين احتلالين في لبنان

 لبنان اليوم -

الفارق بين احتلالين في لبنان

بقلم:خيرالله خيرالله

يفترض في اللبنانيين الاعتراف بأنّ ذكرى الثالث عشر من نيسان – ابريل 1975 ليست مجرّد ذكرى استطاعوا تجاوز تفاعلاتها. ما زالت هذه الذكرى ماثلة وحيّة اكثر من أي وقت في وقت يتهاوى فيه البلد، وفي وقت بات مصيره في مهبّ الريح.

ما حدث في ذلك اليوم المشؤوم قبل 47 عاما أنّ مجموعة فلسطينية مسلّحة كانت في شاحنة ركّاب كبيرة (بوسطة) تمرّ في منطقة عين الرمّانة المسيحيّة القريبة من بيروت. اطلق مسلّحون، كانوا مستنفرين في تلك المنطقة نتيجة اغتيال احد المواطنين المسيحيين فيها، النار على من في البوسطة. قُتل معظم هؤلاء. يومذاك، بدأت الحرب رسميّا بمشاركة فلسطينية واسعة وفي ظلّ وجود ميليشيات لبنانيّة مسيحيّة واسلاميّة. لم يبق حزب صغير إلّا وأسّس تنظيما مسلّحا خاصا به. كان التمويل يأتي إلى الجميع من أماكن مختلفة، معظمها دول اقليميّة، وكانت الأسلحة السوريّة المصدر، في معظمها، تذهب إلى المسيحيين والمسلمين والفلسطينيين في الوقت ذاته.

لا تزال الأسئلة المتعلّقة بمن نفّذ جريمة اغتيال مواطن مسيحي في تلك المنطقة (عين الرمّانة) لغزا. من طلب من سائق "البوسطة"، التي كانت تقلّ المسلّحين الفلسطينيين، المرور في مكان وقوع الجريمة بالذات، مباشرة بعد حصولها، ليس معروفا إلى يومنا هذا. هل بدأت الحرب اللبنانيّة التي تحوّلت إلى حروب بين اللبنانيين وبين آخرين على ارض لبنان صدفة... أم كان المسرح معدّا أصلا للدخول العسكري السوري إلى لبنان بغية تحويله إلى محميّة لدى دمشق بتخطيط من النظام الذي اسّسه حافظ الأسد في العام 1970؟

بين 13 نيسان 1975 و13 نيسان 2022، تغيّرت أمور كثيرة ولم يتغيّر شيء. ما تغيّر ان لبنان لم يعد لبنان. انتقل من سيء إلى أسوأ، من احتلال سوري... إلى احتلال إيراني. كان الاستثناء محاولة يتيمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة وضع البلد على خريطة المنطقة. قام رفيق الحريري بتلك المحاولة. دفع الحريري ثمن ما قام به من دمّه. دفع حياته ثمنا لإعادة الحياة إلى بيروت كي تكون عاصمة لبنان مساحة حضارية تجمع بين اللبنانيين من كلّ المذاهب والطوائف والمناطق وكي تكون مدينة يقصدها العرب، كلّ العرب.

ما لم يتغيّر ان السلاح غير الشرعي لا يزال صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في لبنان وذلك بعدما اختزل "حزب الله" كلّ الميليشيات اللبنانيّة وبعدما تكرّس الفراغ على مستوى رئاسة الجمهوريّة، بل زاد حجمه. زاد حجمه إلى درجة أنّ ايران صارت تقرّر من هو رئيس الجمهوريّة في لبنان بعدما كانت سوريا تفعل ذلك ابتداء من العام 1989، عندما تخلّصت من رينيه معوض الذي انتخب مباشرة بعد إقرار اتفاق الطائف.

بعد كلّ تلك السنوات التي مضت منذ العام 1975 والتي تخللها اجتياح إسرائيلي في العام 1982، يبقى من التاريخ الحديث للبنان ذلك السقوط المسيحي الذي بدأ في العام 1970 مع حلول سليمان فرنجيّة الجدّ في موقع رئيس الجمهوريّة، وهو سقوط يجسّده حاليا وجود ميشال عون في قصر بعبدا. هناك الآن رئيس للجمهوريّة لم يدرك إلى اللحظة معنى انهيار النظام المصرفي في لبنان، كما لا يريد ان يعرف شيئا عن ظروف تفجير مرفأ بيروت او عن أسباب انعدام وجود الكهرباء في لبنان. لا يريد ان يسأل نفسه لماذا لم يعد هناك عربي يهتمّ بلبنان ولماذا لم يعد هناك حضور لبناني في اميركا وأوروبا؟

لعلّ اخطر ما حدث على الصعيد اللبناني منذ وصول سليمان فرنجيّة إلى رئاسة الجمهوريّة بعد اقلّ من سنة من توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم مع منظمة التحرير الفلسطينيّة في تشرين الثاني – نوفمبر 1969، ذلك الجهل اللبناني بما يدور في المنطقة والعالم. لم يعد في لبنان من يريد اخذ العلم بمعنى وصول حافظ الأسد إلى موقع الرئاسة في سوريا كأول علوي يحتلّ هذا المنصب. كان على حافظ الأسد المزايدة باستمرار على الفلسطينيين مستخدما حزب البعث وشعاراته المتخلّفة غطاء لرغبته في تحويل سوريا لاعبا إقليميا. كانت السيطرة على لبنان حلقة اساسيّة في هذا المشروع الاسدي الذي أخذ بعدا جديدا مع الحلف الذي أقامه النظام السوري مع ايران الخميني، خصوصا بعد اندلاع الحرب العراقية – الايرانيّة في العام 1980.

دفع لبنان غاليا ثمن العجز المسيحي عن فهم ما يدور في المنطقة، خصوصا معنى التحوّل الكبير الذي حصل في سوريا مع الأسد الأب وصولا إلى بداية التحوّل الآخر مع الأسد الإبن، وهو تحوّل في طبيعة العلاقة بين دمشق وطهران.

من الأسد الأب الذي خلفه الأسد الإبن في العام 2000، انتقل لبنان من الاحتلال السوري إلى الاحتلال الإيراني. يجمع بين الإحتلالين ذلك العداء ذي الطابع المرضي لأهل السنّة في المنطقة وللمدينة العربيّة عموما. العداء لبيروت وطرابلس ودمشق وحلب وحمص وحماة وبغداد والبصرة والموصل...

صحيح ان حافظ الأسد كان أوّل من وقع في الفخّ الإيراني عندما ادخل "الحرس الثوري" إلى الأراضي اللبنانيّة صيف العام 1982، لكنّ الصحيح أيضا أنّه حاول مرات عدّة ان يبقى صاحب الكلمة الأولى في لبنان. نجح في البداية وما لبث أن فشل بعدما سيطر "حزب الله" على الطائفة الشيعية اثر انتصاره على حركة "امل" المحسوبة على النظام السوري في حرب إقليم التفاح أواخر ثمانينات القرن الماضي وبداية التسعينات منه.

كان وصول بشّار الأسد إلى الرئاسة الخطوة الأولى في طريق انتقال لبنان من الاحتلال السوري إلى الاحتلال الإيراني المباشر إثر اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005 وخروج الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان من العام نفسه.

يعيش لبنان حاليا في ظلّ احتلال لا همّ لديه سوى افقار اللبنانيين وتيئيسهم. في المقابل، لم يكن لدى الاحتلال السوري مثل هذا الهمّ بمقدار ما كان يعتبر لبنان بقرة حلوبا يسعى إلى الاستفادة من خيراتها إلى أبعد حدود.

بالنسبة إلى ايران، كلّما زاد لبنان فقرا، كلّما زاد رضوخه لها. ذلك هو الفارق بين احتلالين في ظلّ غياب مسيحي، على كلّ صعيد، غياب يدعو إلى الشفقة اكثر من أي شيء آخر.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفارق بين احتلالين في لبنان الفارق بين احتلالين في لبنان



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 20:01 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

لجنة الانضباط تعاقب رئيس الشباب بغرامة 20 ألف ريال

GMT 19:43 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

لجنة الانضباط تعاقب المصري حسين السيد

GMT 15:30 2019 الإثنين ,25 شباط / فبراير

لؤي ناظر يكشف أسباب تراجع النتائج ورحيل بيلتش

GMT 03:49 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

هوساوي يكشف أسباب اعتزاله عن "الوحدة"

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,08 كانون الثاني / يناير

باهبري يحقق رقم مميز في تاريخ المنتخب السعودي

GMT 22:13 2021 الإثنين ,01 آذار/ مارس

استقالة جماعية لمجلس إدارة عين مليلة

GMT 04:41 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

سلمى رشيد تتألق بعباءة حرير في آخر ظهور لها

GMT 16:11 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

براد جونز يكشّف أسباب تراجع نتائج "النصر"

GMT 22:37 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

تعافي زيدان مدرب ريال مدريد من فيروس كورونا

GMT 01:46 2020 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

هدفان يحفظان ماء وجه الأجانب في الدوري السوداني

GMT 06:51 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon