عبدالله الثاني ورفض الاستسلام للقوّة

عبدالله الثاني ورفض الاستسلام للقوّة

عبدالله الثاني ورفض الاستسلام للقوّة

 لبنان اليوم -

عبدالله الثاني ورفض الاستسلام للقوّة

بقلم: خير الله خير الله

ليس من وصف دقيق لما يشهده العالم والمنطقة أكثر من الوصف الذي قدّمه الملك عبدالله الثاني، في خطابه الأخير أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ. وضع العاهل الأردني، الذي اثبتت الأحداث والتطورات العالميّة قدرته على استشفاف المستقبل، النقاط على الحروف. قام عملياً بمحاولة متواضعة لوضع العالم أمام مسؤولياته مركّزاً على الدور الأوروبي والدولي في العمل من أجل السلام والعدل.

لا يعود التوجه إلى أوروبا إلى قرب القارة العجوز جغرافياً من المنطقة فحسب، بل إلى وجود تجربة أوروبية لا يمكن تجاهلها أيضاً. إنّها تجربة ما بعد الحرب العالميّة الثانية. قال عبدالله الثاني، موجهاً كلامه إلى الّنواب الأوروبيين: «بعد الحرب العالمية الثانية، اختارت أوروبا إعادة البناء. ليس لمدنها فقط، بل للركائز التي تأسست عليها، إذ صممت شعوب أوروبا على ترك الماضي خلفها وبناء عصر جديد من السلام. اختار الأوروبيون الكرامة الإنسانيّة عوضاً عن الهيمنة والقيم عوضا عن الانتقام، والقانون عوضاً عن القوة والتعاون عوضاً عن الصراع».

كانت هناك حاجة لدى العاهل الأردني لتقديم وصف دقيق لحال العالم، لكنّ المهمّ، بالنسبة إليه، عدم الاكتفاء بالوصف... مهما بلغت دقته. أصرّ على تأكيد وجود «قيم تجمعنا». أشار إلى أن العديد من هذه القيم «متجذّرة في أدياننا: الإسلام والمسيحية واليهودية». هذه القيم موجودة «لتقيم الرحمة والعدل والمساواة». كان الخطاب دعوة إلى العودة إلى القيم، كما كان صرخة رجل يتألم في ضوء المأساة التي تشهدها غزّة حيث «إذا فشل المجتمع الدولي بالتصرف بشكل حاسم، فإننا نصبح متواطئين في تعريف معنى أن تكون إنساناً».

خلاصة الخطاب الذي القاه عبدالله الثاني، أن الحاجة إلى البحث عن مخرج بدل الاستسلام للعنف ومنطق القوة. لذلك يؤكد العاهل الأردني المرة تلو الأخرى أنّ القوة ليست حلاً وأنّ الحاجة إلى حلول سياسية قبل أي شيء آخر، خصوصاً في وقت تزداد الحرب الإيرانيّة- الإسرائيلية ضراوة.

هناك إدراك أردني واضح لخطورة المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة. عانت المملكة الأردنية الهاشمية دائماً من السعي الإيراني إلى التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة وإيجاد حال من عدم الاستقرار فيها.

ثمة محاولة أردنية متواضعة قام بها عبدالله الثاني، عن طريق خطابه أمام البرلمان الأوروبي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والخروج من الوضع الكارثي القائم. قال بكل بساطة: «الآن نحن على مفترق طرق آخر حاسم في تاريخنا، مفترق طرق يتطلب الاختيار بين السلطة والمبدأ بين حكم القانون وحكم القوة». أوضح أن «الأمر لا ينطبق على غزّة فقط، فهذه ليست مجرّد لحظة سياسية أخرى لتسجيل المواقف، بل إنّه صراع في شأن هويتنا كمجتمع عالمي في الحاضر والمستقبل. من المرجح أن يكون هذا العام هو عام القرارات المحوريّة لعالمنا بأسره. سيكون للقيادة الأوروبيّة دور حيوي في اختيار الطريق الصحيح ويمكنكم الاعتماد على الأردن كشريك قويّ لكم».

نعم الأردن شريك قوي. تكمن أهمية عبدالله الثاني، في أنّه لم يفقد يوماً البوصلة السياسية التي تقود إلى الأمن والاستقرار مستقبلاً. في صيف 2002، حذر عبدالله الثاني، الرئيس الأميركي (وقتذاك) جورج بوش الابن، من مغامرة العملية العسكرية في العراق. لم يستمع بوش الابن إلى النصيحة. ما لبث العاهل الأردني أن حذر من النتائج المترتبة على تسليم العراق على صحن من فضّة إلى إيران. كان ذلك في حديث إلى صحيفة «واشنطن بوست» في أكتوبر 2004. تحدّث وقتذاك عن سيطرة «الجمهوريّة الإسلاميّة» على بغداد ودمشق وبيروت. تبيّن أنّه كان على حق في كلّ كلمة قالها.

قبل ما يزيد على 21 عاماً، لم يكن هناك من يريد الاستماع إلى عبدالله الثاني، الذي ينادي منذ سنوات طويلة، قبل حرب غزّة الأخيرة، بضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة. يعرف العاهل الأردني أن لا استقرار في المنطقة من دون هذه الدولة، بموجب شروط معيّنة واضحة في طبيعة الحال تضمن أن تكون دولة مسالمة. هل من يريد الاستماع الآن؟

الكلام موجه حتماً إلى الجانب الإسرائيلي، إلى بنيامين نتنياهو بالذات، أي إلى رجل لن يذهب بعيداً في السياسة في حال أصرّ على أن الحروب المستمرة تخدم الاحتلال وتكرّسه على حساب شعب موجود على أرض فلسطين التاريخية ولا يمكن إزاحته منها... بغض النظر عمّا ستؤدي إليه الحرب الإيرانيّة – الإسرائيلية من نتائج!

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عبدالله الثاني ورفض الاستسلام للقوّة عبدالله الثاني ورفض الاستسلام للقوّة



GMT 21:11 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

“حكومة التعريفة” ولغز النفط وتسعير مشتقاته

GMT 21:11 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

فستان الرَّئيس «السَّابق»

GMT 21:10 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

ذاكرة شفوية منقوشة في جدار الزمن

GMT 21:09 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

ذاكرة شفوية منقوشة في جدار الزمن

GMT 21:08 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

قانون «الفجوة» ومرتكبو الجرائم المالية!

GMT 21:07 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

أهداف إسرائيل وحسابات سوريا الجديدة

GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

تعقيدات المفاوضات الأوكرانية

GMT 21:05 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

تغيير الخطاب وتعديل المسار

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 20:43 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مأساة أم مصرية تشعل مواقع التواصل بعد عرض أطفالها للبيع
 لبنان اليوم - مأساة أم مصرية تشعل مواقع التواصل بعد عرض أطفالها للبيع

GMT 21:44 2017 الأحد ,10 أيلول / سبتمبر

كيف تتحكمين في صرخات طفلك المحرجة؟

GMT 22:16 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ألوان الموضة لخريف وشتاء 2026 توازن بين الأصالة والابتكار

GMT 14:56 2023 السبت ,07 كانون الثاني / يناير

الطبابة في حوض الفولغا

GMT 09:27 2015 الثلاثاء ,14 إبريل / نيسان

موقع صحيفة "الحياة" يتعرض إلى القرصنة

GMT 12:39 2015 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

الأخطبوط يلجأ إلى حيل مثيرة للدهشة للإيقاع بالفريسة

GMT 07:35 2020 الجمعة ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

توماس باخ يؤكد أنهم مستعدون لإقامة أولمبياد طوكيو

GMT 22:11 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

دليل تنظيف اللابتوب

GMT 22:18 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

فالنتينو تخطف الأنظار بمجموعتها لموسم 2018

GMT 09:01 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

ماجد المصري ينتهي من تصوير فيلم خمس جولات
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon