أين أميركا في العراق

أين أميركا في العراق؟

أين أميركا في العراق؟

 لبنان اليوم -

أين أميركا في العراق

بقلم - خير الله خير الله

أين الولايات المتحدة في العراق؟ من الواضح أن هناك ضياعا أميركيا جعل إيران تشقّ صفوف السنّة وتأتي بالحلبوسي إلى موقع رئيس مجلس النوّاب. هذا إنجاز إيراني كبير في العراق.

إيران تشقّ صفوف السنّة عن طريق الحلبوسي
لا بدّ من النظر إلى ما جرى في العراق من زاوية العلاقة الأميركية – الإيرانية. هذا لا يعني أن التطورات الأخيرة التي شهدت تكليف عادل عبدالمهدي تشكيل الحكومة الجديدة وانتخاب الشخصية الوطنية المرموقة برهم صالح رئيسا للجمهورية ومحمد الحلبوسي (من سنّة إيران) رئيسا لمجلس النواب، كلّها سلبيات. يكفي أن يكون برهم صالح الكردي الذي يضع عراقيته فوق أي اعتبارات أخرى، رئيسا للجمهورية للقول إن شمعة أُضيئت في هذه الظلمة العراقية. لكن شخص برهم صالح وحده، بكل ما يمتلك من كفاءات وحسن نيّة ونزاهة وواقعية، لا يكفي لإخراج العراق من الدوامة التي أصبح في أسرها، خصوصا أن صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة بموجب الدستور الجديد. معظم الصلاحيات في يد رئيس الوزراء الشيعي الذي يمارس دور القائد الأعلى للقوات المسلّحة أيضا.

واضح أن إيران سجّلت نقاطا على الولايات المتحدة في العراق. فاز الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس″ في “الحرس الثوري” الذي يعتبر المسؤول الإيراني الأول عن ملفّ العراق، إذ لا يرسل تقاريره سوى إلى “المرشد” علي خامنئي، على المبعوث الأميركي الخاص برت ماكغورك. لم يحقق سليماني انتصارا حاسما على ماكغورك بعد، لكنّ كلّ الدلائل تشير إلى أن إيران استطاعت تحسين مواقعها في العراق بعدما فقدت الكثير في السنوات الأخيرة، أي منذ خروج نوري المالكي من موقع رئيس الوزراء في العام 2014. يكفي إيران أنّها استطاعت التخلّص من حيدر العبادي الذي اتخذ في الأشهر القليلة الماضية، خصوصا في مرحلة ما بعد الانتخابات التي أجريت في الثاني عشر من أيار – مايو الماضي، مواقف يفهم منها أنه وضع مصالح العراق فوق مصالح إيران. دفع العبادي ثمن رهانه على الدعم الأميركي وعلى وطنية عراقية، خصوصا في الأوساط الشيعية التي بدأت تظهر تذمرا من الطريقة التي أدارت بها إيران العراق منذ سلمتها إياه الولايات المتحدة على صحن من فضّة في العام 2003.

هناك الآن رئيس للجمهورية في العراق يمتلك قدرات كبيرة وصلاحيات محدودة. إنّه شخص عملي قبل أيّ شيء آخر. لا يمكن لبرهم صالح الإقدام على أي عمل متهور، خصوصا أنه مطّلع على كل الملفات، إضافة إلى أنه يعرف في العمق الأهمية الجغرافية لإيران، على الصعيد الإقليمي، بما في ذلك الحساسيات الموجودة بينها وبين الأكراد. لا يمكن القول إن برهم صالح معاد لإيران أو أنّه في جيبها، لكنّ الملفت أنّه على علاقة طيبة بالقوى الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول أوروبا في الوقت ذاته.

يستطيع برهم صالح لعب دور يصبّ في إعادة الهدوء والاستقرار والطمأنينة إلى العراق في ظلّ المشاكل الكبيرة التي يعاني منها البلد. ستزداد هذه المشاكل في مرحلة ما بعد العقوبات الأميركية الجديدة على إيران التي تدخل حيز التنفيذ في الأسبوع الأوّل من تشرين الثاني – نوفمبر المقبل. سيكون مطلوبا من العراق الانحياز إلى إيران انحيازا كاملا. هذا ما رفضه العبادي. وهذا ما دفع ثمنه غاليا، أقلّه حتّى الآن. وهذا ما دفع إيران إلى تأديبه.

سيكون لبرهم صالح دور على الصعيد الوطني وإن في حدود معيّنة هي حدود صلاحياته كرئيس للجمهورية. ولكن ماذا عن عادل عبدالمهدي؟ ماذا يعني حدوث التقاء بين الأميركيين والإيرانيين والمرجعية الشيعية عند هذه الشخصية السياسية من خارج “حزب الدعوة” الذي يمتلك تاريخا حافلا بالتقلبات السياسية. بدأ بعثيا وانتهى لدى “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” الذي أسسه محمد باقر الحكيم. مرّ، مثله مثل الكثير من الشباب المتحمس الباحث عن حيثية بتقلبات. التحق بالتيار الماوي (نسبة إلى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ) الذي قاتل النظام العراقي في منطقة الأهوار جنوب العراق مطلع سبعينات القرن الماضي. بعد فشل تلك التجربة، انتقل إلى لبنان والتحق بما يسمّى “الكتيبة الطلابية” لحركة “فتح” التي قاتلت الميليشيات المسيحية اللبنانية في الجبال العالية في العام 1976 و1977. خرج بعد ذلك مع المقاتلين الفلسطينيين الذين انسحبوا من لبنان صيف العام 1982.

لا شكّ أن عادل عبدالمهدي يمتلك تجربة سياسية غنيّة. هل ستساعده هذه التجربة في تغيير شيء في العراق بعدما خبر اليسار ومغامراته وتجربة الأحزاب الدينية؟ سيعتمد الكثير على الهامش الذي ستتركه له إيران. لكن السؤال الأهمّ سيكون مرتبطا بالشارع العراقي، ومطالب الناس التي انتفضت على السلطة صيف هذه السنة. هل لدى عبدالمهدي أي حل من أي نوع لأزمة الكهرباء والمياه وللفوضى الأمنية. ما الذي سيفعله عندما سيتوجب عليه مواجهة أزمة معيشية من النوع الذي تعاني منه مدينة مثل البصرة؟

كان ملفتا أن الجنرال سليماني لعب لعبة في غاية الدهاء. أوصل عادل عبدالمهدي إلى موقع رئيس الوزراء بفضل كتلتي “سائرون” و”الفتح”، أي بواسطة مقتدى الصدر وهادي العامري، الذي هو في الوقت ذاته زعيم ميليشيا مذهبية منضوية تحت “الحشد الشعبي”. عاجلا أم آجلا، سيتوجب على رئيس الوزراء العراقي تحديد موقف من الدور الذي سيلعبه “الحشد الشعبي” في تحديد مستقبل العراق. في النهاية لا يمكن لميليشيات مذهبية حكم العراق وأن يكون الجيش العراقي مجرّد متفرّج على ما يدور في البلد، اللهمّ إلا إذا كان المطلوب تكرار تجربة إيران الفاشلة في العراق، أي تحوّل “الحشد الشعبي” إلى الممسك بمفاصل السلطة في البلد، كما عليه الحال مع “الحرس الثوري” في إيران. هل جيء بعادل عبدالمهدي لتنفيذ هذه المهمة الإيرانية؟ هل يقبل بلعب هذا الدور، وهو الذي منعته إيران في 2005 من أن يكون رئيسا للوزراء؟

يبقى سؤال في غاية البساطة. أين الولايات المتحدة في العراق؟ من الواضح أن هناك ضياعا أميركيا جعل إيران تشقّ صفوف السنّة وتأتي بالحلبوسي إلى موقع رئيس مجلس النوّاب. هذا إنجاز إيراني كبير في العراق. للمرّة الأولى هناك كتلة سنّية تابعة لها في مجلس النواب العراقي. يشبه ما فعلته إيران في العراق ما حاولت عمله في لبنان عبر تقليص عدد نوّاب “كتلة المستقبل” في المجلس النيابي، إذ ركزت بكلّ الوسائل، عبر أدواتها في الداخل اللبناني، على إنجاح مرشحين سنّة معادين للرئيس سعد الحريري، وذلك في سياق مشروعها الهادف إلى بسط وصايتها على البلد كله.

مرّة أخرى، لا مفرّ من الاعتراف بأن إيران سجلت نقاطا على الولايات المتحدة في العراق. لكنّ ما لا مفرّ منه في المقابل هو التساؤل ما الذي سيؤول إليه الوضع في إيران؟ هل الولايات المتحدة جدّية في الذهاب إلى النهاية في تخيير إيران بين أن تكون دولة طبيعية في المنطقة، أو تدفع ثمن مغامراتها خارج أرضها، مغامراتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين على وجه التحديد. يبدو أن تمزيق الولايات المتحدة لاتفاق الصداقة مع إيران للعام 1955، والذي أعلن عنه وزير الخارجية مايك بومبيو لا يشير إلى أن التفاهم الأميركي-الإيراني على تولي عادل عبدالمهدي موقع رئيس الوزراء في العراق يتجاوز حدود العراق…

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أين أميركا في العراق أين أميركا في العراق



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 11:59 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

يتحدث هذا اليوم عن مغازلة في محيط عملك

GMT 20:21 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 14:39 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:04 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 04:58 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 19:17 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

التيشيرت الأبيض يساعدك على تجديد إطلالاتك

GMT 19:02 2021 الثلاثاء ,21 كانون الأول / ديسمبر

النجمة يخرج العهد من كأس لبنان

GMT 18:52 2021 الأربعاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

الجامعة اللبنانية وزعت نبذة عن رئيسها الجديد بسام بدران

GMT 15:33 2021 الإثنين ,05 تموز / يوليو

46 حالة جديدة من متحوّر “دلتا” في لبنان

GMT 18:30 2021 الثلاثاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مالك مكتبي يعود بموسم جديد من "أحمر بالخط العريض"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon