أيّ تغيير للبنان

أيّ تغيير للبنان؟

أيّ تغيير للبنان؟

 لبنان اليوم -

أيّ تغيير للبنان

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

منذ 2019 يتصرّف النظام اللبنانيّ، في مجموعه، مستنداً إلى درجة هائلة من الثقة بأنّ شيئاً لن يتغيّر. فهو، رغم حجم الكارثة، لا يقدّم أيّ تنازل مهما كان التنازل شكليّاً، وفي أيّ من المجالات السياسيّة والاقتصاديّة، معتبراً أنّ التحدّي الذي واجهته به «ثورة تشرين» لا يعدو كونه سحابة صيف. يقال هذا وفي البال ما هو أكثر من هزيمة الثورة: فتسيير البلاد لم يمضِ على حاله فحسب، بل استمرّ في طريق من التردّي المتعاظم الذي يصعب التكهّن بنهاياته.
أمّا حين ندخل في تفاصيل العمل الشعبيّ، فنجد أنّ تقديرات النظام مصيبة ودقيقة: فالاستنهاض الجماهيريّ، الذي عبّرت عنه «ثورة تشرين»، صار أشبه بالمستحيل. ومن جهة أخرى، فإنّ الثمرة السياسيّة التي مثّلتها كتلة النوّاب «التغييريّين» لم يبقَ منها الكثير، في حين لا تقلّ الآمال التي تبخّرت عن عجز الكتلة النيابيّة المتواضعة نفسها عن البقاء كتلةً واحدة.
هذه العجالة لا تطمح إلى ما هو أكثر من طرح عناوين عامّة وعريضة تطال بعض المصطلحات والشعارات التي شاعت في السنوات القليلة الماضية، ومن ثمّ امتحان جدارة تلك الشعارات في الماضي، ولكنْ خصوصاً في المستقبل. والمرجوّ، بطبيعة الحال، لا يتعدّى تقديم إحدى المساهمات التي قد تمهّد لنقاش أوسع يعيد الاعتبار إلى تعقيد الوضع اللبنانيّ، ولا سيّما تعقيد التفكير بتغييره.
فهل شعار «كلّن يعني كلّن» كان في محلّه؟ والأهمّ، هل يتيح شعار كهذا أيّة فرصة للسياسة وللتحالف مع هذا الفريق أو ذاك ممّن ينضوون في «كلّن»؟
في البداية نشأ هذا الشعار كي يعلن ضمّ «حزب الله» إلى الجماعة الحاكمة بعدما كان السائد تنزيهه وتبرئته بوصفه «مقاومة»، لكنّ تجربة الثورة لم تبيّن فقط أنّ الحزب جزء من تلك الجماعة، بل كشفت كذلك أنّه حاميها الفعليّ؛ إذ هو فصيلها الصداميّ وموقعها الأخير في الوقت نفسه.
وهنا عاد البديهيّ الذي كان غائباً يفرض نفسه: هل يمكن أن يتساوى فاسد يحمل السلاح وفاسد لا يحمله؟ وهل يتعادل الفاسد الذي يثبّت البلد في وضعيّة إقليميّة تدمّر مصالحه، والفاسد الذي يراهن على وضعيّة إقليميّة تخفّف عبء الكارثة الاقتصاديّة وإن أدّت إلى التستّر على فساده؟
هذه الفوارق لا يلحظها الشعار المذكور، علماً أنّ لحظه لها كان يؤدّي إلى مشكلة أخرى، هي التعجيل في تحويل الثورة إلى اصطفاف أهليّ من النوع الذي تعرفه الحروب الأهليّة. هنا يكمن وجه التعقيد الأكبر، إن لم يكن الاستعصاء، الذي ينطوي عليه الوضع اللبنانيّ.
يعبّر عن هذا الاستعصاء مصطلح آخر طرحته الثورة هو «المنظومة». والتعبير هذا ربّما عكس رغبة القيّمين عليه في تجنّب الوقوع في أسر التحديدات السياسيّة والاقتصاديّة النمطيّة والملزمة. مع هذا فإنّ «المنظومة» لا تملك إلاّ أن تذكّر بمفاهيم كـ«الدولة العميقة» أو «الطغمة العسكريّة» التي أريدَ منها التوكيد على عزلة من يسوسون المجتمع بالقوّة والقهر، أو على خفائهم. فهل «المنظومة» اللبنانيّة هي فعلاً معزولة، أو أنّها، على العكس، تمثيليّة جدّاً توفّر الانتخابات الدوريّة مناسبة لإشهار تمثيليّتها المرتكزة على النظام الطائفيّ، وعلى قيمه في التزلّم والتنفيع والتبعيّة؟
فإذا كانت الحال هكذا، بات من المُلحّ أن يعاد النظر بتطبيق الرؤية الكلاسيكيّة البسيطة عن الثورة (شعب ضدّ فئة ظالمة) على بلد كلبنان. هنا، للأسف، يعيش الصدام بين شعب وسلطة في جوار صدامين؛ واحد بين الشعب والشعب، وآخر بين السلطة والسلطة.
وما لا يُنتَبه غالباً إليه أنّ الفراغ الرئاسيّ نفسه يواجهنا بهذه الحقيقة المُرّة: ذاك أنّ حالة من الوحدة الشعبيّة في مواجهة السلطة كانت كفيلة بدفع هذه الأخيرة إلى الوحدة، وإلى سدّ ما يعتريها من فجوات على رأسها الفراغ الرئاسيّ، أو عدم تنفيذ برنامج الإصلاحات. فحين لا يحصل ذلك بعد «ثورة تشرين»، كما قبلها، نكون أمام صراع داخل «المنظومة» ينمّ عن عدم اكتراثها بالثورة.
هذه الانسدادات لا تستطيع أن تتحايل عليها شعارات أخرى من نوع «السيادة» و«السياديّة». ذاك أنّ الاستخدام اللبنانيّ لهذا المفهوم يجعله صعب الانطباق، لا سيّما في عالمنا المعولم، على بلدان أقوى وأكبر كثيراً من لبنان. ونعرف أنّ «السياديّين» اللبنانيّين لن يستطيعوا بمفردهم، ومن دون دعم أجنبيّ، عربيّ أو دوليّ، زحزحة الكابوس الإيرانيّ عن صدورهم. فالأحرى، بالتالي، الاستعاضة عن إنشائيّات «السيادة» بالدعوة إلى سيادة محدودة ومتواضعة يكون محكّها مدى التوافق مع مصالح اللبنانيّين، خصوصاً منها الاقتصاديّة، لكنْ هنا أيضاً يرتسم الانسداد في أفق العمل السياسيّ: فمبدأ السيادة المحدودة والمحكومة بمصالح اللبنانيّين هو أكثر ما يلقى الرفض من قبل قطاع عريض من اللبنانيّين أنفسهم آثر المعبّرون عنه نبذ كلّ توجّه نفعيّ ووضعه، بوصفه «عاراً»، في مقابل «الكرامة» و«الشرف».
يقودنا هذا الانشقاق النوعيّ والشامل في الحياة اللبنانيّة، حيث الدروب كلّها مسدودة، إلى إيلاء اهتمام أكبر بما لم تطرحه «ثورة تشرين»، وما لا تأخذ به اللغات السياسيّة السائدة التي تبسّط أمر «الوحدة الوطنيّة» كما تبسّط تجاوز اللبنانيّين المزعوم للطائفيّة، أو كونهم مجرّد ضحايا لمؤامرة أو احتلال خارجيّين. فالذين يقولون بكسر الشكل المركزيّ السائد، وكسر السياسات الخارجيّة والدفاعيّة التي تصاحبه، أو الذين يقولون بالتدويل بعد استنفاد العلاجات الداخليّة كلّها، يستحقّون أن نستمع إليهم، وأن نتعامل بجدّيّة أكبر مع أقوالهم الجدّيّة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيّ تغيير للبنان أيّ تغيير للبنان



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 01:56 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

«العيون السود»... وعيون أخرى!

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:43 2022 الإثنين ,09 أيار / مايو

أفضل النظارات الشمسية المناسبة لشكل وجهك

GMT 16:11 2023 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الاثنين 10 أبريل / نيسان 2023

GMT 17:41 2020 الجمعة ,11 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أنواع الشنط وأسمائها

GMT 00:08 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

وزارة الصحة التونسية توقف نشاط الرابطة الأولى

GMT 09:34 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

بريطانيا تُحقق في اغتصاب جماعي لفتاة بعالم ميتافيرس

GMT 12:31 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

أفضل أنواع الماسكارا المقاومة للماء

GMT 08:54 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

جينيسيس تكشف عن G70" Shooting Brake" رسمياً

GMT 20:21 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 3 مايو/ أيار 2023
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon