لمن تعتذر حنين غدّار

لمن تعتذر حنين غدّار؟

لمن تعتذر حنين غدّار؟

 لبنان اليوم -

لمن تعتذر حنين غدّار

حازم صاغية

ليس سرّاً أنّ اللبنانيّين منقسمون حول الطريقة التي يُدار بموجبها خلافهم مع إسرائيل، وانقسامهم هذا إنّما يتفرّع إلى أبواب عدّة:
- فهل ثمّة ما يبرّر إبقاء السلاح في أيدي بعضهم وتحويل بعضهم الأكبر إلى مُستَضعفين في مواجهته؟،
- وهل تكفي مزارع شبعا، التي لم تعترف الدولة السوريّة أصلاً بلبنانيّتها، سبباً لعسكرة الحياة اللبنانيّة، من دون أن يُختبر حلّ المسألة سياسيّاً؟،
- وهل يجوز مطّ المقاومة لإسرائيل بحيث تغدو ذريعة مطلقة لكلّ شيء، بحيث تجيز أعمالاً في حجم التورّط المسلّح في النزاع السوريّ دعماً للنظام القائم؟،
- ثمّ ما معنى «المقاومة» بعد القرار 1701 الذي أغلق الجبهة مع إسرائيل ولم يُبق سوى الداخل اللبنانيّ وجهةً لفوهة البندقيّة المقاومة؟
هذه، وغيرها ممّا يتّصل بها، مسائل خلافيّة، وخلافيّة جدّاً، بين اللبنانيّين. لكنّ الأعوام الثلاثين المنصرمة، ومعظمها يندرج في زمن الوصاية السوريّة، أحلّت تأويلاً واحداً، قاطعاً ومُلزماً، لما هو جائز وما هو غير جائز في السلوك والعرف والقانون.
وبين الواقع المنقسم انقساماً عريضاً، والتأويل الأحاديّ المنحاز والصارم، ثمّة تناقض لم يعد محتملاً، تناقضٌ نصطدم يوميّاً بواحد من تعبيراته الكثيرة.
لكنّ وضعاً كهذا لا يجيز سوى اجتهاد واحد يُقدّم بوصفه فصل الخطاب، وهو الاجتهاد الذي يطابق التأويل الأحاديّ المفروض. وهذا حقّ المجتهدين الأفراد الذين يُدرجون في التطبيع زيارة البطريرك الراعي لمسيحيّي فلسطين/إسرائيل، وإجراء صحيفة «هآرتز» مقابلة مع الروائيّ الياس خوري، ومداخلة الزميلة حنين غدّار في مؤتمر في واشنطن. ويحقّ للمجتهدين هؤلاء، نسجاً على المنوال «الثقافيّ» الذي أرسته سنوات الوصاية، أن يصموا بالتطبيع ترجمة رواية عبريّة إلى العربيّة، أو استقبال فرقة موسيقيّة عزفت في إسرائيل.
لكنْ من غير المنطقيّ، ومن غير المقبول، أن يُمنع الاجتهاد المعاكس، ليس فقط بسبب الانقسام اللبنانيّ العريض، بل أيضاً بسبب الغموض الذي يكتنف معنى هذه الكلمة الملغزة والمطّاطة: «تطبيع».
هكذا يصير هذا التأويل الأحاديّ، شاء أصحابه ذلك أم أبوا، سلطة جائرة لا تقرّ بشرعيّة وجهات النظر الأخرى في أمور خلافيّة جدّاً. وهي حكماً سلطة لا تستمدّ قوّتها من حجّتها ما دامت الحجّة المقابلة متّهمة بالخيانة، بل تستمدّها من... سلاح «حزب الله».
وما دام التأويل السائد، المسنود بالسلاح المذكور، آخر ما تبقّى من سلطات عهد الوصاية، فهو لا يتردّد في استخدام سائر الوسائل التي تُبقيه سلطةً، من الشتائم وتشويه السمعة والوشاية المكارثيّة إلى التهديد المباشر.
فإذا كان التخوين، في ظلّ انتشار السلاح، يعرّض حياة المخوَّن للخطر، فإنّ استحضار العائلة في مواجهة الفرد وتفكيره الحرّ تقتل أيضاً.
وهذا، بالضبط، ما فعله الاستنجاد بالعائلة، أكانت فعليّة أم متوهّمة، في مواجهة حنين غدّار. فهنا، وفقاً لهذه المنظومة الثقافيّة المتخلّفة التي تردع كلّ رأي فرديّ قد يتوصّل إليه صاحبه، تُطرح في الواجهة صور الشريد والطريد والخليع والصعلوك... وهؤلاء أفراد حشرات «رُفع عنهم غطاء عائلاتهم» وباتت دماؤهم مشاعاً.
فالرأي الصائب لا يصدر عن أفراد أحرار، بل عن جماعة تزعم تمثيل «الأمّة»، في عدادها «العائلة» التي تفكّر وتخطّط. وهذا، بالطبع، تقدّميّ بما فيه الكفاية. وبموجب تأويل كهذا تصير حنين غدّار، التي لم تلتق إيهود باراك ولا صافحته، مُطالَبة بالاعتذار من بشّار الأسد الذي صافح الرئيس الإسرائيليّ موشي كاتساف، أو من حكمت الشهابي وفاروق الشرع حين كانا في قمّة السلطة السوريّة وفاوضا الإسرائيليّين وجهاً لوجه!
إنّ الاستبداد، في وجه من وجوهه، دجل محض.

 

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لمن تعتذر حنين غدّار لمن تعتذر حنين غدّار



GMT 21:51 2024 الأحد ,26 أيار / مايو

لبنان المؤجَّل إلى «ما بعد بعد غزة»

GMT 20:10 2024 السبت ,25 أيار / مايو

مفكرة القرية: السند

GMT 20:02 2024 السبت ,25 أيار / مايو

الإصغاء إلى «رواة التاريخ»

GMT 19:58 2024 السبت ,25 أيار / مايو

القضية الفلسطينية في لحظة نوعية

GMT 19:56 2024 السبت ,25 أيار / مايو

الدولة الفلسطينية ودلالات الاعترافات

GMT 19:51 2024 السبت ,25 أيار / مايو

ذكريات العزبى!

GMT 19:49 2024 السبت ,25 أيار / مايو

حوارات إستراتيجية !

GMT 19:45 2024 السبت ,25 أيار / مايو

«شرق 12»... تعددت الحكايات والحقيقة واحدة!

إطلالات الملكة رانيا في المناسبات الوطنية تجمع بين الأناقة والتراث

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 08:00 2022 الأحد ,08 أيار / مايو

طرق ارتداء الأحذية المسطحة

GMT 07:11 2019 الأربعاء ,08 أيار / مايو

المسحل ينسحب من الترشح لرئاسة اتحاد القدم

GMT 07:22 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

مرسيدس تكشف النقاب عن نسختها الجديدة GLC

GMT 11:13 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.2 درجة يضرب بحر إيجة جنوب غربي تركيا

GMT 10:32 2021 الأربعاء ,11 آب / أغسطس

جرعة أمل من مهرجانات بعلبك “SHINE ON LEBANON”

GMT 12:25 2022 الإثنين ,04 تموز / يوليو

أفضل العطور للنساء في صيف 2022

GMT 12:53 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 12:13 2024 السبت ,25 أيار / مايو

نانسي عجرم بإطلالات شبابية مرحة وحيوية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon