«الربيع العربيّ» متى نقول إنّه فشل

«الربيع العربيّ»: متى نقول إنّه فشل؟

«الربيع العربيّ»: متى نقول إنّه فشل؟

 لبنان اليوم -

«الربيع العربيّ» متى نقول إنّه فشل

حازم صاغيّة

باتت هناك قناعة مشتركة تجمع بين أوساط واسعة من المشاركين في ثورات «الربيع العربيّ»، ومن مؤيّديها والمتحمّسين لها، مفادها أنّ تلك الثورات ستُغرق مجتمعاتها قبل أن تُنقذها، وأنّ هبوطاً حادّاً سوف يسبق الصعود المرتجى. ويمكن أن يقال الشيء نفسه بلغة أخرى هي: أنّ الثورات لن تطرح الحلول قبل أن تطرح المشاكل التي ظلّت لعقود ممنوعة من الإعلان عن نفسها، تصادرها «انتصارات» الحاكم المزعومة و «إنجازاته» الكاذبة. هذا التقدير، في أغلب الظنّ، صحيح، وصحّته هي ما يبرّر، على رغم كلّ شيء، الوقوف على أرض «الربيع العربيّ» وتحمّل الأكلاف الباهظة التي يرتّبها. لكنّ ذلك لا يعني أنّ الأكلاف تبقى محتملة حتّى لو فاقت المكاسب التي يُفترض بهذا «الربيع» أن يأتي بها. فأين يُرسم الخطّ الحدوديّ للأكلاف الذي يكون عبوره إعلاناً عن فشل «الربيع العربيّ» وثوراته؟ هنا، ومع ملاحظة التفاوت بين بلد وآخر، وبين ثورة وأخرى، قد يجوز القول بأنّ الخطّ الحدوديّ هو الإفضاء إلى حروب أهليّة مفتوحة، أو إلى فوضى بلا أيّ أفق سياسي، على نحو تتعزّز معه القناعة بانعدام كلّ قدرة على حكم البلد المعنيّ، كائناً من كان لون الحاكم. وهذا ممّا يمكن قوله في سورية خصوصاً ولكنْ أيضاً في ليبيا، وربّما مصر. كذلك يرتسم الخطّ الحدوديّ إذا ما انتهينا إلى موت معمّم ومفتوح، وصولاً، في الحالة السوريّة تحديداً، إلى استخدام السلاح الكيماويّ، من دون ردّ خارجيّ رادع. في حال كهذه، يكون في وسع وحشيّة الحاكم، بالتواطؤ مع ضعف الحساسيّة الإنسانيّة للدول القادرة، أن تدمّر كلّ شيء. هنا تندفع الحياة ذاتها إلى حالة صفريّة لا مكان معها للسياسة أو للانتصارات. ويرتسم الخطّ الحدوديّ إذا ما آلت بنا الأمور، في عموم المنطقة، إلى أصوليّات وطيدة حاكمة تعطّل السياسة وتنهي كلّ قدرة على زحزحتها عن مواقعها في السلطة. هنا أيضاً، ومع إخضاع النساء والحياة الثقافيّة والفكريّة، تكون كلفة التغيير باهظة جدّاً، تتهدّد معها المرتكزات العميقة لإعادة إنعاش الصلب الاجتماعيّ وديناميّاته. والشيء نفسه يقال في حال فراغ المنطقة من أقليّاتها الدينيّة والمذهبيّة، أو من كوادر الطبقات الوسطى ومتعلّميها: في الحالة الأولى، يُطاح التعدّد الآن وغداً، وفي الحالة الثانية، تغدو السياسة، حتّى إشعار بعيد آخر، أضغاث أحلام. لكنّ هذه جميعاً لا تزال احتمالات بعيدة تصارعها احتمالات أخرى واعدة وداعية إلى التفاؤل. وما الحيويّة التي تبديها الحركات الشبابيّة والنسويّة والثقافيّة، خصوصاً في تونس ومصر، غير عنصر مشجّع على هذا الافتراض. وذلك فضلاً عن فشل الحكّام الإخوانيّين، في البلدين المذكورين، في فرض حكم إخوانيّ. وهذا وسواه مما يبرّر استمرار الوقوف على أرض «الربيع العربيّ». إلاّ أنّه، وفي ما لو حصل العكس، فهذا لن يكون، بحال من الأحوال، سبباً للاعتذار من الأنظمة التي تسبّبت بقسط كبير من أيلولة الأوضاع إلى ما آلت إليه، وإن كان سبباً لإعادة النظر في الأوضاع والتراكيب العميقة لمجتمعاتنا وقوانين اجتماعها الرديئة. نقلاً عن "دار الحياة"

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الربيع العربيّ» متى نقول إنّه فشل «الربيع العربيّ» متى نقول إنّه فشل



GMT 20:03 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

دومينو نعمت شفيق

GMT 20:01 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

معايير عمل البلدية

GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 19:29 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 19:26 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 19:23 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 12:56 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 15:46 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

وفاة الممثل السوري غسان مكانسي عن عمر ناهز 74 عاماً

GMT 18:24 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مصطفى حمدي يضيف كوتة جديدة لمصر في الرماية في أولمبياد طوكيو

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 19:00 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

لصوص يقتحمون منزل الفنان كيانو ريفز بغرض السرقة

GMT 13:02 2022 الثلاثاء ,07 حزيران / يونيو

توقيف مذيع مصري بعد حادثة خطف ضمن "الكاميرا الخفية"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon