لمحاربة «داعش» ثمنٌ في العراق وسورية

لمحاربة «داعش» ثمنٌ في العراق وسورية

لمحاربة «داعش» ثمنٌ في العراق وسورية

 لبنان اليوم -

لمحاربة «داعش» ثمنٌ في العراق وسورية

عبدالوهاب بدرخان

كان لا بد من العودة بالإسلام إلى أحلك مراحله، وأن تُطرح مسألة «الخلافة» على هذا النحو الدموي المقترن بالإرهاب، والكاريكاتوري الأسود، لكي يستطيع المشروع الإيراني تقديم نفسه كـ «بديل» نموذجي يبدو فيه «الولي الفقيه»/ المرشد نسخةً منقّحة من «الخليفة الراشد» يلمّ صاحبها بتعقيدات العصر ومتطلّباته، ويستطيع أن يقارع الدول الكبرى ويقلقها ويجبرها على الاعتراف به ندّاً وقوة إقليمية. والحال أنه يعبث حالياً بمصير بلدين عربيين كبيرين كانا بنظاميهما مصدر قلق للعرب والغرب معاً، إن لم يكن باستبدادهما بشعبيهما فبرعونتهما والأدوار التي تنطّحا لها. استفادت إيران من سورية ومن الفلسطينيين (في لبنان) للذهاب إلى ثورتها، ومن حربها مع العراق للمضي في التسلح، ثم بعد سقوط النظام السابق في بغداد لاستعادة «الإمبرطورية الفارسية». ولا شك في أنها تناولت، كإسرائيل، مسألة الإرهاب واستغلّتها ضد العرب، وها هي تتموضع لتكون المستفيدة الوحيدة من تزاوج «الإرهاب والخلافة» إن لم يكن مذهبياً فبتكريس النفوذ.
ما أصل الأزمة في سورية والعراق؟ الاستبداد وليس الإرهاب، وإن أصبحا صنوين مترادفين. وحشية النظام في سورية ذهبت إلى أقصى ما يمكنها التخريب، ووحشية النظام البعثي في العراق التي نقلت كل أمراضها بالوراثة إلى من تولّوا بعدها. وكلا الوحشيتين تخصّبت في مفاعلات الأيديولوجية الإيرانية، وبنسب عالية جداً، لتقصيا أي إمكانٍ لـ «تعايشٍ» أو حتى «محاصصة» في أفضل ما تعنيه من توازنٍ للحكم، أو أسوأ ما تضمره من انعدام ثقة. فالحكم لمن اختاره «الخليفة/ المرشد» وبإمرته وأجندته وبالأسلوب الذي حدّده وبشعار «الممانعة» المخاتل الذي يرفعه. وهذا ما ضخّم التعنت والتشبث بالسلطة واحتقار الشعب التي لم يفتقدها هذان النظامان أصلاً. لكن هذا ما ضخّم أيضاً مشكلة الحكم ليس في سورية والعراق فحسب، بل في كل مكان تتدخّل فيه إيران. ففي اليمن انتظر حوثيو إيران ارتسام خريطة الطريق الوطنية ليبدأوا العبث بها وتخريبها وصارت «الممانعة» ضد الدولة تعادل حماية تنظيم «القاعدة» ودعاة الانفصال في الجنوب. وفي البحرين تمارس المعارضة نهج «اللاحوار الوطني» لتفرض «ممانعتها» الخروج من الأزمة وعودة والوئام. وفي لبنان تشارف الدولة على الانهيار بسبب تجاوزات «حزب الله» و «ممانعته» وجودها. ولا ننسى تدخل إيران في فلسطين وتوفيرها الذريعة لإسرائيل لفرض «الممانعة» على التفاوض مع السلطة وعلى المصالحة بين «فتح» و «حماس» وعلى انبعاث أي مشروع وطني فلسطيني جديد.
كلّها مشاكل حكم تحاول طهران معالجتها وحلّها بسياسة اليد الغليظة، لكنها اصطدمت أخيراً بتجاهلها «حقائق» كل بلد، أو بلغت اللحظة التي تتطلّب من «ولاتها» وأتباعها أن يحسموا خياراتهم أو تحسم هي مصيرهم. احترق نوري المالكي ولم يعد إنقاذه متاحاً لكن، «لحسن الحظ» يمكن استبداله بـ «شيعي» آخر من حزبه أو من كتلته. واحترق بشار الأسد ولم يعد إنقاذه متاحاً و «لحسن الحظ» يمكن استبداله بـ «علوي» آخر لكن قطعاً ليس من عائلته. في البلدين استخدمت إيران الإرهاب ورقة بوجهين، واحدٌ لإظهار نظاميها في سورية والعراق كضحيتين، وآخر لتظهير «تطرف» المعارضتين وخطورة إيوائهما الإرهاب. ومن الواضح أنها استهلكت ورقة الإرهاب، وأن السحر انقلب على الساحر، تماماً كما جازفت ودفعت الوضع في البلدين إلى حافة التفكيك والتقسيم. صحيح أن هذا يعزز أوراق المساومة مع القوى الدولية، لكن هل تسعى إيران – «الخليفة/ المرشد» إلى التقسيم فعلاً، أم تريد المساومة فحسب. في أي حال بدا «الخليفة البغدادي» وكأنه سبقها فحدّد خياره.
لكن المواجهة مع إرهاب «داعش» فرضت نفسها، بل فرضت على المالكي استدعاء تدخل أميركي، بل إن تنظيم «داعش» زاد الأزمتين السورية والعراقية ترابطاً. وكلما تداخلتا تشابهت العقبات التي تؤخر معالجتهما، وكل تأخير يعني استغلالات تفكيكية من النوع الذي سارع إليه الأكراد في ضمهم كركوك واستعدادهم للاستفتاء على الاستقلال. أما «داعش» فيستغلّ الوقت الضائع مواصلاً تغيير الحدود والتمدد جغرافياً وحتى اجتماعياً، ليجعل من أي حرب عليه أكثر صعوبة وتعقيداً. لعل ترحيب بنيامين نتانياهو بـ «الاستقلال» المرتقب لكردستان كان موجّهاً أكثر لزعزعة الحسابات الإيرانية منه إلى التعبير عن رغبة إسرائيلية معروفة في رؤية دويلات ضعيفة ومتناحرة بالقرب منها. لكن طهران التي انتقدت أربيل لم تقل كلمتها الأخيرة بعد في ما يخص التفكيك والتقسيم، إذ إن لها مصلحة فيه لكنها غير واثقة بمنع وصول عدواه إلى داخلها.
الحرب على «داعش» قد تصبح مغامرة طويلة إذا لم تحصّن سياسياً، ما رفضه المالكي ولم يرده الأسد، فكلاهما من مدرسة تجهل مفهوم السياسة. سعت واشنطن في تدخلها المستجدّ إلى فرملة الاندفاع عراقياً نحو التقسيم، على رغم أن الواقع بات يفرضه، لكنه في الوقت الحالي يخدم مشروع «داعش»، وإذا اقتضته الظروف فلا بد من إنضاجه لمنح كل «قطعة» مقومات الحياة والأمان. لذلك، يراد إعطاء الحل السياسي فرصة أخيرة، فلا شيء يضمن التعايش السنّي - السنّي ولا التعايش الشيعي - الشيعي، فـ «حقائق» البلد تبقى أكثر تأثيراً من أي مشروع للهيمنة. وطالما أن «داعش» فرض نفسه طرفاً لا يمكن التفاوض أو التعايش معه أو مجرد التفكير في جذبه إلى حلول سياسية طالما أنه صار «خلافة»، فالأحرى أن يصار إلى التعاون مع الأطراف التي بذل المالكي كل جهد لتهميشها. والمطلوب الآن هو ما كان مطلوباً وممكناً منذ عام 2006، على رغم التراكمات المفسدة التي أُضيفت إليه، أي تفعيل الدستور واحترام حقوق المكوّنات كافةً، وفي هذه الحال قد يكتفي الأكراد باستقلالية معزّزة مع دوام الارتباط بالعراق، لا لشيء إلا لأن لهم مصلحة في صيغة كهذه حتى إشعار آخر.
لكن هذا يفترض أن النظام في العراق لن يعود كلياً دمية في يد قاسم سليماني. وإذا حصل فسيكون بمثابة إعلان بإخفاق الإدارة الإيرانية لهذا النظام، إذ منعته من إنصاف السنّة ودفعته إلى استتباعهم. لكن هذا هو ثمن محاربة جدّية للإرهاب، إذا استمرّت إيران معنية بها. تلقائياً، هناك أيضاً إسقاطات على الإدارة الإيرانية للأزمة السورية، فلا يمكن الاعتراف بأن أخطاء المالكي تبرر رحيله، لأنها أوصلت العراق إلى ما هو عليه، من دون إقرار مقابل بأن أخطاء الأسد تبرر كذلك التخلّص منه، لأنها دفعت سورية إلى الواقع «الداعشي» الراهن. وإذا غدا إنصاف السنّة ثمناً لازماً وضرورياً لضرب الإرهاب، فهل يصحّ في العراق ولا يصحّ في سورية حيث هم غالبية واسعة. هذا يفترض أيضاً بلورة تفاهم إقليمي لضمان أي حلول سياسية حقيقية تمنع معاودة فئة التسلط على الفئات الأخرى. ولا بدّ من أن تفاهماً كهذا سينطوي بالضرورة على امتناع كل الأطراف، خصوصاً إيران، عن العبث بورقة «داعش».
كان أسامة بن لادن قد شوّه «الجهاد» ببُعده الديني. وكان حكّام كثرٌ شوّهوا مفاهيم المسؤولية والرعاية والعدالة. وكانت «ولاية الفقيه» أفسدت معاني الولاية ومزايا الفقه. فلا عجب أن ينتج الإفساد والمثابرة على التشويه معتوهاً يقود عصابة مسلحة، لا تلبث أن تسمّى «إمارةً»، ثم «دولةً»، ثم يعلن نفسَه «خليفةً»، لتبدو «دولة الخلافة» كما لو أنها حققت أخيراً «حلم المسلمين». ولوهلة تبرّع البعض شرقاً وغرباً بالقول إن «الخليفة إبراهيم/ أبو بكر البغدادي» ضرب ضربته وأحرج المسلمين، شعوباً وحكّاماً، فالناس ستصدّقه لأنه يقول أقوالاً ويفعل أفعالاً، ويظهر قوةً حيث يضعف «خلفاء» غير معلَنين وقدرةً حيث تعجز «حكومات» لا مرجعية دينية لها. ومنذ العقد السابق إلى الآن كان الآخر الذي يقول أيضاً ويفعل، وله مرجعية دينية، هو «الخليفة/ المرشد».

 

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لمحاربة «داعش» ثمنٌ في العراق وسورية لمحاربة «داعش» ثمنٌ في العراق وسورية



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 01:56 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

«العيون السود»... وعيون أخرى!

GMT 01:48 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

الإمارات.. إدارة الأزمة بفعالية

GMT 01:44 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الحسابات الإسرائيلية

GMT 01:43 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

أين ذهبت الرهائن؟

أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 05:12 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 تصرفات يقوم بها الأزواج تسبب الطلاق النفسي

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 17:12 2020 السبت ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الهلال السعودي يربط رازفان لوشيسكو بلاعبيه في الديربي

GMT 12:50 2022 الإثنين ,18 تموز / يوليو

ببغاء يُفاجئ باحثي بممارس لعبة تُشبه الغولف

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 10:04 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

النظارات الشمسية الملونة موضة هذا الموسم

GMT 18:33 2022 الإثنين ,09 أيار / مايو

ألوان الأحذية التي تناسب الفستان الأسود
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon