عيون وآذان خير جليس

عيون وآذان (خير جليس)

عيون وآذان (خير جليس)

 لبنان اليوم -

عيون وآذان خير جليس

جهاد الخازن

طلب مني الطبيب بعد أن ضمَّد جرحاً في ساقي تحت الركبة، أن أرتاح في البيت بضعة أيام ورجلي على وسادة مرتفعة لتعجيل الشفاء، ووجدت فرصة لم تتَح لي منذ عقود لأقرأ ما أريد لا ما يقتضيه عملي، فدراستي الجامعية كانت في الأدب العربي والدراسات الإسلامية لا الصحافة. ربما قرأت ما يزيد على 20 كتاباً وأنا في السرير بين العاشرة صباحاً وإلى ما بعد منتصف الليل. كانت هناك كتب أعدت قراءتها وكتب أخرى لم أجد الوقت لها عندما حصلت عليها. أعدت قراءة «عبقريات» عباس محمود العقاد، التي كنت أعجبت بها صغيراً، ولكن بعد زيادة معرفتي وعودتي إليها بعين الناقد، وجدت أن المؤلف المشهور غلب فيه التديّن على علمه الواسع، فهو حاول أن يجد أعذاراً للخلفاء الراشدين ولخالد بن الوليد في أخطائهم مع أنهم بشر يخطئون، وهم أول مَنْ يعترف بذلك. العقاد وجد عذراً للخليفة عثمان بن عفان وهو يقدم أهل بيته على الآخرين ويعينهم في مناصب الدولة، وبلغ به الأمر أنه تجاوز، أو أنكر أن الخليفة عيّن ابن أبي سرح، أخاه في الرضاعة، أميراً على مصر خلفاً لعمرو بن العاص، فنقض أهلها عهدهم مع المسلمين وذبحت حامية الإسكندرية سنة 645 ميلادية، وكانت ألف رجل، وعاد عمرو بن العاص في السنة التالية واحتل مصر مرة ثانية. الخليفة عمر كان من أعدل الناس، إلا أنه كان على عداء مع خالد بن الوليد مذ كسر الثاني ساق الأول وهما يتصارعان في طفولتهما. وقد حاول الفاروق غير مرة أن يقنع الخليفة أبو بكر بعزل خالد ولم يفلح. وانتصر خالد في حروب الردة وحمى الإسلام، ودمر الدولة الفارسية، ثم انتصر على الدولة البيزنطية، وأصبح عمر خليفة، فكان أول قرار له عزل أعظم قائد عسكري في تاريخ العالم. وخالد بن الوليد ارتكب ما قد يُسمى اليوم جرائم حرب، فقد قتل كثيرين، بينهم أسرى، إلا أن العقاد وجد العذر له دائماً. هي «اعتذاريات» بقدر ما هي عبقريات، تركتها لأقرأ «حافظ وشوقي في ميزان النقد»، وهو كتاب في ثلاثة أجزاء صدر ضمن مجموعة كتب عن الشاعرين العظيمين في الذكرى 75 لوفاتهما. وقد جمع المادة وأعدها الأستاذ محمد عبدالمطلب. الجزء الأول كله كان عن أحمد شوقي، الثاني عن حافظ إبراهيم، والثالث عنهما معاً، والمادة مفيدة ومشوقة. انتقلت إلى «الديوان الغربي للشعر العربي»، وهو في جزءين من إصدار مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، ومن تأليف الدكتور محمد مصطفى أبو شوارب والدكتور إيهاب الجندي. وهما قدّما عملاً راقياً ينطوي على جهد كبير. وقرأت بعد ذلك تاريخ «النقد الأدبي عند العرب» لأستاذي في الماجستير، الدكتور إحسان عباس الذي رفض رأيي في كتاب القاضي الجرجاني «الوساطة بين المتنبي وخصومه.» وأعدت عرض أستاذي للكتاب وبقيت عند رأيي أن الجرجاني لم ينصف المتنبي. قرأت بعد ذلك كتابين أعتقد أنهما ممنوعان في بلدان عربية عدة، الأول لمعروف الرصافي والثاني لابن رشيق القيرواني. بالمناسبة، «سلسلة الأعمال المجهولة» التي أصدرتها دار رياض الريس للكتب والنشر، تضم كتاباً عن الرصافي يستحق القراءة، من تأليف نجدة فتحي صفوة. كذلك قرأت «دليل الأسلوب» الصادر عن مجلة «الإيكونومست»، وهو مفيد جداً للصحافي العربي، خصوصاً العامل في وكالة أنباء أجنبية ويكتب باللغتين العربية والإنكليزية. والغلاف الأخير للكتاب يقول إن أول شرط للكتابة الصحافية أن يكون الكلام سهلاً ومفهوماً. كانت هناك كتب كثيرة أخرى، إلا أن المجال ضاق، فأختتم بمجموعة من كتب الدكتورة نورة صالح الشملان، أستاذة الأدب القديم في جامعة الملك سعود، تلقيتها هدية منها، وأكتفي بثلاثة هي «على شاطئ التراث» و «رسالة عن أبي تمام الشاعر الفنان» و «شخصية المتنبي في آثار الدارسين.» ولم أكن بحاجة إلى المراجع التي شغلت صفحات في كل كتاب لأعرف سعة معرفة الدكتورة نورة وعمق ثقافتها. أما وقد عدت إلى العمل ودوام المكتب، فإنني أفكر برشوة الطبيب ليأمرني بالعودة إلى السرير.  

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيون وآذان خير جليس عيون وآذان خير جليس



GMT 03:22 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

ليست إبادة لكن ماذا؟

GMT 03:11 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

دستور الكويت ودستور تركيا... ومسألة التعديل

GMT 02:58 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

أبعد من الشغور الرئاسي!

GMT 02:51 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

ليس مبعوثاً واحداً وإنما ثلاثة

GMT 20:03 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

دومينو نعمت شفيق

GMT 20:01 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

معايير عمل البلدية

GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:33 2022 السبت ,07 أيار / مايو

البنطلون الأبيض لإطلالة مريحة وأنيقة

GMT 15:44 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

اقتحام مقر وكالة الأنباء الليبية في طرابلس

GMT 04:50 2021 الجمعة ,20 آب / أغسطس

أفضل وجهات شهر العسل بحسب شهور العام

GMT 22:16 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

نفايات مسترجعة من تونس تسبب أزمة في إيطاليا

GMT 05:37 2022 الإثنين ,20 حزيران / يونيو

رسالة من وزير السياحة اللبناني إلى بلدية الغبيري

GMT 13:07 2023 الإثنين ,20 شباط / فبراير

منى سلامة تطرّز الشوكولاته بحب والدتها
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon