إيران نووية أم نفوذ

إيران.. نووية أم نفوذ؟

إيران.. نووية أم نفوذ؟

 لبنان اليوم -

إيران نووية أم نفوذ

مأمون فندي

على ظاهرها تبدو المفاوضات بين الغرب وإيران مفاوضات لمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية، ولكن الإيرانيين لا يتفاوضون على النووي، بل يتفاوضون على النفوذ الإقليمي. الغرب بقيادة أميركا يتفاوض على شيء، وإيران تتفاوض على أمر آخر.

اللعبة الإيرانية والطعم الذي ابتلعه الغرب جاءا بعد أن أصدر مجلس الأمن في 2006 قرارا بالإجماع ضد إيران، حتى تتوقف عن تخصيب اليورانيوم. يومها تأكد الإيرانيون أن معلومات مجلس الأمن عما يحدث من أنشطة نووية في إيران محدودة، فاستغل الإيرانيون هذا المشهد، وأعلنوا يومها أنه سيتم تركيب 3 آلاف جهاز طرد مركزي جديد في منشأة ناتانز. وبالفعل، أبلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية عزمها على وضع 18 وحدة، تتكون كل منها من 164 جهاز طرد مركزي، أي بمجموع يقارب 3 آلاف جهاز طرد مركزي.

الرقم الذي ادعت إيران أنها تمتلكه أقل بكثير من الرقم الذي تعرفه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعرفه كذلك المعاهد والمؤسسات الدولية الاستراتيجية، الذي لا يتجاوز 164 جهاز طرد مركزي، أي ما يشكل وحدة واحدة فقط لإنتاج الماء الثقيل (One Unit).

إيران، بالطبع، لم تكن ساذجة عندما ادعت أنها تمتلك 3 آلاف جهاز طرد مركزي، أي ما يعادل 18 وحدة، فهذا كافٍ لكي تستطيع تخصيب كمية من اليورانيوم قادرة على إنتاج قنبلة نووية. وكان الهدف من هذا المبالغة في القدرات النووية تحسين موقفها التفاوضي في مسألة النفوذ الإقليمي، وهو الأهم بالنسبة لإيران. إيران تعرف أن حصولها على القنبلة لن يهدد جيرانها، وخصوصا القادرة منها على شراء سلاح نووي جاهز أو استخدام المعرفة الباكستانية المتاحة لبناء قنبلة توازن مع إيران. ولكن هدف إيران هو التفاوض مع الغرب وليس مع الإقليم في مسألة النفوذ، لذلك يصبح النووي الإيراني ليس هدفا في حد ذاته، بل خدعة كما في لعبة البوكر للحصول على أكبر مكاسب من أوراق ليست ذات قيمة حقيقية.

ولكي أوضح النقطة لا بد أن أعرج على شرح تعقيدات عملية التخصيب التي أظن أن إيران لا تمتلكها بالدرجة التي يظنها الغرب. وسأحاول هنا تبسيط عملية التخصيب المعقدة ليفهمها القارئ العادي.

بداية يحتوي اليورانيوم العادي في المناجم على 0.7 في المائة من الـU235 ايزوتوب، أما البقية العادية فهي تمثلU238؛ نسبة الـ0.7 في المائة هي التي تستخدم في التخصيب. عملية التخصيب هي محاولة رفع الـU235 إلى نسبة 5 في المائة، بدلا من 0.7 في المائة، وهذا ما تحتاجه المفاعلات الحديثة. ويتم التخصيب إما عن طريق جهاز طرد مركزي، أو عن طريق التجميع الداخلي. وهي محاولة لعزل، على الأقل، 85 في المائة من الـU238 النقي عن طريق إدخال الهكسا فلورايد في طريقين (Streams 2)؛ طريق يتم فيه تخصيب اليورانيوم، والطريق الآخر يتم فيه التنضيب.

بعد الوصول إلى مستوى التخصيب اللازم، يوضع اليورانيوم المخصب في مراكز الطرد للحصول على تركيز U235 بنسبة 5 في المائة.

آخر إعلان إيراني ذكر أن درجة النقاوة التي توصلوا إليها لـU235 هي 35 في المائة، أي أقل بكثير من النسبة المطلوبة (85 في المائة)، وكذلك لم يتوصل الإيرانيون إلى تركيز لـU235 بنسبة أكثر من 3 في المائة، أي أقل أيضا من النسبة المطلوبة (5 في المائة). وتؤكد دراسات استراتيجية أن إيران حتى لو أنها تمتلك حقا الـ18 وحدة التي أعلنت عنها، فهي غير قادرة في الوقت الحالي، من حيث الخبرة البشرية والتقنية، على تشغيلها في وقت واحد كمرحلة أولى من المراحل المتعددة والمعقدة للوصول إلى اليورانيوم المخصب. إذن، نحن هنا في بازار، يبالغ فيه الإيرانيون حول ما يمتلكونه من تقنية نووية، فيدعون امتلاكهم 18 وحدة لإنتاج الماء الثقيل، لكي يفاوضوا الوسيط الأوروبي، الذي بطبيعة الحال سيحاول تخفيض الرقم، ولكن مهما خفضه فإنه سيكون أعلى بكثير مما تمتلك إيران حقيقة، وبذا يكون التاجر الشاطر قد ربح في سوق السجاد. لم يربح فقط تصريحا بالعمل القانوني في اتجاه النووي، ولكن أيضا بتأكيد النفوذ الإقليمي.

لو لاحظنا عام 2006 والآن بعد 8 سنوات، فإن السيناريو الإيراني يستهدف إقناع دولة واحدة بالنفوذ، وهي المملكة العربية السعودية. إذ بعد ذاك الإعلان جاء الإعلان عن زيارة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إلى المملكة العربية السعودية، قبل 3 أيام. بعد الزيارة تناقلت وكالات الأنباء إعلان إيران اتفاقها مع مبادرة السلام العربية في بيروت عام 2002. الآن يتحدث الإيرانيون، بالطريقة السابقة نفسها، عن زيارات إلى السعودية أو تواصل مباشر معها، والتعاون حول ملفات إقليمية من العراق إلى لبنان إلى سوريا. أي ما قالته إيران في 2006 تقوله أيضا في 2014، وتقريبا بالحرف الواحد، وبدلا من أحمدي نجاد المتطرف نتحدث عن روحاني المعتدل، ولكن السياسة نفسها لم تتغير.

أميركا وأوروبا أيضا مستفيدتان من البلبلة المصاحبة للمفاوضات الحالية؛ فمجرد تعاطي الأميركان مع الإيرانيين سيكون السؤال في الخليج العربي: هل نحن أمام تغيير في السياسة الأميركية تجاه إيران، وبالتالي تجاه سوريا، أم مجرد تكتيك لتوريط طهران، وهل سينظر أهل الخليج إلى الحوار الأميركي - الإيراني، في إطار أن أميركا تكافئ أعداءها من الدول المتشددة في المنطقة، على حساب الأصدقاء من الدول المعتدلة؟

ورقة إيران النووية وكل عملية التفاوض الإيرانية وكل الأميال التي يقطعها وزير خارجية إيران السيد ظريف تهدف إلى الضغط على الولايات المتحدة، للقبول بنفوذ إيراني في منطقة الخليج، التي تعتبر هاجس إيران الأساسي. وليس بعيدا عن الذاكرة كيف كانت جمهورية إيران الإسلامية، في عز ثورتها الخمينية، أول من أجرى اتصالات مع إسرائيل وأميركا إبان الحرب مع العراق، للحصول على أسلحة ومعدات إسرائيلية في إطار صفقة - فضيحة، عُرفت باسم «إيران - غيت»، وكادت تطيح بحكم الرئيس رونالد ريغان في أواسط الثمانينات. إذن، عندما شعرت إيران بالتهديد في منطقة الخليج، وهي في أوج عنفوانها الثوري، لم تتردد في عقد صفقات مع إسرائيل لحماية أمنها.. براغماتية عالية يتسم بها الإيرانيون؛ فإن كان الخميني (رأس الثورة) لم يتورع عن تحالف مع «الشيطانين» (الأصغر والأكبر). فهل سيتورع خامنئي بعد أكثر من 30 عاما على قيام الثورة الإسلامية في إيران، عن عقد تحالفات حتى مع شياطين البر والماء، إن رأى أنها في صالح تمدد نفوذ إيران في الخليج والمنطقة. المفاوضات النووية الإيرانية مع الغرب بداية صفقة أو غطاء سياسي لنفوذ إيران الإقليمي المقبول أميركيا وإيرانيا. هذه الصفقة وهذا النفوذ يجب ألا يقبله العرب حتى لو كان من خلال كشف الخدعة بشراء سلاح نووي من باكستان أو من غيرها. تحويل الكذب إلى واقع رغم أن إيران لا تمتلك السلاح النووي أو أدوات الوصول إليه يجب أن يكون مرفوضا من قبلنا كعرب.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران نووية أم نفوذ إيران نووية أم نفوذ



GMT 20:03 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

دومينو نعمت شفيق

GMT 20:01 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

معايير عمل البلدية

GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 19:29 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 19:26 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 19:23 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 18:24 2023 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

وفاة الممثل التلفزيوني جاك أكسلرود عن عمر ناهز 93 عاماً

GMT 17:28 2023 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

نشرات "لينكد إن" الإخبارية بين الترويج وتخطي الخوارزميات

GMT 10:51 2020 الأحد ,26 إبريل / نيسان

انضمام هند جاد لـ "راديو9090" خلال شهر رمضان

GMT 05:12 2022 الإثنين ,13 حزيران / يونيو

أفضل العطور الجذابة المناسبة للبحر

GMT 18:26 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

الحكم بسجن لوكاس هيرنانديز 6 أشهر بسبب "ضرب" زوجته

GMT 10:48 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفضل خمسة مطاعم كيتو دايت في الرياض
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon