القبيلة الإلكترونية

القبيلة الإلكترونية

القبيلة الإلكترونية

 لبنان اليوم -

القبيلة الإلكترونية

بقلم : مأمون فندي

هناك ظواهر اجتماعية يبدو أن مجتمعاتنا - رغم كل مظاهر الحداثة - غير قادرة على تجاوزها، وأولها فكرة القبيلة كمجتمع ومنظومة قيم وسلوك.
لافت للنظر، في وسائل التواصل الاجتماعي أو السوشيال ميديا، أن السلوك العربي فيها هو سلوكٌ قبليٌّ بامتياز. فمثلاً نجد أن «فيسبوك» أو «تويتر» أو مؤخراً «كلوبهاوس» هي تجمعات قبلية بمعني أننا ننجذب فيها إلى المشابه (نوع من المثلية الفكرية) ونتجنب المخالف في الرأي، نتابع على تويتر وكلوبهاوس من يشاركوننا الفكر لا من يختلفون عنا، ونحتفى على صفحات فيسبوك أيضا بأصدقاء يشاركوننا التوجهات نفسها. ترى لماذا لسنا قادرين على الاشتباك مع الأفكار المغايرة؟
بداية وحتى لا أكون ظالماً هناك جزء من الظاهرة ليس اجتماعياً، وإنما مرتبط بالخوارزمية التي بنيت عليها السوشيال ميديا، بمعنى أن محركات البحث ذاتها تمنحك ما يشبه ذوقك في الفكر وفي المشتريات، فالخوارزمية أو الحوسبة الخاصة بهذه الوسائل تدفعنا دفعاً في اتجاه ما يؤكد أفكارنا ورغباتنا. فمثلاً إذا اشتريت شيئاً من متجر إلكتروني تجد أن المتجر نفسه يرسل لك رسائل باستمرار، ليس فقط بخصوص ما اشتريته ولكن أشياء مشابهة لما اشتريت، فيخبرك البرنامج أن الناس الذين اشتروا هذا الصنف أيضاً اشتروا أشياء أخرى قد تناسبك. وهذا يحدث أيضاً على صفحات السوشيال ميديا الأخرى بأن ترى السوفتوير يدفع باتجاهك أصدقاء محتملين لأنهم أصدقاء آخرون تعرفهم. الخوارزمية الخاصة بالسوشيال ميديا هي خوارزمية السوق ترى أن كل الموجودين على هذه البلاتفورمز هم مجرد مستهلكين. فلسفة السوق والتسليع هي التي تحكم السوشيال ميديا، ومن هذا المنطلق ليس كل ما يحدث على السوشيال ميديا سلوكاً قبلياً، ومع ذلك فالقبلية وأفكارها وقيمها ظاهرة تستحق النقاش، القبلية الإلكترونية بكل أدواتها من تليفونات ذكية وكومبيوترات هي القبيلة القديمة ذاتها بنعراتها وفزعاتها، مع اختلاف وحيد هو أن شيخ القبيلة الإلكترونية لو مات فلن يخرج في جنازته عشرات الملايين من المتابعين الذين يتباهى بهم في حياته، ربما يخرج عشرة أو عشرون ممن يعرفهم في الواقع الفعلي ليدفنوه، إلا اذ تم تأبينه افتراضياً.
ظاهرة القبيلة الإلكترونية تتجلَّى في سلوك الأفراد وأساليب الكثيرين منهم ممن يتبنون القدح والشتائم كأسلوب حياة على السوشيال ميديا، فالسوق هنا ليس فلسفة بل السوقية هي التي تسيطر على اللغة.
لافت أيضاً على السوشيال ميديا معاداة الفكر، فمعظم ما يكتب لا يمثل أفكاراً بل مجرد قص ولصق للدرجة التي يتشابه عليك فيها البقر.
السؤال هنا، إذا كان المصدر للأفكار التافهة سيقدم المحتوى نفسه دوماً، فهل من الممكن أن نعيد ترتيب عقولنا كمستهلكين لتجنب ما هو متشابه أو نعود أنفسنا على الانتقاء كأسلوب للتعاطي مع السوشيال ميديا؟ بمعنى آخر إذا كان البائع مشكلة فهل يمكن للمستهلك أن يمتنع عن شراء تلك التفاهة التي تشبه المخدرات؟
المستهلك وليس المنتج هو المشكلة دوماً، والسوشيال ميديا اليوم تقدم لنا كثيرا ولكن التحدي الأكبر هو قدرة المستهلك في ألا يصبح سلعة في عالم أساسه فلسفة السوق، وينتقل من حالة المتلقي السلبي إلى شخص إيجابي يبحث عن المختلف لا المتشابه، يبحث عن التفرد لا أن يصبح جزءاً من جحافل القبائل الإلكترونية.
المستهلك العربي اليوم للسوشيال ميديا يعيد إنتاج فكر القبيلة وسلوكه سلوك أفراد القبيلة وأفكاره تنام في الخيمة نفسها لا يحركها إلا المتشابهات. في هذا الجو الملوث من التفاهة والسطحية نحتاج إلى حوار جاد حول القبائل الإلكترونية ومستقبل الثقافة في مجتمعات ظاهرها الأدوات الحديثة من آيفون وآيباد، ولكن مرجعيتها هي المرجعية الحاكمة نفسها لمجتمعات ما قبل الحداثة. قبائل تحمل آيفون ليس إلا.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القبيلة الإلكترونية القبيلة الإلكترونية



GMT 18:19 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

كرة ثلج شيعية ضد ثنائية الحزب والحركة!

GMT 17:28 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

مقتطفات السبت

GMT 17:26 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

سؤالان حول مسرحية فيينا

GMT 08:29 2021 الأربعاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مجلس التعاون حقاً

GMT 08:28 2021 الأربعاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم هي «الحفرة اللبنانية»

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 12:56 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 15:46 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

وفاة الممثل السوري غسان مكانسي عن عمر ناهز 74 عاماً

GMT 18:24 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مصطفى حمدي يضيف كوتة جديدة لمصر في الرماية في أولمبياد طوكيو

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 19:00 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

لصوص يقتحمون منزل الفنان كيانو ريفز بغرض السرقة

GMT 13:02 2022 الثلاثاء ,07 حزيران / يونيو

توقيف مذيع مصري بعد حادثة خطف ضمن "الكاميرا الخفية"

GMT 15:43 2021 الخميس ,23 أيلول / سبتمبر

أعلى 10 لاعبين دخلاً في صفوف المنتخب الجزائري
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon