جماعة الشبّاك

جماعة الشبّاك

جماعة الشبّاك

 لبنان اليوم -

جماعة الشبّاك

بقلم:مأمون فندي

هناك لحظات معينة في تاريخنا تسيطر عليها مجموعة من الصور والاستعارات. وواحدة من الصور التي تسيطر في وقت الأزمات هي صورة «شبّاك الفرصة السانحة window of opportunity»، أي إن هناك شبّاكاً تم فتحه لا بد من استغلاله أو توسيعه. فهل هذا النوع من الصور مفيد من زاوية التحليل السياسي، أم هو حيلة بلاغية ربما لا تهدف إلى فتح الشبّاك، بل إلى إغلاقه تماماً؟

صورة الشبّاك أو شبّاك الفرصة السانحة تختلف من عالم الأعمال والمال إلى عالم السياسة والاجتماع، فلا يمكن أن تكون ذاتها في هذين العالمين. فكرة أن الشبّاك فرصة ولها مدة محددة بعدها يغلق هذا الشبّاك، قد تكون مقبولة في عالم المال والبورصة. رغم أنه في حالة الأسواق هناك ما يمكن تسميته الشبّاك الكاذب، الذي يهدف إلى تحريك السوق ودفع الناس في اتجاه اتخاذ قرارات سريعة، وهذه الصورة سواء الشبّاك كله أو الشبّاك الكاذب، هي ليست ذاتها في عالم الاجتماع والسياسة.
وقبل أن نبدأ بالتحليل، لا بد من الإشارة إلى عدم المنطقية في بعض هذه الصور البلاغية، فمثلا تجد أحدهم لا يتورع في القول بأن «جدران السجن قد انهارت، وأن هناك شبّاك فرصة قد فُتح»، كيف يُفتح الشبّاك بعد انهيار الجدران؟ هذا أمرٌ عصيٌّ على التصور، ولكننا نتقبله في عالم ينقصه التماسك المنطقي لدى المتحدث ولدى المتلقي معاً، ولكنها عقلية البيع السريع. «فتح الشبّاك ولو تأخرت حنكون شطّبنا»، فكرة أن العرض محدود ولمدة قصيرة... أيْ تحركْ أيها المستهلك الآن!
هذه الصور تصلح للترويج لبضاعة قد تفسد بعد لحظات أو بضاعة اقتربت صلاحيتها من الانتهاء، ونريد بيعها بسرعة وبسعر رخيص، وهذا أمر لا ينطبق على الحياة السياسية والاجتماعية، فالناس وحيواتهم ليست رخيصة.
جماعة الشبّاك، أو جماعة شبّاك الفرصة السانحة، تفترض أن هذا الشبّاك فُتح في مجال ديمقراطي، الفرص فيه متاحة للجميع ومتساوية للجميع، ومجرد فتح هذا الشبّاك سيفوز المتميز كلٌّ حسب إمكاناته، وأنه لا يوجد من يحمل هراوة كبيرة سينقضّ عليك لمجرد خروج رأسك من هذا الشبّاك، أو أن الطريق من بعد الشبّاك ممهد من دون مطبات ومن دون فخاخ منصوبة. عدم إدراك طبيعة ما تحت الشبّاك وما بعده، هو جزء أساسي من عدم التماسك المنطقي في أحاديثنا العامة.
في ذكرى ثورة يوليو (تموز) 1952 أو في ذكرى الحركة المباركة، كما سماها أصحابها، وبعد سبعين عاماً بالكمال والتمام، نتذكر أنها كانت شبّاك فرصة للقضاء على الفساد والمحسوبية، فهل فُتح هذا الشبّاك على جنينة خضراء وحديقة غنّاء، أم أنه كان شبّاكاً فُتح على قفر وفقر؟ سبعون عاماً مرت وحتى الآن نتلعثم في تقييم شبّاك الفرصة، ثم جاء بعدها شبّاك فرصة ثانٍ في عام 1954، ولكنه كان شبّاكاً أو آخر النوافذ المفتوحة على طريق الديمقراطية وأُغلق الشبّاك تماماً بعد أن وُضع محمد نجيب تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته. أُغلق الشبّاك ومع ذلك كان الناس يشاهدون فيلم «رد قلبي» كل عام لإحياء ذكرى الثورة، وتدمع عيونهم عندما يأتي المشهد الذي يدخل فيه شكري سرحان، الضابط ورئيس لجنة استرداد أموال الشعب، لاسترداد مال الشعب من قصر الأمير الذي طرد عائلته من أرضهم ودارهم قبل الثورة... وهنا يعتمد التعاطف على موقفك، عندما تعطي مريم فخر الدين، ابنة الأمير التي أحبت شكري سرحان، علبة مجوهراتها (للشعب) ولكن تحتفظ بسلسلة ذهبية أهداها لها شكري سرحان.
في هذا الفيلم ولو غيّرت اسم الملك باسم الرئيس، واستمعت جيداً لمطالب الثورة لغيّرت رأيك كثيراً. كان شبّاك فرصة، ولكنه كان مفتوحاً على مصراعيه في اتجاه الظلم والاستبداد. ليس كل شبّاك مفتوح أو موارب في السياسة والاجتماع هو شبّاك فرصة. وإن كان شبّاك فرصة للبعض ليتمكنوا من رقبة الوطن ويستولوا على مقدراته، فهو ليس شبّاك فرصة للسواد الأعظم من الشعب.
حديثاً ظهرت فكرة شبّاك فرصة جديدة يريد أن يمر من خلالها البعض لتثبيت بعض مكاسبهم الصغيرة من خلال الحوار الوطني المصري. ويجب ألا نظلم الحوار قبل أن يبدأ، فقد يكون شبّاك فرصة، ولكن فرصة لمن ولماذا؟ الكل يأخذ الموضوع بجدية ويحاول أن يجهّز نفسه للحوار ليقدم نفسه بشرعية جديدة تليق. وأحد هذه الأحزاب الذي أراد تجديد شرعيته هو حزب «الدستور» الذي كان على رأسه في السابق الدكتور محمد البرادعي بكل ثقله من رئاسته لوكالة الطاقة النووية إلى جائزة نوبل، وكان يعد من أكبر الأحزاب المصرية بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، قام حزب «الدستور» بانتخابات في الأسبوع الماضي، انتخابات فازت فيها جميلة إسماعيل برئاسة الحزب مقابل منافسها خالد داوود. المفاجئ أن مجموع من صوَّتوا في هذه الانتخابات وصل إلى ستمائة صوت، نعم ستمائة، لا ستة آلاف ولا ستة ملايين في بلد قوامه أكثر من مائة مليون نسمة. حصلت جميلة إسماعيل على أربعمائة صوت مقابل مائة صوت و«شوية» لخالد داوود.
مرة أخرى لا تندهش، الأرقام أربعمائة صوت وليست أربعمائة الف، في بلد وصل عدد سكانه إلى أكثر من مائة مليون نسمة. تُرى ما شرعية من لديه مائة صوت أو قدرته على توسيع شبّاك الحوار، وما شرعية من لديه أربعمائة صوت في أن يمثل شريحة اجتماعية في الحوار؟ وماذا لو أقصى الحزب من له مائة صوت، مقابل من له أربعمائة صوت كممثل للحزب في الحوار؟ هل سيكون هذا تمثيلاً أكثر واقعية؟ هذه ليست أرقاماً من مسرحية لصامويل بيكيت أو مسرح اللامعقول.
حزب «الدستور» كما ذكرت هو من أكبر الأحزاب المصرية بعد ثورة يناير 2011، فكيف وصل الحزب الكبير إلى مجمل ستمائة صوت فقط؟ وإذا كان هذا هو حال الحزب الأكبر، فكم عدد الأصوات التي سنراها في الأحزاب الأقل شعبية، في مجمل ما هو أكثر من مائة حزب في مصر؟ ربما سنجد خمسين أو عشرين صوتاً فقط! وهل هذا يكفي لشرعية للحوار في مجتمع قوامه أكثر من مائة مليون نسمة؟ وهل هذا هو شبّاك الفرصة الذي يريد ستمائة شخص أن يوسّعوه لأنه هو المتاح الآن؟
جماعات الباب والشبّاك في مجتمعاتنا تحاول الترويج لمصالح ضيقة على أنها مصالح وطنية.
شبابيك الفرصة لا تفتح في المجتمعات إلا إذا كان الشبّاك يطل على حديقة ورائحة مبهجة، أما الشبابيك التي نتصورها الآن في حاضرنا وماضينا، فهي شبابيك رسمناها على الورق وفتحناها على الورق، ولكنها لا تتعدى كونها رسماً لا شبابيك حقيقية.
الشبّاك يفتح في الحياة الحقيقية، وإذا فتح على الورق فهو ليس شبّاكاً وإنما رسمة تشبه الشبّاك.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جماعة الشبّاك جماعة الشبّاك



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 01:56 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

«العيون السود»... وعيون أخرى!

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:43 2022 الإثنين ,09 أيار / مايو

أفضل النظارات الشمسية المناسبة لشكل وجهك

GMT 16:11 2023 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الاثنين 10 أبريل / نيسان 2023

GMT 17:41 2020 الجمعة ,11 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أنواع الشنط وأسمائها

GMT 00:08 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

وزارة الصحة التونسية توقف نشاط الرابطة الأولى

GMT 09:34 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

بريطانيا تُحقق في اغتصاب جماعي لفتاة بعالم ميتافيرس

GMT 12:31 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

أفضل أنواع الماسكارا المقاومة للماء

GMT 08:54 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

جينيسيس تكشف عن G70" Shooting Brake" رسمياً

GMT 20:21 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 3 مايو/ أيار 2023

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 10:23 2022 الثلاثاء ,17 أيار / مايو

توبة يتصدر ترند تويتر بعد عرض الحلقة 26

GMT 08:47 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

قائمة المنتخبات العربية الأكثر حصاداً للقب أمم أفريقيا
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon