زمان الصمت

زمان الصمت

زمان الصمت

 لبنان اليوم -

زمان الصمت

بقلم : مأمون فندي

«زمان الصمت، يا عمر الحزن والشكوى، يا خطوة ما غدت تقوى على الخطوة، على هم السنين».. لست ناقًدا فنًيا، ولا اليوم يوم الكتابة عن الأغنية الشهيرة للفنان المتميز طلال مداح، رغم أن الأجواء تسمح بذلك، بعيد فوز مغٍن وكاتب أغان ­ هو بوب ديلان ­ بجائزة نوبل للآداب، وإنما أكتب عن ذلك الصخب في الكتابة، والتعليقات التلفزيونية النارية، عن العلاقات المصرية السعودية، عن توترها أو تأزمها، حيث علت أصوات من لا يعرف، وسكت من يعرف. علت نغمة القوالب الذهنية الجاهزة (stereotypes (على حساب إعمال العقل في علاقات تبدو عميقة، ولكن من يدرسها بمعايير العلاقات الدولية الصارمة يعرف أننا نحّملها ما لا تقوى على حمله، فهل الصمت هو الأفضل في زمن الصخب والعنف، أم أن هناك مساحة باقية لمن يعرفون ­ رغم قلتهم ­ للحديث؟

إن ما يحدث يحتاج إلى مراجعة لفرز الَحب من القش في هذه العلاقة، وتقييمها حسب معايير علاقات الدول بعضها بعًضا، بغض النظر عن الصاجة الثقافية اللامعة التي تغطيها من أشقاء وخلافه، لنعرف ما إذا كانت هناك مادة حقيقية للانزعاج، أو أن هناك أمًرا يستحق أن يختلف عليه.

بداية، رغم ما يدعيه الأشقاء في السعودية، وأيًضا في مصر، عن مدى قربهم ومعرفتهم لبعضهم، فإنني بوصفي دارًسا ومتخصًصا، أقول إنه لا يوجد ربما من السعوديين من كتب دراسة أكاديمية مهمة عن مصر، مجتمًعا وثقافة، أو تاريًخا وسياسة، كما أنه خلال قرن كامل، يعد على أصابع اليد الواحدة من تخصص من المصريين في الدراسات السعودية، اجتماًعا وسياسة وتاريًخا!

إن ما يلوث أسماعنا اليوم، ويعمي أبصارنا، هو كلام من لا يعرفون، ممن زار بعضهم المملكة ربما للعمرة، أو له قريب يعمل هناك، وممن قضوا أسبوًعا للتنزه في القاهرة، أو من صحافيين امتهنوا الكتابات الانطباعية، إن كانوا موضوعيين فيما يكتبون، أو صحافة «الردح» التي تتحرك كما العرائس بأنامل خلف الستار؛ صحافة لا تستحق عناء الاعتبار.

نتحدث كثيًرا عن تلك العلاقات التاريخية التي تربط مصر بالمملكة، ولكنها علاقات بها مطبات هوائية لم تناقش، من الحديث عن إبراهيم باشا إلى عبد الناصر واليمن، إلى الملك فيصل واستخدام سلاح النفط في حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 ،وهي لحظة لم نتبين فيها إلى الآن طريقة اتخاذ القرار السياسي، أو طريقة تعديله. ما أود قوله هو أن علاقات المملكة ومصر لم تبن على مؤسسات، ولا يمكن وصفها بتحالف، بمعنى التحالفات بين الدول في العلاقات الدولية، فأعظم تنسيق بين الدولتين كان تلك المناورات التي تلت حرب تحرير الكويت، وهي ضمن سياق أوسع في مناورات «النجم الساطع» التي كانت أميركا هي المحور الأكبر فيها، إلى آخر مشاركة مصرية في مناورات «رعد الشمال»، وكانت محدودة. يمكن القول بثقة إنه لا يوجد بين الجيشين مثلاً أي نوع من التنسيق الذي يمكنهما من القيام بعملية واحدة معا (interoperability( بمستوى عال من التنسيق بين العتاد والأفراد. العلاقة المصرية السعودية عندما تغربلها هي علاقات تجارية، وعلاقات عامة لا ترقى حتى إلى العلاقات الثقافية، علاقات تسمح بحركة البشر وقليل من التجارة فيما بينهما، وكثير من حركة الأفكار المسطحة التي تقع في إطار (عولمة الجهل)، لا عولمة المعرفة. الدارس لتاريخ العلاقات الدولية بين البلدين يقع في حيرة إن أراد البحث! فلا أرشيف الدولتين متاح
للدراسة، ولا تفاعلات المؤسسات معروفة بشكل يسمح لوسم أنماط السلوك عبر التاريخ القصير والمتقطع بين الدولتين.

بداية، الاحترام بين السعودية ومصر يبدأ باحترام ثقافة البلدين، ودراستها بشكل يليق، خارج التصورات الذهنية الجاهزة التي ينقلها العمال إلى مصر، أو السياح إلى المملكة. احترام أساسه العلم، لا الجهل والردح وقت النوائب، أو الإطراء الفارغ في شهور العسل.

أفضل ما سمعته عن العلاقات المصرية السعودية، حتى من العقلاء ودعاة الهدوء والتروي في التفكير، كله ينصب في الحديث عن أشخاص الحكام أو وزرائهم، عن كيمياء العلاقة بين الملك فهد والرئيس حسني مبارك (ولا أعرف كيف يقيس دارسو العلاقات الدولية تلك الكيمياء)، أو علاقة أجهزة المخابرات بعضها ببعض (إذا كنا لا نعرف كثيرا عن العلاقات العلنية، فكيف لنا أن نعرف العلاقات السرية؟)، إلا إذا تحدثنا بشكل حواديت الفولكلور عن علاقة عمر سليمان بالأمير تركي الفيصل، وطبًعا هذا ضرب للودع كما يعرفه الكتاب.

بعد زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الأخيرة لمصر، استبشرت خيًرا عندما أعلن عن مجلس تنسيق مصري سعودي، وبعد قراءة قائمة المشاركين في لجان التنسيق كان من الصعب جًدا معرفة معيار الاختيار، هل هي لجان تنسيق سياسي أم ثقافي أم تجاري أم عسكري؟ غلب على اللجان التجاري، واختفي الثقافي بمعناه الثقيل. أما السياسي والعسكري، فمن حسن الفطن أن نتصور أنه يمثل السياسة العالية بين البلدين، ولا داعي لقنوات موازية على غرار منظمات المجتمع المدني، ولكن يبدو أن القوم أرادوا إنجاز شيء ما على عجل، ففعلوا ما فعلوه على عجل.

في تصوري أن إعلام لحظة التوتر هذه كشف العورة الثقافية للبلدين الشقيقين، وبّين أن كليهما لا يعرف كثيرا عن الآخر، غير تراشق الرز من ناحية وكسوة الكعبة والمحمل من الناحية الثانية. علاقات أولى لبناتها المعايرة أو الردح في لحظات الشدة والمدح في لحظات الانفراج.

بداية حل هذه الأزمات على المدى البعيد أن يكون هناك كرسي في جامعة القاهرة لدراسات المملكة وتاريخها، وكرسي مقابل في جامعة الملك سعود للدراسات المصرية، حتى تبنى الأفكار على معرفة وتراكم علمي سليم. أما كتابات اليوم التي تشبه إلى حد كبير كتابات الرحالة، فلا تبنى عليها علاقات دولية.

حل آخر هو السماح للقلة التي تعرف أن تتحاور مع بعضها بعًضا بما يليق، وتهميش الأصوات الزاعقة من ائبات الجنائز وذهنية النواح والعديد.

حتى الآن، لا أرى نية عند العرب عامة أن يعرفوا بعضهم عن علم، وهذه وصفة الحروب البدائية، فالناظر إلى المشهد السوري اليوم يدرك كيف أن أهل البلد الواحد لديهم تصورات ذهنية عن بعضهم بعًضا أوصلتهم إلى القتل على الهوية. وفي مصر، بين المسيحي والمسلم، وبين أهل الوديان وأهل الصحراء كلها، تصورات
تعولم الجهل، ولا تنشر أي علم ينفع.

ما شهدناه في وصلة الردح العابرة للحدود هو أمر جدير بالدراسة للوقوف عند حجم جهل بعضنا ببعض.

إن ما يعرفه الغرب عنا أعمق بكثير مما نعرفه عن بعضنا بعًضا، حتى لو اتهمناه بالتحيز، إذ إن جامعاته مليئة بالخبراء الذين ينتجون تراكًما علمًيا يساعدهم في اتخاذ القرار الصعب، حتى لو لم يُرق لنا، ولكنه قرار مبني ولو عدنا لأصل الأزمة، لعرفنا أننا أمام مماحكات لا أصل لها، أي عندما نتحدث عن تصويت مصر في مجلس عن علم.
الأمن، فهو صوت لا يقدم ولا يؤخر في وجود دول الفيتو، حتى أصوات الدول العظمي في حالة الفيتو لا تؤخر ولا تقدم، هذا على الضفة السعودية. أما على الضفة المصرية، فغريب هذه المبالغة في كرسي دوار لمدة عام في مجلس الأمن لا يسمن ولا يغني إلا كونه تمثيلاً لمجموعة دول يسمع أصواتها للخمسة الكبار في الجلسات، ببساطة لا موضوع هناك (substance no ،(لكنه الجهل بعمل المؤسسات الدولية، أو المعرفة مع إصرار على ترويج الأوهام.

حري بالدولتين أخذ نفس عميق، ومراجعة وصلة الردح العابر للحدود، والتوقف عند حالة الجهل السائدة بين بلدين يدعيان أنهما شقيقان، ولكن لا يعرف أحدهما ثقافة الآخر أو مجتمعه خارج التصورات السياحية.ويبقى السؤال: هل من فائدة للكلام في عالم صخب الجهل يسيطر عليه، أم أننا كما قال طلال مداح في «زمان الصمت».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمان الصمت زمان الصمت



GMT 20:04 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

حتمية المواجهة الإيرانية ــ الإسرائيلية

GMT 19:56 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

رمضان وفلسفة الجوع

GMT 11:41 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

نقطة انقلاب في واشنطن

GMT 18:19 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

هل شفي الغرب من معاداة السامية؟

GMT 15:58 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل... الإبادة الجماعية ومحكمة العدل

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 18:07 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

منافسة قوية بين ريال مدريد وأرسنال على ضم فلاهوفيتش

GMT 14:58 2021 الثلاثاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

هيفاء وهبي تضج أنوثة بملابس كاجوال ناعمة

GMT 07:33 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

ابتكار إطارات ذكية تقرأ مشاكل الطريق وتحذر

GMT 21:43 2021 الجمعة ,13 آب / أغسطس

الأهلي المصري يعلن شفاء بانون من كورونا

GMT 15:59 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تأجيل أولمبياد طوكيو يكلف اليابان 2 مليار دولار

GMT 05:55 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

هزة أرضية قوية تضرب وهران الجزائرية

GMT 13:25 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

طرق لإضافة اللون الأزرق لديكور غرفة النوم

GMT 18:56 2022 الإثنين ,03 كانون الثاني / يناير

متزلجو لبنان يستعدون لأولمبياد الصين الشتوي

GMT 15:58 2023 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل العطور الرجالية لهذا العام

GMT 15:41 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

أحذية مسطحة عصرية وأنيقة موضة هذا الموسم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon