عن توقيت المعارك

عن توقيت المعارك

عن توقيت المعارك

 لبنان اليوم -

عن توقيت المعارك

بقلم:جمعة بوكليب

يُعدُّ توقيتُ المعاركِ أحدَ أهمّ أسسِ الفوز في مختلفِ أنواع الحروب. ويُروى عن الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت قولُه: «إنني على استعداد لخسارة معركة، ولست على استعداد لخسارة دقيقة واحدة». وحسب التفسيرات، فإنَّ نابليون كانَ يرى أنَّ الخسارةَ العسكرية يمكن تعويضُها والأراضي المفقودة يمكن استردادُها، أمَّا الوقتُ فهو الموردُ الوحيد الذي لا يُعوّض ولا يُسترد.

في الحياة اليومية، تنشبُ معاركُ وحروبٌ على جبهات عديدة وبأسلحة متنوعة. في البلدان الغربية مثلاً، تقود النقابات المهنية حروباً مع الحكومات والشركات الكبرى للدفاع عن حقوق أعضائها، ويظلُّ «الإضراب عن العمل» السلاحَ الأبرز. وحين يقرّر قادةُ النقابات الخدمية اللجوء إلى هذا الخيار، فإنَّهم يحرصون على اختيار التوقيت الأنجح لتعظيم مكاسبهم.

في بريطانيا، اعتادت نقاباتُ عمال السكك الحديدية اختيارَ مواسمِ العطلات الكبرى (مثل أعياد الميلاد أو الفصح والعطلات الصيفية) موعداً لإضرابها، بهدف تعزيز موقف مفاوضيها على الطاولة لتحقيق المطالب.

ومؤخراً، أعلنتِ الرابطة الطبية البريطانية (BMA)عزمَ صغار الأطباء الإضرابَ لخمسة أيام، وذلك بعد فشل المفاوضات مع وزير الصحة. إلا أنَّ توقيت هذا الإضراب أثار ردودَ فعل غاضبة؛ كونه تزامنَ مع تفشي فيروس الإنفلونزا بشكلٍ غير مسبوق، حيث، استناداً إلى تقارير إعلامية، تستقبل المستشفيات يومياً أكثر من 2500 حالة، أغلبهم من كبار السنّ.

هذا التزامن دفعَ كثيرين وعلى رأسهم رئيس الحكومة ووزير الصحة لوصف التوقيت بـ«اللامسؤول والخطر»، وأدَّى في الوقت ذاته إلى خسارة الأطباء للدعم الشعبي؛ إذ أظهرت استطلاعات الرأي أنَّ 58 في المائة من المواطنين لا يتعاطفون مع الإضراب في ظلّ الظروف الراهنة.

تمثل معركة ُصغار الأطباء في بريطانيا جزءاً من تركة ثقيلة ورثتها حكومة العمال بقيادة كير ستارمر من الحكومة المحافظة السابقة. ورغم موافقة الحكومة على زيادة سابقة بنسبة 25 في المائة لمدة عامين، فإن الأطباء سرعان ما عادوا للمطالبة بزيادة إضافية تصل إلى 28 في المائة، وهو ما ترفضه الحكومة بدعوى عدم توفر المخصصات المالية. لذلك، وجد الأطباء المضربون أنفسَهم بين خيارين لا ثالث لهما:

الأول؛ خيار الصمت وتحمّل مشاق المصاعب الحياتية: فهم إذا لم يُضربوا في وقت الأزمات، وفوَّتوا الفرصة، فقد لا يلتفت أحد إلى مطالبهم، لمراهنة النظام على نخوتهم المهنية وما تحتّمه من أخلاقيات.

والآخر؛ خيار التصعيد وخسارة التعاطف الشعبي: أي إنهم إذا أضربوا وقت الذروة الوبائية، تحوّلوا إلى وجه الأزمة، وفقدوا مصداقيتهم المهنية والأخلاقية، وظهروا كمن يستغل الألم الإنساني لتحقيق مكاسب مادية.

من جهة أخرى، يتوقّع المجتمع البريطاني، بشكل عام، من الأطباء أن يكونوا الجدارَ الأخير، وصِمَامَ الأمان الدائم للحفاظ على نظام صحي يدركون أنه يعاني من اختلال هيكلي وعجز مالي مزمن، وأن يضحُّوا بحقوقهم للحفاظ على استمراريته وعدم انهياره. ولقاء ذلك يحظون باحترام وتقدير المواطنين.

بالعودة إلى رؤية الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت لأهمية التوقيت: كيف نقيّم هذا الموقف؟ هل توقيت الإضراب ذكي لإجبار الحكومة على التراجع وقبول المطالب، أم هو سلوك انتهازي لا يتسق مع قدسية المهنة؟

قادة الرابطة يدركون تماماً حجم مصاعب المعيشة التي يواجهها صغار الأطباء ومصاعب العمل في المستشفيات العامة، وكذلك المعضلة الأخلاقية التي يواجهونها إنْ أضربوا. ورغم ذلك قبلوا التحدي وقرروا دخول المعركة واختاروا التوقيت الأنسب لهم. وفي المقابل، يطرح أهالي المرضى خصوصاً، وغالبية المواطنين عموماً، سؤالاً مشروعاً ومؤلماً: كيف يرفض طبيب الذهابَ لممارسة عمله الإنساني، في وقت أحوج ما يكون فيه المرضى إليه؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن توقيت المعارك عن توقيت المعارك



GMT 21:11 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

“حكومة التعريفة” ولغز النفط وتسعير مشتقاته

GMT 21:11 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

فستان الرَّئيس «السَّابق»

GMT 21:10 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

ذاكرة شفوية منقوشة في جدار الزمن

GMT 21:09 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

ذاكرة شفوية منقوشة في جدار الزمن

GMT 21:08 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

قانون «الفجوة» ومرتكبو الجرائم المالية!

GMT 21:07 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

أهداف إسرائيل وحسابات سوريا الجديدة

GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

تعقيدات المفاوضات الأوكرانية

GMT 21:05 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

تغيير الخطاب وتعديل المسار

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 20:43 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مأساة أم مصرية تشعل مواقع التواصل بعد عرض أطفالها للبيع
 لبنان اليوم - مأساة أم مصرية تشعل مواقع التواصل بعد عرض أطفالها للبيع

GMT 21:44 2017 الأحد ,10 أيلول / سبتمبر

كيف تتحكمين في صرخات طفلك المحرجة؟

GMT 22:16 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ألوان الموضة لخريف وشتاء 2026 توازن بين الأصالة والابتكار

GMT 14:56 2023 السبت ,07 كانون الثاني / يناير

الطبابة في حوض الفولغا

GMT 09:27 2015 الثلاثاء ,14 إبريل / نيسان

موقع صحيفة "الحياة" يتعرض إلى القرصنة

GMT 12:39 2015 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

الأخطبوط يلجأ إلى حيل مثيرة للدهشة للإيقاع بالفريسة

GMT 07:35 2020 الجمعة ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

توماس باخ يؤكد أنهم مستعدون لإقامة أولمبياد طوكيو

GMT 22:11 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

دليل تنظيف اللابتوب

GMT 22:18 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

فالنتينو تخطف الأنظار بمجموعتها لموسم 2018

GMT 09:01 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

ماجد المصري ينتهي من تصوير فيلم خمس جولات
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon