زمن أصولي بأفكار حديثة

زمن أصولي بأفكار حديثة

زمن أصولي بأفكار حديثة

 لبنان اليوم -

زمن أصولي بأفكار حديثة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

كان الآباء المؤسسون للدول العظيمة يعدّون التأقلم مع المحيط من أسس الاستقرار؛ بغضّ النظر عن الواقعة. وهذا يعود إلى دهاءٍ سياسيٍ وحكمةٍ عالية. والتاريخ يشهد أن التأقلم جزءٌ من الفعل السياسي العالي. والسياسات يقودها تقليل الخسائر وتفويض السياسات.

في الأساطير نعلم أن «البومة» مشؤومة، واستعملت حتى في المجال الفلسفي، وهيغل أخذها كمفهومٍ في سياقه الفلسفي «بومة منيرفا» التي لا تطير إلا في جوف الليل، وثمة من عبدها وعدّها آلهة، ورمز لها وحيد حامد في فيلم «طيور الظلام» لعادل إمام.

إن المواضيع الأساسية في الإقليم تعبّر عن هذا الشؤم، أو عن المواضيع التي يجب الخلاص منها على الفور. وهذا لن يتحقق من دون درس السياسات العليا التي يمكن أن تجود بها دول الاضطراب على شعوبها المنهكة. لقد مرّ زمنٌ طويل من طيران البوم في الليل على هذه المجتمعات وهي تستخدم عبارات التبجيل لزعامات الأحزاب العبثية الدينية المتمردة بكل فجاجةٍ وتحريض. خزّنت السلاح تحت بناياتٍ يسكنها الأطفال، ورمت بموادها على المرافئ والموانئ، وجعلت كل المجتمع رهينةً لخطاباتٍ واستراتيجياتٍ مجنونة أودت بحياة الآلاف من المدنيين. وأحسب أن المواقف الدولية باتت أكثر وضوحاً حيال هذا التمرد الأصولي ومحاولة حصاره، وأظنّ أن ثمة نقاطاً يمكن اختصارها بالآتي:

أولاً: المستوى الإرهابي لـ«حزب الله»، الذي يغضّ الطرف عنه حتى بعض مدّعي الثقافة في الإقليم باسم تعزيز الحوار، أو فهم الأفكار، ومن هذه العبارات الجهنميّة الكارثية، وبتذاكٍ مكثف، يتوقعون أن «حزب الله» يمكنه أن يتحوّل إلى تيارٍ سياسي مدني. إن حصار «حزب الله» حالياً ونزع السلاح منه باتا ضرورةً ملحة، وبخاصةٍ أنه لم يستطع أن يُنجز لتياره أي شيء، وتحالف بشكلٍ مشؤوم ومدمّر مع «التيار الوطني الحر» في اتفاق «مار مخايل» مما أسس لمرحلة شديدة الدمار على كافة المستويات، بشهادة السياسيين اللبنانيين وبالأرقام الاقتصادية. وقلت من قبل في هذه الجريدة إن «التيار الوطني الحر» هو أول تيار مسيحي تُضمّنه مراكز دراسات الإسلام السياسي ضمن مجالاتها البحثيّة والدراسية.

ثانياً: لا بد من التمييز بين التأقلم والاقتناع. بعض الكتاب والمحللين يرون أن كل الأمور في نصابها. إن التأمل والتريّث الشديدين حول ما يجري بالإقليم يجعلاننا أمام رؤيةٍ أكثر حيويّةً ودقة. وما كانت الرؤى العالية التي نجحت عبر التاريخ إلا نتيجة الهدوء والقراءة بحذر، أما التقافز نحو الرأي النهائي لأي مرحلةٍ فيكون فيها المزيد من التسرّع، والاغتباط. إن بعض الصحافيين لا يستطيعون الخروج من العاطفة إلى الفهم، ولا من الواقعة إلى العاقبة. هذا الاضطراب التحليلي أساسه الجهل بلا شك، وكذلك الغفلة المعرفية عن المواضيع الأساسية، وعلى رأسها الأفكار المؤسسية والمدنية. إن الاغتباط السريع يعني أن الفكرة الرئيسية لمفهوم الدولة مرتبكةٌ لدى البعض، وهذا ينعكس على مفهومهم لدولهم بالتأكيد.

ثالثاً: ضرورة الاستمرار بمحاربة الأصولية بكل أطيافها، وبكل انتماءاتها المذهبية. وللأسف أن الأحداث الحاليّة بينت أن المستوى الثقافي لدى بعض من يسمون نخب المذاهب باتت تبرز خناجرها الطائفية باسم الدفاع عن هذا الحزب، أو الترويج لاستيعابه. قانونياً «حزب الله» و«الحوثي» وجماعة «الإخوان المسلمين» هي جماعات إرهابية من دون مواربةٍ أو تحوير، والعجب أن هذه النخب التي تغشى المنتديات والمؤتمرات ليست لديها الشجاعة في انتقاد هذه الجماعات أو توضيح خطرها وسوئها وشؤمها، بل تطرح كلماتٍ رماديةً ليست أساسية بل هامشية.

الخلاصة أن الإقليم يعيش حالةً غير مسبوقة على كل المستويات، وحصار أحزاب الإسلام السياسي وهدم مشاريعها ضرورة للاستقرار في المنطقة. ما عادت المفاوضات والمناطق الرمادية مفيدة، ثمة مشاريع يقودها الزعماء المعتدلون نحو التنمية والأمن والرفاه، وما من مناص من دون إنهاء هذه الأحزاب بشكلٍ كامل والبدء بدولٍ مؤسسيةٍ وبأفكارٍ تنمويةٍ، وتأسيس الحيويّة الدنيوية، من دون ذلك فإن الإقليم بأكمله سيتجه نحو الهاوية.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن أصولي بأفكار حديثة زمن أصولي بأفكار حديثة



GMT 17:48 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

المبالغة في التحذيرات “مثل قلتها”

GMT 17:48 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

حقّاً أهرام

GMT 17:47 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

أمامَ محكمة الرُّبعِ الأول

GMT 17:46 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

مِثال علاء عبد الفتاح

GMT 17:45 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

لبنان ومخاطر الإدارة المجتزأة

GMT 17:44 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

إسرائيل وشرعنة الكيانات الهلامية

GMT 17:43 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

التنافس لأعلى

GMT 17:42 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

فعلها النقيب النبراوى

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

بيروت ـ لبنان اليوم

GMT 17:11 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

الحوثي يتوعد أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال
 لبنان اليوم - الحوثي يتوعد أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال

GMT 21:09 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 02:42 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على طريقة تحضير حلى "الشوكولاتة الداكنة" بالقهوة

GMT 20:53 2022 الثلاثاء ,07 حزيران / يونيو

المسرح الوطني اللبناني يحتفي باليوم العربي للمسرح

GMT 08:43 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

المغربي حكيم زياش يُطالب غلطة سراي بمستحقاته المالية

GMT 23:07 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

البياوي يبدأ مهمته في القادسية

GMT 17:08 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

ربيع سفياني يكشف أسباب تألقه مع التعاون

GMT 06:07 2021 الأربعاء ,03 آذار/ مارس

قطيع أغنام يغرق في نهر جليدي في الصين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon