«الدولة العميقة» في لبنان نحو حراسة مافياوية للاستبداد والاقتلاع

«الدولة العميقة» في لبنان: نحو حراسة مافياوية للاستبداد والاقتلاع!

«الدولة العميقة» في لبنان: نحو حراسة مافياوية للاستبداد والاقتلاع!

 لبنان اليوم -

«الدولة العميقة» في لبنان نحو حراسة مافياوية للاستبداد والاقتلاع

حنا صالح
بقلم:حنا صالح

اكتسبت جلسة التشريع المرجأة طابع استقواء وإصرارٍ على تطبيع مع الشغور الكثير من الأبعاد، التي لا تقتصر على رئاسة الجمهورية! فالإصرار على فتح البرلمان لتشريع يحمي السارقين ويمدد لمسؤولين أمنيين مطلوبين للعدالة ووصد أبوابه أمام إنهاء الشغور الرئاسي، شكَّل تحدياً لقوى سياسية وشعبية واسعة؛ فبادر أكثر من ثلث البرلمان إلى الاعتراض واعتبارها «بحكم المنعدمة الوجود والباطلة، ولا يمكن أن تنتج أي مفاعيل»، لأنه، وفق المادتين الدستوريتين «74» و«75»، يُعتبر البرلمان هيئة انتخابية لا تشريعية!
لقد طرح مشروع جدول الأعمال الفضفاض الأسئلة عما إذا كان يندرج فعلاً تحت عنوان «تشريع الضرورة»، وكيف تكون «ضرورة» ولا تحاكي القضايا الحقيقية للبنانيين الناجمة عن الزلزال المبرمج مالياً واقتصادياً واجتماعياً، الذي تتوالى ارتداداته على جهات لبنان الأربع، وتفاقمت تداعياته بعد جريمة تفجير المرفأ وتدمير ثلث العاصمة؟
لقد برز هذا المنحى عندما انكشف عجز «موالاة» نظام المحاصصة عن إمكانية فرض مرشحها؛ فذهبت إلى التعطيل والسعي إلى التطبيع مع الشغور والفراغ، وربما لملء الشغور الرئاسي لاحقاً بما هو أخطر منه. لقد اكتشف «حزب الله» عدم القدرة على إيصال مرشحه للرئاسة، وبات معلوماً تراجع حظوظ سليمان فرنجية، مرشح «الخط» الذي يُطمئن «المقاومة»، ولو على قاعدة الضرب عرض الحائط بما يطمئن اللبنانيين، ليكون المقيم سعيداً في الرئاسة مستنسَخاً عن عهد جهنم الآفل، الذي أفقر الناس وأذلَّهم ودمر حياة الأكثرية، فانعدمت قيمة النقد الوطني عندما باتت تكلفة طباعة الليرة تفوق قيمتها، لتتهاوى كل المقومات، خصوصاً ما كان يشكل فائض قيمة في التعليم والاستشفاء والحريات إلى التعدد وحق الاختلاف!
ما كان يُعد في غرف مغلقة، تبلور في صيغة مشروع «قانون معجّل مكرر» قدمه النائب علي حسن خليل، مساعد رئيس البرلمان، أُريد منه «تمديد 3 سنوات للمديرين العامين في الإدارات والمؤسسات العامة ورؤساء الأجهزة الأمنية الذين يُحالون إلى التقاعد بسبب بلوغهم السن القانونية قبل تاريخ 31/ 12/ 2023»! وتلاه اقتراح مشروع قانون آخر من نواب «الاعتدال الوطني» يطلب تمديداً لسنتين تقاعد مديري الأجهزة الأمنية: الأمن الداخلي، الأمن العام، وأمن الدولة، الذين سيُحالون إلى التقاعد قبل 31/ 12/ 2024!
يطلب النائب علي حسن خليل، الذي لم يمثل أمام المحقق العدلي في جريمة التفجير الهيولي لبيروت، الصادرة بحقه مذكرة توقيف وادعاء بجناية «القصد الاحتمالي بالقتل»، التمديد لكبار الأمنيين المدعى عليهم كذلك في الجريمة إيّاها، وهما اللواء عباس إبراهيم واللواء طوني صليبا! ويشمل الاقتراح محاصصة في تمديد إشغال وظائف الفئة الأولى، والخطير أنه سيكون من بين أبرز المستفيدين حاكم «مصرف لبنان»، رياض سلامة، الملاحَق دولياً بتهم الفساد وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع، وقد حجزت حسابات وأصول تعود إليه تُقدَّر بمئات ملايين الدولارات! في حين أن مشروع القانون الآخر يحصر التمديد بالأمنيين، ويطال اللواء عماد عثمان، المدير العام لقوى الأمن الداخلي!
لندع جانباً هرطقة ما قيل إنه أسباب موجبة متعلقة بـ«الأمن والاستقرار»، فإن كبار المستفيدين الذين كان من المفترض إرسالهم إلى القضاء سينعمون بحصانات تمكِّنهم من الإفلات من العقاب، مثل صليبا وإبراهيم، فيما المعروف أن اللواء عثمان امتنع عن تنفيذ مذكرات التوقيف بحق المدعى عليهم! وإذا ما أضفنا اسم رياض سلامة حاكم «المركزي» منذ عام 1993، فإن التشريع لأشخاصٍ بعينهم يظهِّرُ منحى إيغال «الدولة العميقة» في جريمة تأبيد الحراسة على نهج الفساد والنيترات والاستبداد والارتهان للخارج!
لا يمكن تبرير هذه الهرطقة قانوناً، لأن آليات ملء المراكز الشاغرة في الإدارة معروفة، والموضوع لا تحتّمه أي ضرورة، بل يشكل نحراً للمبدأ القانوني والدستوري الذي يمنع التشريع لأفراد واضح أنه مُرضى عن أدائهم وأدوارهم من جانب الفاعلين في نظام المحاصصة الفاسد والمولد للفساد. تكفي هنا الإشارة إلى أنه، إلى جانب وضوح المسؤولية في التمرد على القضاء، فأمام الانهيارات المتلاحقة وجريمة العصر، استمروا على كراسيهم، ولم يعتذر أي مسؤول، رغم جرائم الإفقار والإبادة الجماعية، نتيجة تفجير المرفأ!
حتى تكتمل الصورة وتُستعجل جلسة التشريع، أقفلت المصارف أبوابها، مهدِّدة بأخطر حرب إلغاء ضد اللبنانيين، تتضمن وقف آلات الصرف بما يوقف تسديد الرواتب والمخصصات، إلى وقف تمويل الاستيراد، ليبدو البلد وأهله أشبه برهائن كارتل مصرفي يهدد الأمن الاجتماعي، ضاغطاً لإقرار قانون «كابيتال كونترول» بنسخته الكابحة للإجراءات القضائية التي صدرت أو قد تصدر في الداخل والخارج!
بعد الانهيار المالي الذي فضح مثالب الحكم المافياوي إثر «ثورة تشرين»، اغتبطت جمعية المصارف، لأن الحاكم سلامة رفض وضع قانون ينظم السحوبات المالية (كابيتال كونترول)! وطيلة السنوات الماضية، منع الرئيس بري إقرار هذا القانون، ليغطي بذلك «المحظوظين» والبنكرجية، الذين نقلوا مليارات الدولارات إلى الخارج... لكن بوجود قضاة شجعان أصدروا قرارات محدودة لصالح المودعين، توازياً مع قرارات أصدرتها محاكم أوروبية، تسارعت خطوات التشريع على الطلب لقوننة الفساد من خلال قانون «كابيتال كونترول»!
خطير القانون المطروح الذي يقونن المنهبة، لحمته وسداه، بعد تهريب الأموال، حماية كارتل مصرفي قامر بالودائع وبدد أكثر من 100 مليار دولار هي ودائع للمواطنين! إنه قانون حماية السارق ومحاصرة المسروقين مع مفعول رجعي! فالمادة العاشرة الخطيرة منه تنص على أن «يعلق تنفيذ جميع الأحكام والقرارات القابلة للتنفيذ في لبنان والخارج التي صدرت قبل صدور هذا القانون، والتي لم تنفذ بعد، وتلك التي ستصدر بعد دخوله حيز التنفيذ»! إنهم على منوال العفو عن جرائم الحرب يريدون إقرار عفو عن الجرائم المالية يمنح براءة ذمة للناهبين... فإن نجح هذا المنحى فستكون سهلةً تبرئةُ رياض سلامة، منظم المنهبة المشمول بتمديد ولايته في الحاكمية تبعاً لمضمون اقتراح القانون المقدَّم من النائب علي حسن خليل!
يتزامن هذا المنحى من التشريع الخطير المترافق مع الشغور الذي يتصدر مسؤولية تكريسه «الثنائي المذهبي»، أي «حزب الله» وحركة «أمل»، مع ذكرى مرور 18 سنة على اغتيال رفيق الحريري، لتبدو الخطوة بمثابة التأكيد على المضي في الاستباحة وتغذية الاحتقانات الخطيرة، مع تفرد أجهزة بعينها بممارسات بوليسية تخدم مخططات الاستتباع! يريدون قوننة الفساد وإسقاط القضاء بيد الخارجين عليه، لتتوج مرحلة ما بعد عام 2005 التي اتخذت أخطر أشكال الحروب ضد المواطنين، كالتجويع وانعدام الرعاية الصحية، مع ما يحمله ذلك من تهديد بالإبادة للناس إلى تجويف المؤسسات حتى التحلل التام للدولة!

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الدولة العميقة» في لبنان نحو حراسة مافياوية للاستبداد والاقتلاع «الدولة العميقة» في لبنان نحو حراسة مافياوية للاستبداد والاقتلاع



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 20:00 2022 الإثنين ,21 شباط / فبراير

فيراري تزيل النقاب عن أقوى إصداراتها

GMT 21:45 2023 الأربعاء ,14 حزيران / يونيو

ديكور أنيق يجمع بين البساطة والوظائفية

GMT 21:00 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon