«ترمومتر» الجمال

«ترمومتر» الجمال

«ترمومتر» الجمال

 لبنان اليوم -

«ترمومتر» الجمال

بقلم : طارق الشناوي

لمَن ينحاز عضو لجنة التحكيم؟ سؤال كثيراً ما تعرضت له. إجابتي الدائمة هي للعمل الفني الأكثر جمالاً. الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب له مقولة رائعة: (لا شيء يقف أمام الأجمل).
هذا ما حرصت عليه، أثناء مشاركتي في لجنة تحكيم مهرجان (قرطاج) الدورة (32)، التي أعلنت نتائجه مساء السبت الماضي.
من المهم أن تنحّي جانباً انتماءك الشخصي السياسي أو الفكري، سواء لنوع الفن الذي تفضله، أو الفنان الذي تحبه، حتى حبك لوطنك عليه ألا يقيد اختياراتك، لأنك تمارس في لجنة التحكيم دور القاضي، الذي ينحاز فقط للعدالة. إنها قطعاً مهمة شاقة أن تتحرر من كل القيود.
أتذكر نجمة مصرية قبل نحو عام، بعد نهاية عملها في لجنة التحكيم، جمعتنا سهرة أقامها المهرجان، كانت تتباهى وبصوت مسموع، أنها استطاعت أن تضغط على رئيس اللجنة حتى يمنح صديقتها النجمة الشهيرة جائزة الأفضل، وقالت لي إن المخرج الأوروبي، أنصت إليها وهي تلقي محاضرة، تؤكد فيها جدارة زميلتها بالجائزة، بحكم تاريخها الفني الذي يربو على ثلاثة عقود من الزمان، والغريب أنه استجاب لطلبها، واشترط فقط أن تقتسم معها الجائزة بنت بلده التي نافستها في المسابقة.
البعض يأتي من أوروبا مشاركاً في لجان تحكيم المهرجانات العربية، وهو يحمل أفكاراً مسبقة بأن المقايضة ممكنة، وهي ظاهرة سلبية، سببها الحقيقي أن بعض المهرجانات بالفعل قد تضع معايير أخرى خارج النص.
بينما ما كنت شاهداً عليه في مهرجان (قرطاج) أن المخرج الكبير رضا الباهي، مدير المهرجان، لم يضع معياراً واحداً تتوجه من خلاله جوائز اللجنة، ولم يعرف حتى لمَن توجه الجائزة، إلا مثل الجميع عند إعلان النتائج، على خشبة المسرح.
في بعض المهرجانات، هناك مَن يحسبها سياسياً، هكذا مثلاً مهرجان دمشق السينمائي الذي انطلق في عهد حافظ الأسد، سبعينات القرن الماضي، واستمر حتى قيام الثورة في دمشق ضد بشار عام 2011، بعد أن تعذر أمنياً إقامته. ظل المهرجان طوال تاريخه يضع المعيار السياسي سابقاً على الفعاليات الفنية، عندما تصبح مثلاً العلاقة إيجابية مع مصر، تتم دعوة المصريين بأعداد ضخمة، وكثيراً ما تحركت رحلة بطائرة خاصة من (القاهرة) إلى (دمشق)، وعندما تتوتر العلاقة سياسياً، لا تُستبعد فقط مصر من الجوائز، ولكن يتم التعتيم على السينما المصرية وعلى كل النجوم المصريين.
مصداقية المهرجان تستطيع أن تراها ماثلة أمامك عندما يحطم تلك القيود، ويخضع فقط للمعيار الفني الصارم في كل فعالياته.
أغلب الدول العربية تقيم المهرجانات من خلال وزارة الثقافة أو في الحد الأدنى تدعمها مالياً، وهو ما يتيح لها أن ترسم معالم الطريق والرسائل التي يجب أن تقدمها مباشرة أو مضمرة، على الجانب الآخر، حتى يمتلك المهرجان مصداقيته الدولية، عليه أن يكتسب أرضاً جديدة من خلال انفتاحه على العالم، وتقديم فعاليات لا تراهن إلا على الإبداع وتفتح الباب لكل الأفكار.
كثيراً ما كنت أشاهد مظاهرات تحيط قاعة (لوميير) في مهرجان (كان)، لأن هناك توجهاً سياسياً مرفوضاً تبناه أحد الأفلام، أو لأنه يؤيد توجهاً ما. لا تستطيع أن تعزل السياسة قطعاً عن الشريط السينمائي، ولكن على ألا يصبح مهرجاناً سياسياً، والفارق ضخم.
على أعضاء لجان التحكيم قبل أن يشرعوا في ممارسة مهمتهم، أن يرددوا مثلي وراء الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب مثلما فعلت في قرطاج (لا شيء يقف أمام الأجمل).

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ترمومتر» الجمال «ترمومتر» الجمال



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 18:24 2023 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

وفاة الممثل التلفزيوني جاك أكسلرود عن عمر ناهز 93 عاماً

GMT 17:28 2023 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

نشرات "لينكد إن" الإخبارية بين الترويج وتخطي الخوارزميات

GMT 10:51 2020 الأحد ,26 إبريل / نيسان

انضمام هند جاد لـ "راديو9090" خلال شهر رمضان

GMT 05:12 2022 الإثنين ,13 حزيران / يونيو

أفضل العطور الجذابة المناسبة للبحر

GMT 18:26 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

الحكم بسجن لوكاس هيرنانديز 6 أشهر بسبب "ضرب" زوجته

GMT 10:48 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفضل خمسة مطاعم كيتو دايت في الرياض

GMT 07:24 2021 الإثنين ,01 آذار/ مارس

غفران تعلن مشاركتها في "الاختيار 2" رمضان 2021
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon