نظام عالمي جديد وتحديات متعددة

نظام عالمي جديد وتحديات متعددة

نظام عالمي جديد وتحديات متعددة

 لبنان اليوم -

نظام عالمي جديد وتحديات متعددة

بقلم :ناصيف حتّي*

نعيش اليوم في مرحلة تبلور نظام عالمي جديد لم تستقر بعد قواعده وأنماط العلاقات والتفاعلات بين أطرافه كافة التي يتسم بها أي نظام عالمي تميزه عن أنظمة أخرى. فبعد سقوط نظام الحرب الباردة مع سقوط الاتحاد السوفياتي قام نظام «اللحظة الأحادية» كما سماه الكاتب الأميركي شارلز كروثمر، أو لحظة انفراد الولايات المتحدة على رأس هيكل القوى الدولي. نظام سرعان ما سقط مع عودة كل من روسيا الاتحادية، وكذلك الصين الشعبية ولو بعناوين استراتيجية مختلفة عن الماضي، إلى لعب دور فاعل ووازن ومنافس للدور الأميركي على الصعيد العالمي. وساهم سقوط الخصم «الشرقي» في إصابة الحلف «الغربي» بالوهن مع تغير بنية النظام الدولي، وكذلك طبيعة الأجندة الدولية مع تغير الأولويات والتحديات الوطنية والدولية وغيرها. ويظهر ذلك الوهن بشكل خاص في الخلافات بين الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين حول تقاسم أعباء الإسهام في منظمة حلف شمال الأطلسي. وكذاك يظهر في الخلافات الأميركية - الأوروبية حول العديد من القضايا الدولية وكيفية التعاطي معها. كما نرى الخلاف ضمن البيت الأوروبي الغربي ذاته بشكل شبه مستمر حول الأجندة الأوروبية من دون أن يعني ذلك بالطبع نهاية هذا التحالف الغربي رغم ما أصابه من تفكك.
تغير الأولويات، وكذلك التحديات وسقوط عنصر الهوية الآيديولوجية الاستراتيجية الجامعة للدول الذي كرّس جدار الفصل وطبع الصراع في الماضي، أعاد خلط الأوراق لدرجة كبيرة. وقد برز ذلك التحول من خلال أنماط تفاهمات وتعاون «بالقطعة» بين مختلف القوى بعيداً عن طبيعة الأنظمة التي تحكمها. وقد أدى ذلك إلى إحداث سيولة ومرونة كبيرة في العلاقات الدولية، خاصة في ظل عولمة متسارعة وجارفة.
عولمة حوّلت العالم إلى مثابة قرية كونية تتسم بدرجة جد عالية من الترابط والتداخل والاعتماد المتبادل. مقابل ذلك، ظهر مسار مناقض، جاء بمثابة رد فعل على العولمة عبّر عنه من خلال إحياء هويات أولية (دينية أو مذهبية أو إثنية أو غيرها) أمام هذه العولمة التي يراها كثيرون لأسباب مختلفة أنها تسلبهم أو تهدد خصوصياتهم الهوياتية في بلادهم، أو أنها مسؤولة عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الحادة التي يعيشونها؛ الأمر الذي أثر ويؤثر في النسيج الوطني لعدد من الدول ولو بدرجات متفاوتة. كما ظهرت ردود فعل عبر دعوات «الانطواء» الوطني على حساب «التعاون الإقليمي» باعتبار أن هذا الأخير حسب هذه الرؤية يهدد الهوية والمصالح الوطنية. نلحظ صعود هذه التيارات ذات الخطاب الشعبوي في مجتمعات دول الاتحاد الأوروبي ولو بدرجات متفاوتة، علماً بأنها منتشرة بعناوين مختلفة في مجمل بقاع العالم.
على صعيد آخر، نشهد مزيداً من التعاون الأمني الاستراتيجي الروسي - الصيني في وجه الولايات المتحدة محفزه المباشر مؤخرا أوكرانيا بالنسبة لروسيا وتايوان بالنسبة إلى الصين الشعبية بشكل خاص. يعكس ذلك كله ازدياد حدة التنافس بين هذه القوى سواء على مستوى الجغرافيا السياسية أو الجغرافيا الاقتصادية أو الاثنتين في العالم. ويطرح السؤال فيما إذا كان النظام الجديد الذي يتبلور سيكون ثنائي القطبية (أميركي - صيني) أم ثلاثي القطبية، بإضافة روسيا الاتحادية إلى رأس هرم بنية النظام الجديد.
لعبة التنافس هذه وكيفية إدارتها والقواعد التي ستنتج منها مع الوقت ستحدد بشكل كبير طبيعة النظام العالمي الذي سيتبلور ويستقر مع الوقت.
كما أن أزمة المناخ أو التغييرات البيئية الحادة وما تشكله من تداعيات سلبية على كل من الأمن الغذائي والأمن المائي والهجرة القسرية وانتشار الأوبئة والأمراض كلها عناصر تهدد الاستقرار على الصعد كافة، منها الوطني والإقليمي والدولي. أضف إلى ذلك جائحة «كوفيد» التي كشفت الحاجة إلى بلورة تعاون دولي فاعل متعدد الأطراف تنتج منه استراتيجية ناشطة ومبادرة للتعامل بفاعلية ونجاح مع تحديات صحية من هذا النوع مستقبلاً.
ولا بد من التذكير في هذا الصدد، أن الاقتصاد العالمي في حالة انحدار شديد كما تدل على ذلك المؤشرات كافة على الصعيدين الوطني والدولي. ونشهد ازدياداً كبيراً في عدد الدول التي تصنف أنها في طريقها للفشل، وكذلك تلك التي انضمت إلى مجموعة الدول الفاشلة. كما نشهد ازدياداً هائلاً، خاصة في الدول الفقيرة في عداد من يعيشون في فقر مدقع. ذلك كله يزيد من المخاطر المختلفة الأبعاد والمستويات على الصعد كافة.
إن تبلور نظام عالمي جديد يوفر الاستقرار في «القرية الكونية» التي نعيش فيها، في ظل هذه المتغيرات والتحديات المتزايدة والمترابطة بتداعياتها، إن لم يكن بعضها بمسبباتها، والتي لا تعرف الحدود بين الدول بسبب طبيعتها، يستدعي توفير «ثلاثية» الرؤية والإرادة والإمكانات لبلورة «ميثاق عالمي للتضامن»... ميثاق يوفر خريطة طريق وقوة دفع للخروج من النفق الذي وجد العالم نفسه فيه، يساهم ذلك إذا وجد في بناء نظام عالمي مستقر لمصلحة جميع مكوناته.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظام عالمي جديد وتحديات متعددة نظام عالمي جديد وتحديات متعددة



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 21:00 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 13:47 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 22:16 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 13:05 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 20:21 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 23:27 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 12:50 2022 الإثنين ,18 تموز / يوليو

ببغاء يُفاجئ باحثي بممارس لعبة تُشبه الغولف

GMT 19:17 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

التيشيرت الأبيض يساعدك على تجديد إطلالاتك

GMT 08:55 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 17:32 2023 الأحد ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة الفنان طارق عبد العزيز بعد تعرضه لأزمة قلبية مفاجئة

GMT 17:32 2021 الثلاثاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

خريجو الجامعات اليونانية يلتقون فلاسيس بدعوة من فونتولاكي

GMT 23:31 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 11:15 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع لتطوير قدراتك العملية

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon