بَينَ “مُحادثات فيينا” و”مُحادثات بغداد” إلى أين

بَينَ “مُحادثات فيينا” و”مُحادثات بغداد” إلى أين؟

بَينَ “مُحادثات فيينا” و”مُحادثات بغداد” إلى أين؟

 لبنان اليوم -

بَينَ “مُحادثات فيينا” و”مُحادثات بغداد” إلى أين

بقلم :ناصيف حتّي*

الجولة الثالثة من المحادثات/المفاوضات غير المُباشرة الأميركية-الايرانية بُغيةَ إحياءِ خطّة العمل الشاملة المُشتَرَكة أو إتفاق ٥ +١ (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) مع إيران، تشهد تقدّماً “ولو ببطء ومن دون توتّرٍ”، كما أعلن أكثر من مُشارك. يقوم الأوروبيون بشكلٍ خاص بالتوسّط حتى تعود واشنطن إلى الإتفاق مُحاولين إيجاد صيغةٍ جامعة تُسقِطُ لُعبةَ الشروط والشروط المُضادة التي يطرحها الطرفان، والتي هي في نهاية الأمر سمة طبيعية في مفاوضات من هذا النوع في قضيةٍ تحمل تأثيرات أساسية في “المسرح الاستراتيجي الشرق أوسطي”.

البعض في المنطقة يتصوّر، أو يتمنّى، أو يتخوّف، من مواقع سياسية مُختلفة من أننا أمام احتمالاتٍ ثلاثة:

أوّلها، ما صار يُسمّى بالعودة إلى “نموذج أوباما”، أي عودة واشنطن إلى الإتفاق النووي من جديد مع بعض الضمانات التي تُريدها وترك “يد إيران حرّة” في المنطقة.

ثاني هذه الاحتمالات أو التمنّيات، توخّياً للدقّة، قوامُه أن واشنطن ستصرّ، أو يجب أن تصرّ، على سلّةِ شروطٍ مُترابطة تشمل إلى جانب النووي كلّاً من الصواريخ الباليِستية الإيرانية والسياسات التدخّلية في المنطقة، أيّاً كانت عناوينها أو الأطراف التي تقوم بها نيابةً عن إيران ولمصلحتها. إنه “نموذجُ ترامب”، وهو مُستبعَدٌ كما تدلّ كافة المؤشّرات الأميركية وغيرها.

الإحتمالُ الثالث، وهو المُرجَّح، كما يدل العديد من المؤشرات في المفاوضات وعلى الأرض عبر الرسائل المُتبادَلة في سوريا والخليج ان انطلاق مسار تسوية الملف النووي يواكبه بشكلٍ خاص موضوع “الدور الإيراني” في المنطقة، ولو أن هذا المسار ليس بالضرورة بالوتيرة ذاتها. وتُدرك الولايات المتحدة أن دول المنطقة الحليفة لها مَعنية بذلك بشكلٍ أساس، ويقع في رأس أولوياتها الأمنية والاستراتيجية بعد تجربة سنواتٍ ستّ تقريباً منذ التوصّل إلى الاتفاق النووي المُشار إليه، والحرب الباردة والحروب بالوكالة القائمة بين هذه القوى العربية وإيران في المنطقة، وفي “النقاط الساخنة” بشكل خاص. إن استمرارَ هذه الحروب التي أشرنا إليها مُنهِكٌ ومُكلِفٌ لجميع الأطراف المُشارِكة فيها بشكلٍ أو بآخر. هذا الأمر شجّعَ ويُشجّعُ الأطراف الإقليمية المعنية، كما يدلّ على ذلك بعض المؤشرات الذي ما زال خجولاً وفي بداياته، على ولوج طريق الحوار مع الآخر/ الخصم بُغيةَ التوصّل إلى تفاهماتٍ أو اتفاقاتٍ من دون أن يعني ذلك أن النجاحَ مضمون. ويحظى ذلك بتشجيعٍ من القوى الدولية رُغم اختلافِ مصالحها في المنطقة في لعبة التنافس القائمة بينها، مع وجودِ تقاطعٍ وتوافقٍ في المصالح حول حماية الاستقرار الإقليمي.

وللتذكير فإن القوى الدولية الموجودة في الشرق الاوسط، أيّاً كانت درجة أو طبيعة انخراطها في المنطقة، والتي تعمل على إنقاذ الاتفاق النووي، لها علاقات ومصالح مع مختلف القوى والأطراف الإقليمية الفاعلة. ولا تَجِد هذه القوى مصلحةً لها في الإنجرار إلى الانحياز لهذا الطرف أو ذاك فيما لو انفجر الصراع في المنطقة، ولو أنها قد تتعاطف مع موقف هذا الطرف أو ذاك في مسألة مُعَيّنة.

من أولى مؤشرات هذا التحوّل على صعيد القوى الإقليمية، والذي ما زال في بداياته، الخطوات التي اتّخذتها وتتّخذها تركيا في إخراج العامل العقائدي الإسلاموي من سياساتها بشكل تدرّجي في إطلاقها لمسار تطبيع علاقاتها مع بعض القوى العربية كشرطٍ أكثر من ضروري للنجاح في تحقيق هذا الهدف. كذلك يُمكن الإشارة إلى المُحادثات أو الاتصالات السعودية-الإيرانية وغيرها من اتصالات إيرانية-عربية مُشابهة، أو عبر أطرافٍ ثالثة، أيّاً كان مستواها أو طبيعة المسؤولية التي يتولّاها المشاركون فيها، والتصريحات الصادرة عن الطرفين والحاملة لخطابٍ مُختلف عن خطابِ الأمسِ القريب. خطابٌ يتطلّع إلى تطبيع العلاقات، وهذا ما يفترض الاتفاق على أُسسٍ وقواعد واضحة لما يجب ان تكون عليه العلاقات الطبيعية. ويجب أن تستند هذه إلى الأعراف والمبادىء والقواعد التي تُنظّم وترعى عادةً العلاقات بين الدول. بَقي أن يُبَلورها هذا الحوار حتى ينجح في انطلاقته. وليس ذلك بالأمر السهل بسبب الإرث المستقر والمؤثّر بشكلٍ  كبير في التفاعلات الصراعية في المنطقة، وتشابك الداخلي بالخارجي في هذه الصراعات المُختلفة الأوجه والمشارب. ولكن هذا الأمر  ليس بالمستحيل إذا ما استقرّت القناعة بأن الجميعَ رابحون من تطبيع العلاقات على الأسس والقواعد المُشار إليها.

إن الانطلاقَ الخجول لهذه الحوارات وتبادل الرسائل التطبيعية التي أُشير إليها وترجمتها إلى سلوكيات سياسية على أرضِ الواقع الإقليمي، وهو ما سيحمل بدون شك نتائج إيجابية ملموسة في المنطقة، يُمكن أن يؤسّس لاحقاً لإطلاقِ عملية تدريجية لحوارٍ عربي-تركي-ايراني يهدف لإقامة نظامٍ إقليمي مُستقر (شبيه بمسار هلسنكي عام ١٩٧٥). نظامٌ إقليمي يقوم على احترام سيادة الدول الأطراف فيه وحلول منطق التعاون وإدارة الخلاف متى يحصل بين أطرافه، وليس التدخّل المُباشر أو غير المُباشر في شؤون الآخر تحت أيّ مُسمَّيات عقائدية أو سياسية، وذلك حسب القواعد الدولية المعروفة، الأمر الذي يسمح بتوفير الأمن والاستقرار والازدهار لكافةِ دوله. إنّه تحدٍّ أساسي في منطقةٍ تعيش كافة أنواع الصراعات والنزاعات، وتدفع شعوبها ودولها كلفةً باهظة لذلك .فهل تكون القيادات على مستوى هذا التحدّي؟

الدكتور ناصيف يوسف حتّي هو أكاديمي، ديبلوماسي متقاعد ووزير خارجية لبنان السابق. كان سابقاً المتحدث الرسمي باسم جامعة الدول العربيةولاحقاً رئيس بعثتها في فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، والمندوب المراقب الدائم للجامعة لدى منظمة اليونسكو.
يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” – (لندن) – توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار”- بيروت.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بَينَ “مُحادثات فيينا” و”مُحادثات بغداد” إلى أين بَينَ “مُحادثات فيينا” و”مُحادثات بغداد” إلى أين



GMT 18:19 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

كرة ثلج شيعية ضد ثنائية الحزب والحركة!

GMT 17:28 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

مقتطفات السبت

GMT 17:26 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

سؤالان حول مسرحية فيينا

GMT 08:29 2021 الأربعاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مجلس التعاون حقاً

GMT 08:28 2021 الأربعاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم هي «الحفرة اللبنانية»

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 15:46 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

وفاة الممثل السوري غسان مكانسي عن عمر ناهز 74 عاماً

GMT 15:43 2021 الخميس ,23 أيلول / سبتمبر

أعلى 10 لاعبين دخلاً في صفوف المنتخب الجزائري

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 09:07 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

صفقة نفطية لشركات أجنبية تُفجر خلافاً واسعاً في ليبيا

GMT 10:20 2023 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

الجينز واسع والألوان الجريئة أبرز صيحات الموضة لعام 2024

GMT 19:00 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

لصوص يقتحمون منزل الفنان كيانو ريفز بغرض السرقة

GMT 19:50 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة السيدة الأميركية الأولى السابقة روزالين كارتر

GMT 00:54 2023 الخميس ,27 إبريل / نيسان

أفضل الإكسسوارات والمجوهرات لهذا الموسم

GMT 16:06 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

دكتوراه لراني شكرون بدرجة جيد جدا من جامعة الجنان
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon