مفاجأة الحرب والإجلاء

مفاجأة الحرب والإجلاء

مفاجأة الحرب والإجلاء

 لبنان اليوم -

مفاجأة الحرب والإجلاء

أمل عبد العزيز الهزاني
بقلم : أمل عبد العزيز الهزاني

صادف أن بداية اشتعال الحرب في السودان منتصف أبريل (نيسان) مناسبة شهر رمضان المبارك، ثم عيد الفطر، فترة عطلة لكثير من السودانيين الذين اختاروا قضاء عطلتهم مع أهلهم في الموطن. كل شيء كان مفاجئاً، ليس لأن الوضع لم يكن محتقناً بين الجيش و«الدعم السريع»، لكن لأن خيار البدء بالاشتباك العسكري كان مؤجلاً، والأحوال إلى حد كبير كانت مستقرة، وباب التفاوض السياسي لا يزال حالاً على كل الأطراف، خاصة مع وجود «الرباعية» التي تحاول التوسط بين الأطراف للتهدئة، جاءت الحرب مفاجئة، على غفلة. تعرض المدنيون لخطر القتل والإصابة، مع وجود الاشتباك في قلب الخرطوم، نزح معظمهم إلى المناطق والأحياء الآمنة، لكن عواقب الحرب لا تزال تطاردهم.
تدخلت كل الدول لإجلاء رعاياها، من كل القارات. كانت أولوية كل دولة نقل دبلوماسييها وعائلاتهم، ثم الفئات الأخرى المتعددة من حملة جواز الدولة أو تصاريح الإقامة السارية، وهم العالقون. بعد ذلك زاد خطر تعرض طائرات الإجلاء للقصف أو إطلاق النار، فتوقفت بعض الدول عن نقل البقية من مواطنيها أو من يحمل إقامة، مثل بريطانيا. كل دولة حاولت جهدها لإجلاء رعاياها أو رعايا دول أخرى، لكنها مهمة اتسمت بالسرعة وتقليص الرحلات قدر الإمكان نظراً للأوضاع المربكة على الأرض، خاصة بعد تعرض طائرة إجلاء تركية عسكرية لإطلاق نار عند هبوطها في قاعدة «وادي سيدنا» على أطراف العاصمة الخرطوم.
عمليات الإجلاء تقع على كاهل وزارة الخارجية في كل دولة بالتنسيق مع وزارة الدفاع، هذا ما يجعل عملية الإنقاذ معقدة. دول الجوار، وأهمها مصر، من الطبيعي وجود أعداد كبيرة من مواطنيها في السودان. نقلت وزارة الخارجية عبر طائراتها المجموعة الأولى، ثم توقفت نظراً لاستهداف القاعدة الجوية، فتوجهت لنقل البقية عبر معابرها البرية الجنوبية، وميناء «بورتسودان». كانت ولا تزال المشكلة في المعابر البرية غياب الضمان الأمني، إضافة إلى رفع أصحاب المركبات والسيارات أسعارها إلى مبالغ كبيرة لنقل الهاربين إلى نقاط التجمع. حالة فوضى كبيرة في ظروف الحرب، ونستذكر آخر عملية إجلاء شهدناها بعد تولي «طالبان» السلطة في أفغانستان، ومشاهد محزنة لمحاولات فاشلة من الأفغان الخائفين للحاق بطائرات الإجلاء الأميركية، كانت عملية ناجحة للأميركيين، مؤسفة للبقية.
في حالة السودان، الإجلاء الكبير كان في ميناء «بورتسودان» إلى قاعدة الملك فيصل البحرية في مدينة جدة السعودية. وهو كبير لأنه لم يتوقف حتى اللحظة، يبدأ باستقبال السفارة السعودية لطلبات الإجلاء من مواطني أي دولة، وحتى تأمين نقلهم إلى الميناء، ثم عبر البحر الأحمر إلى جدة. السعودية ليست من دول جوار السودان، ولم يتبقَّ لها رعايا في السودان، لكنها وجدت نفسها أمام حالة إنسانية لم تكن لتتخلى عنها. ولأن الأمور متسارعة، والوقت مثل حد السيف؛ كان التنسيق بين القوات المسلحة السعودية والسفارة سريعاً، وتوجيه القيادة السعودية صريحاً بإجلاء أي إنسان لجأ إلى السفارة السعودية وطلب الإجلاء، أياً ما كانت جنسيته أو لونه أو عرقه أو ديانته. تواصلت الرياض مع أطراف الصراع في السودان لضمان أمن مواكب الإجلاء من الخرطوم إلى ميناء «بورتسودان»، حيث تستقبلهم القوات الخاصة السعودية، ثم تنقلهم سفن تجارية أو فرقاطات عسكرية سعودية تحت إشراف قوات البحرية الملكية السعودية إلى جدة.
الجهد الدبلوماسي والعلاقة الجيدة مع أطراف النزاع جعلا من السعودية لاعباً أساسياً في إنقاذ الآلاف من الناس، منهم موظفون أمميون، من خطر الحرب. أيضاً خبرة المملكة في إدارة الحشود التي اكتسبتها باستضافة الحجاج والمعتمرين كل عام، منحتها القدرة على سرعة التنسيق بين القطاعات المعنية؛ وزارة الداخلية التي سهّلت إجراءات الدخول، ووزارة الصحة التي باشرت رعاية المرضى، والقوات المسلحة بقطاعاتها التي أشرفت على استقبال الحشود الواصلة. التنسيق أيضاً يحصل مع سفارات الدول المختلفة لاستقبال رعاياها والتحضير لسفرهم إلى بلدانهم. لا شك أن تبعات الحرب مؤلمة تطال الجميع بلا اختيار أو تمييز، لكن الحقيقة أن السودان، رغم ما يعانيه اليوم من احتراب وغياب للأمن، محظوظ بالجهود السياسية، وطبعاً الإنسانية، من دول يهمها استقرار السودان وسلامة مواطنيه.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفاجأة الحرب والإجلاء مفاجأة الحرب والإجلاء



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:46 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحمل الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 22:52 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 19:30 2022 السبت ,07 أيار / مايو

حقائب يد صيفية موضة هذا الموسم

GMT 20:40 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

اتيكيت الأناقة عند النساء

GMT 20:18 2022 الثلاثاء ,10 أيار / مايو

أفكار لتنسيق الجينز مع البلوزات لحفلات الصيف

GMT 05:22 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

نصائح لاختيار أحذية الـ Pumps بشكل صحيح

GMT 13:22 2022 الأحد ,13 شباط / فبراير

مكياج خفيف وناعم للمناسبات في المنزل

GMT 12:49 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

أنواع من الفواكه تحتوي على نسبة عالية من البروتين

GMT 12:29 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

أقوى اتجاهات الموضة لخريف وشتاء 2024-2025

GMT 08:43 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

موديلات حقائب ربيع وصيف 2023

GMT 12:48 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب السعودي يتقدم 3 مراكز في تصنيف فيفا
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon