ثمن العقلانية شرق أوسط بلا أنفاق أو مخيمات

ثمن العقلانية: شرق أوسط بلا أنفاق أو مخيمات

ثمن العقلانية: شرق أوسط بلا أنفاق أو مخيمات

 لبنان اليوم -

ثمن العقلانية شرق أوسط بلا أنفاق أو مخيمات

يوسف الديني
بقلم - يوسف الديني

«حماس» اليوم ليست هي الحل، لكن الأكيد أن الكيان الإسرائيلي بالأمس واليوم هو المشكلة. هذه خلاصة ما يتشكّل اليوم بعد شهر ونصف من الموقف للعقلاء دولاً ومجتمعات بحثية وأفراداً يحاولون رغم كل الألم والتعاطف البحث عن تصور صلب ومتماسك ما بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) الذي لا يمكن قياس ما قبله عليه أو الوقوف عنده، وتحديداً نزوة «حماس» ومغامرتها التي لا يمكن تبريرها من زاوية أخلاقية، لكن يمكن فهمها ضمن سياق الانسداد السياسي لعقود، ومن هنا يمكن تلمس الموقف الذي تدفع ثمنه غالياً دول الاعتدال وفي مقدمتها السعودية لخلق توازن كبير على مستوى المقاربة الدقيقة التي هي أشبه بالسير في حقل ألغام من الشعارات والضغط والاستهداف، فهي بدبلوماسية متفوقة وتقاليد عريقة في التعامل مع الأزمات الكبرى لم تذهب إلى النتائج وتدينها، وإنما أشارت بأصبعها ولا تزال على المسببات، وهنا يجب أن نأخذ الموقف السعودي الرسمي بعيداً عن كل الهوامش الأخرى التي تمثل قائليها وانفعالاتهم العاطفية في خانة الـ«مع» أو «ضد»؛ لأنها في النهاية مبنية على التعبير وليست «الفعل» والقدرة على التأثير الذي هو مناط بمنطق الدولة حصراً، مهما بدا لكثير من المزايدين لا يعبر عن مساحتهم في الخطابات الشعبوية العاطفية والتي هي مزيج من التأثر الصادق والمؤدلج وسياسات ترحيل الأزمات واستغلالها.

من أول مقاربة سعودية ومعها بقية دول الاعتدال ومنها مصر والأردن إلى آخر تفاعل مهم جداً رحلة اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية - الإسلامية المشتركة غير العادية، وهناك نص صريح محدد بلغة واضحة وقانونية: «أهمية الوقف الفوري للتصعيد العسكري والتهجير القسري للفلسطينيين، وسرعة إدخال المساعدات الإنسانية الضرورية لتجنب تفشي الكارثة الإنسانية، وضرورة تجنب المزيد من قتل المدنيين، وتحرك المجتمع الدولي بشكل فاعل للتعامل مع الأزمة والتصدي لجميع الانتهاكات المستمرة لقوات الاحتلال الإسرائيلي ومخالفاتها المتكررة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، كما عبروا عن رفض تام لحرب ضد مفهوم حل الدولتين، وضد تقرير المصير، وضد الحرية والاستقلال، وضد الوجود الفلسطيني على أرض دولة فلسطين».

هذه العبارات المقتبسة بحروفها غير مسبوقة على مستوى الموقف والفعل، والمطلوب دعمها وتثمينها في مقابل وسائل الضغط الأخرى خارج منطق الدولة، ومنها محتوى الضغط على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما الذي يصاغ بطريقة مؤثرة، وكان من أكثرها تأثيراً أيقونات صنعها العدوان وفي مقدمتها «الأطفال الخدج» التي أثرت مع صور الضحايا والأبرياء في الرأي العالمي، أكثر من أي خطابات ومحتويات يوميات المعركة أو حسابات ثنائية النصر والهزيمة، فمع هذا الكم من سقوط المدنيين الجميع خاسر، لكن المسؤول اليوم عن استمرار المأساة هو العدوان الإسرائيلي بما يرتكبه من جرائم الحرب والمجازر التي لا يمكن قياسها على ما قبلها.

سقف اليوم للسلام مرتفع جداً، وأوراق دول الاعتدال أقوى من غيرها؛ لأنها انحازت بشكل واضح منذ البداية إلى فلسطين وأهلها، ولا يمكن أن يزايد عليها أحد بمن فيهم إسرائيل؛ لأنها أخذت منذ سنوات قطيعة تاريخية مع الكيانات البديلة من الميليشيات والتنظيمات والجماعات التي لا تمثل الدولة، ومن جهة ثانية فإن كل حديث عن مرحلة ما بعد العدوان/ الأزمة والتي يشار لها عادة باليوم التالي، لا يمكن الخوض فيه قبل إيقاف الحرب، وما يقال فيه يجب أن يكون مغايراً عن كل الأطروحات النيئة والهشة والمجتزأة، ولا سيما أن لدينا نماذج فشل لا يمكن أن نغض الطرف عنها، أولها نموذج أفغانستان والولايات المتحدة من الحرب على مدار عشرين سنة، إلى تسليم السلطة لـ«طالبان» والرحيل في مشهد كارثي شهدناه، ونموذج ما آلت إليه الأوضاع في العراق بعد الغزو وتفشي ظاهرة الميليشيات التي تتجاوز 200 فصيل، وآخرها مما لا يتم الحديث عنه مخيم «الهول» في روج آفا بشمال سوريا والذي تحتجز فيه قوات «قسد» الكردية 12 ألف عنصر من «داعش» من المقاتلين الأجانب وبجوارهم مخيمات لعائلات وأطفال «داعش»، الذين يعيشون أوضاعاً مأساوية بعد تخلي الولايات المتحدة عن الملف وتركه للأكراد، وقيام الدول الأوروبية التي تنتمي لها العائلات في جنسياتها بدفع مبالغ قليلة للحد الأدنى لتجنب عودتهم (نُشر قبل يومين وثائقي لـ«DW» الألمانية خطير عن الملف بعنوان: إرث «داعش» الخطير)، هذا فضلاً عن حالات من التخلي والهروب من الأزمات وتركها عبئاً على دول الجوار في أفريقيا، خصوصاً الغرب الذي يعيش حالة انبعاث للإرهاب.

الفارق اليوم كبير بين المخيمات الطارئة وبين المخيمات التي هي من نسيج المكان، فأنفاق غزة ومخيمات الفلسطينيين ليست كتلك التي خلفتها الحرب على الإرهاب، كما أن مجرد تشبيه «حماس» بـ«داعش» لن يحل المشكلة؛ لأنه استهتار بالفوارق الكبيرة على مستوى الولادة والتسلسل الزمني، ومع ذلك فكل التنظيمات والمخيمات الواقع البديل لحياة كريمة أنشأت أنفاقاً فكرية وآيديولوجية أكثر تعقيداً من أنفاق الأرض، ومخيمات تعاطف أكثر إنتاجاً وإعادة لتدوير الأفكار المتطرفة، بعد سأم ورحيل القوات الأجنبية متى ما زال خطرها أو شعرت بأن خسائرها أكبر من قدرتها على البقاء، وتوريثها لدول المنطقة تحت اسم الحل أو إدارة الأزمة أو إعادة الإعمار... لا يؤدي إلى شرق أوسط ينعم بالاستقرار، فضلاً عن السلام.

لم يكن القضاء على «حماس» إلا مجرد ردة فعل أولوية تجاه مغامرتها، واليوم يدرك الكيان والولايات المتحدة بأنه غير واقعي، ولا ممكن دون تكلفة بشرية ضخمة ووقت طويل وعدم ضمانة لانبعاث جديد لـ«حماسات» من نوع مختلف، كما أن تأجيل الحل للقضية الفلسطينية وبناء منطقة عازلة لا يمكن أن ينتج مخيمات مؤقتة مدفوعة التكلفة كمخيم «الهول» وباقي مخيمات «القاعدة» و«داعش»، وإنما سينتج بسبب مفهوم «النسيج» دولة داخل دولة على غرار «حزب الله» وميليشيات العراق والحوثي بأوجه متعددة وولاء لإيران ومشروعها في المنطقة على طريقة: لهم الغنم وعلى الدول العاقلة الغرم. خلاصة القول: شرق أوسط بلا أنفاق ومخيمات طموح العقلاء، لكنه يحتاج إلى أثمان لا يبدو أن الشمال المتعالي قادر عليها حتى الآن.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثمن العقلانية شرق أوسط بلا أنفاق أو مخيمات ثمن العقلانية شرق أوسط بلا أنفاق أو مخيمات



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:46 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الحمل الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 22:52 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 19:30 2022 السبت ,07 أيار / مايو

حقائب يد صيفية موضة هذا الموسم

GMT 20:40 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

اتيكيت الأناقة عند النساء

GMT 20:18 2022 الثلاثاء ,10 أيار / مايو

أفكار لتنسيق الجينز مع البلوزات لحفلات الصيف

GMT 05:22 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

نصائح لاختيار أحذية الـ Pumps بشكل صحيح

GMT 13:22 2022 الأحد ,13 شباط / فبراير

مكياج خفيف وناعم للمناسبات في المنزل

GMT 12:49 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

أنواع من الفواكه تحتوي على نسبة عالية من البروتين

GMT 12:29 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

أقوى اتجاهات الموضة لخريف وشتاء 2024-2025

GMT 08:43 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

موديلات حقائب ربيع وصيف 2023

GMT 12:48 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب السعودي يتقدم 3 مراكز في تصنيف فيفا

GMT 11:15 2022 الإثنين ,18 تموز / يوليو

خطوات بسيطة لتنسيق إطلالة أنيقة بسهولة

GMT 21:06 2022 الأحد ,17 تموز / يوليو

القطع المناسبة لإطلالات الشاطئ

GMT 01:34 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

بلقيس فتحي تطرح أحدث أغانيها "أحاول أغير"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon